-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

… موسم تسلُّق البرلمان!

… موسم تسلُّق البرلمان!
أرشيف

لا شك أن التطلع إلى بلوغ قبّة البرلمان، كموقع مؤسساتي وسياسي واجتماعي، يبقى حلما مشروعا لمن حاز مؤهِّلات تمثيل الشعب والنيابة عنه في التشريع والرقابة، بل لا عيبَ، ولعلّه يكون واجبا أحيانا، في ظروف النزاهة أن تتزاحم النخب القيادية وطنيا ومحليا على ترشيح نفسها، لكسب تزكية المواطنين في تمثيلهم برلمانيّا، لأنّ النيابة منوطة في الأصل بأهل “الحلّ والعقد” من أعلام المجتمع، وينبغي أن لا تُترك أبدا أمرًا سبْهللاً لأصحاب الطمع من ذوي النفوس الصغيرة.

لكنّ فحصًا مسحيّا على مئات المتهافتين حتى الآن على الترشح النيابي المرتقب في 12 جوان القادم، يُثبت للأسف تضاؤل تقدير خطورة التمثيل الشعبي والتصدُّر لأمر الشأن العام، إذ أضحى تقلّد المسؤولية، لدى الكثير من طالبيها الحزبيين والأحرار، مجرّد فرصة لمغنم مادي، من السذاجة التفريط فيه، وإيثار الغير بمزاياه، مهما علت أهليتُه، وشعار المتدافعين من هواة السياسة “نحن رجال وهم رجال ليسوا أحق بها منّا”!

ومن يقف على تكوين هؤلاء المزاحمين على البرلمان، ويراجع مسارهم وتنشئتهم يجدها بعيدة تمامًا عن مستوى الأداء البرلماني وما يقتضيه من قدرات تؤهِّل صاحبها للمشاركة فعليا في بناء الدولة من بوابة السلطة التشريعية.

بل إنّ مجرد معاينة فكرية سريعة لجدارياتهم الافتراضية تؤكد أن لا رأيَ معتبرًا لهم في قضايا الشأن العام، ولا تصوّرا وازنا يعكس تفكيرهم في شؤون التنمية وإصلاح الدولة. وكل زادهم خربشات هاوية و”سيلفيّات” وديّة ومجامع حول أطباق الأكل وفي أحسن الأحوال تعليقات بسيطة في جزئيات ثانوية… ومع ذلك، يتجرءون على طلب صوت الشعب لتمثيله دون حياء من أنفسهم، في وقت يتهيَّب عقلاء من الكبار وعليّة القوم الشرفاء مسؤوليةَ النيابة العامة، لاعتقادهم أنّ الشروط القائمة والإمكانات المتوفرة لا تسمح لهم بتجسيد وعودهم الانتخابية الشعبية.

 إن ما يدفع كثيرا من الطامعين في الوصول إلى الغرفة السفلى، زيادة على استسهالهم للمهمة البرلمانيّة، هو حساباتهم المبنيّة على شهرتهم في الأوساط الاجتماعيّة ربما بحكم الانتماء القبلي أو الوظيفة المهنية أو النشاط التطوعي وغيرها، وكذلك نجوميتهم الافتراضية على مواقع التواصل، حيث يرون مثل ذلك كافيًا للتأهيل البرلماني، ما يعني ببساطة أنهم جعلوا من حضورهم العامّ منصّة لطموح أكبر بكثير من حقيقتهم.

إنْ كنا نحترم مواقع بعض هؤلاء وأداءهم المجتمعي أو المهني، فإن ذلك لا يمنحهم صك عبور لدخول البرلمان، لأن هذه الوظيفة مختلفة تمامًا لمن يقدِّرها حق قدرها، وتتجاوز في مقتضياتها ومسؤوليتها مجرّد تداول اسم الشخص بين الناس، إلا إذا كان محفِّزُه الوحيد هو رغبات الطمع والمنافع المادية المرجوّة من دخول السباق الانتخابي.

إن ما نلْحظه اليوم من تدافع محموم للصغار على خوض المنافسة النيابية، يعكس بوضوح مؤشرات التمييع التي طالت الاستحقاقات الانتخابية في بلادنا، وهو من تداعيات عملية التصحير الممنهجة طيلة ثلاثة عقود ضد التجربة التعددية، حتى نأى الرفيعُ بنفسه عن وحَل العمليّة السياسية، ليندفع نحو دهاليزها الوضيعُ والرضيع.

إذا كانت الانتخابات قدرَنا، برغم تحفظات البعض على ظروف انعقادها، فإننا لا نتمنى أبدا أن يجد الجزائريون أنفسهم في نهاية المطاف مرتهنين بين خيارات التزوير ومرشحي المال الفاسد سابقا أو المفاضلة السيئة حاليا بين نوّاب السراب الكاذب في العهد الجديد ولن يكون كذلك بمثل هؤلاء!

لذا المطلوب من الأحزاب الجادَّة والكفاءات النزيهة الحرَّة أن تتقدَّم بقوة إلى المضمار الانتخابي لقطع الطريق على المغرورين والمغمورين والمأجورين، من الذين يعوِّلون على الظفر بحصاد التصويت العقابي والاستثمار في حالة الفراغ والاستقالة الجماعية، حتى لا نجد أنفسنا بعد هبّة الحَراك تحت رحمة برلمان هجين، لا لونا فاقعا له ولا مذاقا حلوا فيه ولا رائحة زكية تفوح منه.

إنّ تجنّب هذا السيناريو السيئ يقتضي من المواطنين، في مرحلتي جمع التوقيعات والاقتراع، التحلي بروح الوعي وقيم التجرّد من المطامع الخاصة، خشية السقوط في تزكية من لا يستحق، بنوازع القرابة والعشيرة والعروشية والجهوية والمصالح الشخصيّة، لأنّ مثل هؤلاء الانتهازيين لن يخدموا الأشخاص الطامعين فيهم ولا مناطقهم ولا الوطن، ولن يكون همُّهم سوى تحقيق مآربهم الضيقة، إذ أنّ فاقد الشيء لا يعطيه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ثانينه

    برلمان بن قرينه و مقري وجيلالي سفيان وساحلي وغويني وووو...سيكون مهزله تاريخيه.وحشي ان يمثل هؤلائ الشعب الجزائري العظيم

  • franchise

    - قَالها حمروش، قالها أيضًا إبن الإبراهيمي، و مازال يقولها الحراك : قواعد الّلعبة السياسية بقِيت كما كانت عليه.. التّغيير لم يحدث
    - لا تنتظروا 20 سنة أخرى لتُدرِكوا ذلك.