موقف غريب!
رغم كل ما قيل من تبريرات للموقف الرسمي الجزائري إزاء الوضع في ليبيا، إلا أن هذا الموقف الغريب لازال يثير تساؤلات تقترب من التشكيك في نزاهته ونزاهة ما يقال من تبريرات دفعت الدبلوماسية الجزائرية إلى السكوت عن الجرائم التي ارتكبها الزعيم الليبي معمر القذافي في حق شعبه.
-
صحيح أن الجزائر أكبر متضرر من الوضع المتأزم في ليبيا، وصحيح كذلك أن تنظيم القاعدة الإرهابي انتعش بعد أن حصل على كميات من السلاح من مخازن ليبيا التي فتحت أمام المدنيين، وصحيح أن عددا من المنضوين تحت المجلس الانتقالي الليبي كانوا منذ البداية عجينة في يد جهات معروفة بعدائها للجزائر.
-
لكن هذه المعطيات كلها لا يمكن أن تبرر الموقف المساند للقذافي، ولا يمكن أن تبرر صمت الدبلوماسية الجزائرية إزاء الجرائم التي ارتكبت في حق الليبيين، إذ كيف تتمسك بالقذافي مع أن الرجل انتهى يوم قال لشعبه سأطاردكم زنقة زنقة، وشرعيته انتهت يوم دمر المحتجون كتابه الأخضر وعبروا عن رغبتهم في نظام ديمقراطي ورئيس محترم.
-
وليت أن الأمر توقف عند الصمت الرسمي إزاء الجرائم المرتكبة، بل إن ممثلين لأكبر حزب في البلاد شاركوا في مؤتمر داعم للقذافي في ليبيا وقدموا خطابات رنانة تمجّد الزعيم وتتّهم الثوار بالعمالة للأمريكان وتحشر أنفها في الشأن الليبي الداخلي بطريقة لا تشرف الشعب الجزائري، المعروف بتعاطفه مع ضحايا القهر والاستبداد في كل مكان… على أمثال هؤلاء أن يستحوا ولا يسيئوا، مجددا إلى بلد المليون شهيد، لأن الجزائريين لا يمكنهم أن يكونوا عونا لطاغية يقتل شعبه ولا لمجنون يطارد الآمنين في الشوارع!
-
لا ندري ما السبب الذي جعل الدبلوماسية الجزائرية المعروفة باتزانها تفقد البوصلة هذه المرة وتتضامن مع طرف في ليبيا على حساب طرف آخر، بل وتتضامن مع الطرف الأسوأ الذي يمارس كل أنواع القتل والتعذيب والتنكيل بعد أن مارس سابقا كل أنواع الطغيان والاستبداد والبطش. هي دعوة لتصحيح موقف غريب لا يمكن تبريره، والنظر بعين ثاقبة إلى المستقبل الذي لا يمكن الحكم عليه قبل وقوعه، لكن يمكن توقعه، وكل التحليلات تشير أن الزعيم الليبي انتهى كرئيس دولة منذ مدة.