نحن من يجب أن يعتذر لك!
شدني مثل غيري الاعتذار العلني للبطل الأولمبي توفيق مخلوفي إثر إخفاقه في التتويج باللقب العالمي في بطولة العالم لألعاب القوى، لأنه كان تصرفا فريدا بعدما تعودنا على الإخفاق من دون سماع الاعتذار، وكان سابقة لم نسمع بها في مجتمعنا من أطراف أخرى فشلت في مهامها في مجالات أخرى وأخطأت في حق الشعب والوطن لكنها لم تعتذر ولم تنسحب.
صحيح أن الاعتذار ثقافة راقية يتحلى بها الرجال الشجعان والأبطال عندما يخطئون ويقصرون ويخفقون، لكننا لم نكن ننتظر اعتذارا من العداء توفيق مخلوفي بالذات لأنه لم يقصر، ولأننا نحن من يجب أن يعتذر له بعدما فشلنا في مرافقته كما ينبغي منذ تتويجه باللقب الأولمبي سنة 2012، وتركناه عرضة للاستغلال من طرف الممولين والمعلنين وشركات الإشهار، وبعدما ضغطنا عليه وجعلنا منه أملنا الوحيد في البطولة العالمية التي احتضنتها الصين.
ما كان للرجل أن يعتذر لأنه بذل الجهد ولم يقصر رغم اعترافه بخطئه الفني والتكتيكي في السباق النهائي، وما كان ليعتذر لأنه لم يكن الوحيد الذي أخفق في البطولة نفسها، ولم يكن الوحيد الذي أخطأ في منافسة رياضية بعدما فشل منتخب الجيدو في بطولة العالم، وفشلت فتيات الكرة الطائرة في بطولة العالم، وأخفق رجال كرة السلة في بطولة إفريقيا للأمم، وشبان كرة اليد في بطولة العالم للأواسط، وذلك امتدادا لإخفاقات رياضية أخرى في الرياضات الفردية والجماعية.
عندما نعيد التذكير بكل الإخفاقات التي تعيشها الحركة الرياضية فإننا لا نغطي على فشل مخلوفي في الفوز بالتاج العالمي، ولا نقلل من قيمة النتيجة الرائعة للعداء لعربي بورعدة في العشاري، ولا من قيمة الجهد الذي يبذله الرياضيون الجزائريون، ولا نشكك في قدراتهم لأن أبناءنا يملكون الكثير من المقومات والإمكانات، وللأسف لا يتوفرون على كل الشروط التي تسمح لهم بالتألق.
عندما أتحدث عن الشروط لا أقصد فقط المادية منها ولكن المعنوية والفنية والاجتماعية، وأقصد إخفاقنا في التعامل مع الإنجاز والإخفاق على حد سواء، حتى إننا لم نستثمر كما ينبغي في نتائج منتخب كرة القدم وفي تتويج وفاق سطيف باللقب القاري، واكتفينا بالاستغلال دون الاستثمار، وعند أول تعثر رحنا نشكك في منتخب كرة القدم، ونشكك في قدرات عناصر وفاق سطيف، وقدرات خير الدين ماضوي بمجرد إخفاقهم في الحفاظ على التاج القاري الذي توجوا به العام الماضي.
الحديث عن منتخب كرة القدم الذي يعود إلى أجواء المنافسة القارية اليوم، وحديث المناصرين عن نواديهم ولاعبيهم إثر عودة النشاط الكروي سينسينا من دون شك كل الإخفاقات، لأننا أمة تنسى بسرعة، وتنسى التراجع الذي تشهده مختلف الرياضات الفردية والجماعية على كل المستويات الفنية والتنظيمية بسبب تراكمات عديدة أشار إليها الفنيون والإعلاميون عديد المرات.
هموم الحياة وانشغالنا بالتفاهات ستنسينا أيضا بأن الرياضة الجزائرية ستكون على موعد مع أولمبياد ريو دي جانيرو بعد 11 شهرا من اليوم، وهو أكبر حدث رياضي يستقطب الأنظار وتتهيأ له الأمم والشعوب مدة طويلة لإثبات وجودها وتحقيق نتائج تسمح لأبنائها بالتألق، لكننا سنتذكر الحدث عند اقتراب موعده، وعندها سيفوت الأوان ونكرر الفشل والإخفاق مجددا، وعندها لا ينفع الندم ولا الاعتذار حتى ولو كان صادقًا مثل اعتذار توفيق مخلوفي!