الرأي

نحن واليابان؟

الذين تابعوا فرحة اليابانيين، بفوزهم باستضافة الألعاب الأولمبية لعام 2020، بعد صراع مرير مع الأتراك والإسبانيين، يدركون أن اليابانيين صاروا فعلا مثل البنيان المرصوص، الذي يشدّ بعضه بعضا، أو كالجسد الواحد الذي تتداعى له بقية الأعضاء بالبهجة كلما جنى ثمارا غرسها بأيدي أبنائه، فإذا كان الملف الياباني لاحتضان الألعاب الأولمبية قد قدّم ما بلغه هذا البلد الذي أبادته معنويا قنبلتا نغازاكي وهيروشيما ذات سنة 1945 من تطور خرافي في جميع المجالات، وهو الذي استضاف ذات الألعاب منذ أقل من نصف قرن، فإن الاحتفالات التي تبعت تتويج الاستضافة، أبانت أن البلد الذي بكى بحرقة وبإيجابية عندما مزقته القنابل الذرية، وحوّل دموعه إلى براميل من العرق لأجل بلوغ أعلى الدرجات، يعرف كيف يبتهج بأي نصر، لأنه يدرك أنه ساهم من جهده ومن ماله في بلوغ هذه الدرجات، وليس من براميل النفط أو أي مادة أولية، هي في حقيقتها ملك لكل الأجيال وليس لجيل واحد ولمؤسسة واحدة، بل ولشخص واحد كما يحدث عندنا.

الكاميرات اليابانية قدمت شيخا جاوز القرن من عمره، كان يذرف دموع الفرح، وهو الذي ذرف مثيلا لها بطعم آخر عندما كان في الثانية والثلاثين، كان مؤمنا حينها أن مع العسر يسرا، وأن الأزمة تلد الهمّة، وأن العمل وحده من يخرج بلاده من النهاية التي ارتضتها له الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس هاري ترومان، ولم تمض سوى سنوات حتى أصبحت واحدة من أقوى دول المعمورة في كل المجالات، رغم أن مساحتها تقلّ عن مساحة الجزائر بسبع مرات، وعدد سكانها يفوق عدد سكان الجزائر بأربع مرت، وثرواتها الباطنية لا ترقى إلى “صفر” مع أرقام ما تمتلكه الجزائر.

وفي المقابل كان مشهد رئيس بلدية طوكيو وأعضاء إدارته من المنتخبين، أشبه بدولة قائمة بذاتها، رفع البلدية التي سبقها التحدي وبلغت الهدف، وقرّرت هي رفع التحدي، حتى تقدم الهدف جاهزا للبلدية التي ستعقبها، ضمن معادلة الدولة التي تسير مهما تغير الرجال والأحزاب، أما المشهد البديع الذي قدمته اليابان فكان أعضاء مجلس التشريع الذي يوازي مجلس الشعب عندنا، رغم أن الحكم في اليابان برلماني، حيث بدا مثل اللوحة الثابتة التي قذفت العالم بالابتسامات وبالآمال، فقال أحدهم أنه لم ير إبنه منذ ثلاث سنوات بسبب انشغالاته، وقال آخر أنه سيقدم استقالته ليستريح، بعد أن أوصل بلده إلى قمة الرياضة، ووعد البقية بأن يواصلوا العمل بعد انتهاء عهدتهم الانتخابية حتى تكون اليابان “عروس” العالم رياضيا، كما هي الآن “عريس” للعالم في العلوم والتكنولوجيا، باقتصاد لا يعتمد سوى على جهد شعبها، الذي أجبر الذين اخترعوا القنبلة الذرية فأبادوا مئة وأربعين ألفا في هيروشيما وثمانين ألفا في ناغازاكي، على الوقوف سنوات من الاحترام بعد دقيقة مرّ عليها سبعون عاما.

نعود إلى الشيخ الياباني البالغ من العمر أكثر من قرن، الذي احتفل بعيد لن يكون إلا في عام 2020، عندما قال: لقد بكيت عام 1945 وسيفرح شعبي عام 2020 ولا يهمني أن أعيش إلى ذلك الوقت، لأنني متيقن أن اليابان ستعيش، أليس ما قاله مشتق من قول خاتم الأنبياء: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها”. 

مقالات ذات صلة