-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نحو إستراتيجية شاملة لمكافحة الحرائق

نحو إستراتيجية شاملة لمكافحة الحرائق

كل الدول صغيرة كانت أم كبيرة، متطورة أم متخلفة، معرَّضة لحرائق الغابات، وإنما الاختلاف بين هذه الدول في وسائل وأساليب التصدي لهذه الحرائق، فقد شاهدتُ في صائفة 2007 في كاليفورنيا حرائق مهولة على مد البصر، حيث ألسنة النيران تتصاعد إلى ارتفاع يكاد يُذهِب بالأبصار، ولكنني رأيت في عين المكان حشودا من الدفاع المدني وأحدث الآليات والمعدات والتجهيزات، فما عدت بعد ساعات إلا ورجال الإطفاء قد قفلوا إلى مخافرهم فقد “قضي الأمر الذي فيه تستفتيان”.

لا يحمل هذا الكلام اتهاما لرجال الحماية المدنية بالتهاون في أداء الواجب في هذا الظرف العصيب الذي تمر به بلادنا بسبب الحرائق التي تطوقنا من كل مكان، فهؤلاء الرجال متفانون بيقين في أداء واجبهم، ولكن تعوزهم الإمكانات والتجهيزات التي يمتلكها نظراؤهم في الدول الأخرى وتعوزهم بالأحرى إستراتيجية شاملة لتطويق الحرائق وإخمادها في مكانها قبل أن تمتد إلى مكان آخر.

إن حرائق الغابات هي من فعل العصابات الإجرامية الخفية التي استمرأت الفساد، ففعلت فعلتها وانسلت ظنا منها أنها قد نجت، كلا  سينكشف أمرُها وستلقى جزاءها آجلا أم عاجلا، فقد علَّمنا القرآن الكريم أن الله لا يُصلح عمل المفسدين وعلّمنا التاريخ أن نهاية المفسدين حقيقةٌ لا جدال فيها.

أتعجَّب من تصريحات بعض المعارضين السياسيين الذين يوجِّهون أصابع الاتهام إلى خصومهم السياسيين قبل أن يستجمعوا الأدلة ويستقصوا الحقيقة، فتراهم يسارعون في الاتهام وإطلاق الأحكام وكأنهم وجدوا فرصتهم للانتقام من غريمهم ولو من بوابة حرائق الغابات، ولو أنهم انتظروا حتى تتجلى الحقيقة لكان خيرا لهم، فتسييس كل  شيء في اعتقادي فسادٌ في الحكم واختلال في المنطق وغمط للحق.

لقد أبكاني منظرُ الجندي الذي أجهش بالبكاء وهو يتذكَّر رفاقه ويستصرخ الغيورين على هذا الوطن أن يهبُّوا لنجدته في زمن محنته. لقد تركت هذه الدموع جروحا في قلبي ولوعة في نفسي ولكنني لا أملك إلا الدعاء لهذا الوطن أن ينجيه الله من كيد الخائنين، والترحُّم على من قضوا في هذا الحرائق ونحسبهم عند الله من الشهداء فالقياس الفقهي يقضي بأن من قضى بالحرق كمن قضى بالغرق. إن الجنود ورجال الحماسة المدنية والمدنيين الذين ارتموا في أتون النار حتى نزع منهم الشوى يستحقون أن يقيم له الجزائريون تماثيل عزّ في قلوبهم وأن يدوِّنوا أسماءهم بماء الذهب في سجل الخالدين.

إن بعض المحن تأتي لشحذ الهمم ومراجعة الذات ومراجعة السياسات. إن محنة الحرائق التي أتت على الأخضر واليابس في خنشلة وتيزي وزو وبجاية وجيجل والقل ومناطق أخرى من “قارة الجزائر” يجب أن تبصِّرنا بأخطائنا وتصحِّح طريقتنا في إدارة الأزمات والكوارث. إننا مطالبون بوضع إستراتيجية شاملة  لمكافحة الحرائق والتي أتصورها على هذا النحو:

1-تنمية الثقافة الاستباقية في مجال التعامل مع الكوارث الكبرى؛ بمعنى أنه ينبغي أن نستعد للكوارث ونعدَّ  العدة لمواجهتها قبل حدوثها، وينبغي أن يكون هذا الاستعداد واقعا عمليا، فلا يكفي أن نتباهى بوجود مؤسسات استشرافية أو وجود مراصد للمخاطر الكبرى ثم إذا وقعت الواقعة لم تغن عنا هذه المؤسسات وهذا المراصد شيئا، فالدول التي بلغت شأوا بعيدا في مواجهة الكوارث الكبرى هي الدول التي أخذت بحظ وافر من الثقافة الاستباقية.

2- استعمال أجهزة الإنذار المبكر على طول الشريط الغابي كما هو معمول به في الدول الكبرى، والغاية من ذلك التحكم وإخماد أي حريق في المهد قبل أن يمتد وقبل أن تتسع رقعته ويتحول إلى كارثة خارج السيطرة.

3- استصدار مراسيم تشريعية تصنف المساحات الغابية كمناطق محرَّمة، والهدف من هذا الإجراء هو مراقبة حركات الدخول والخروج ورصد أي عمل إجرامي أو سلوك غير حضاري يمكن أن يتسبب في حرائق يصعب التحكم فيها.

4- زيادة التوعية الشعبية بفوائد الغابات وأثرها الإيجابي على البيئة والتنمية الوطنية وكذا زيادة التوعية الشعبية بخطر الإهمال واللامبالاة وأثره السلبي على البيئة والتنمية الوطنية، ويمكن أن تُسنَد هذه المهمة الوطنية  للكشافة الوطنية تحت إشراف محافظة الغابات ومدارس الحماية المدنية، فقد أثبت الكشفي حسا وطنيا عاليا في مجال المحافظة على البيئة ومنها المحافظة على الغطاء الغابي، ولذلك ينبغي أن يمكن من هذا الدور فهو أحق به وأهله.

5- تسيير دوريات ميكانيكية وراجلة وظيفتها رصد كل حركة مشبوهة تستهدف المساس بثروتنا الغابية، ويكثف عمل هذه الدوريات على الخصوص في فصل الصيف وفي أوقات الذروة من هذا الفصل التي تحدث فيها أغلب حرائق الغابات.

6- إعادة تنظيم المساحات الغابية وإنشاء حواجز طبيعية بين كل مساحة غابية وأخرى وهذا من أجل تفادي الخسائر الكبيرة في حالة حدوث حريق. لقد طبقت الولايات المتحدة الأمريكية وكثير من الدول الأوروبية هذه التقنية غير المكلفة فنجحت في تفادي الخطر الأكبر، وينبغي لنا في الجزائر أن نطبق هذه التقنية وعلى الفور لأن ثقافة الانتظار قد تنجر عنها كثيرٌ من الأخطار.

7- بناء محطات مائية عملاقة بالقرب من المساحات الغابية، تشتمل على كل التجهيزات المتطورة التي تسمح بتشغيلها في الحين وعدم انتظار وصول شاحنات وآليات الإطفاء التي قد يتسبب تأخرها غير الإرادي في إتلاف نسبة كبيرة من الغطاء النباتي.

8- لقد أثبتت كثيرٌ من الدراسات في مجال هندسة مكافحة الحرائق أن بعض حرائق الغابات قد تمتد إلى رقعة أوسع مما يصعب عمل شاحنات الإطفاء على الأرض وهذا يستدعي تدخلا عاجلا للمروحيات والطائرات المتخصصة التي يمكنها القضاء على الحرائق في زمن قياسي قياسا بعمل الآليات الميكانيكية المشتغلة على الأرض.

09- التفكير في إنشاء معهد متخصص في تكوين مهندسين في مجال مكافحة الحرائق  يمكن الاستعانة بهم في تأطير أعوان محافظة الغابات وأعوان الحماية المدنية  من أجل إعدادهم للقيام بمهامهم على الوجه الأكمل في حالة نشوب حرائق.

10- تأطير العمل التطوعي لأن من شأن أي خطأ في مواجهة الحرائق أن تترتب عنه نتائج لا  تحمد عقباها، فقد قرأت مقالا بعنوان” أساليب، تكتيكات واستراتيجية مكافحة الحرائق”) لجون والدرون على موقع  Fire Engineerin عن عاقبة الخطأ في مواجهة الحريق الذي قد يؤدي إلى الكارثة، إلى نشوء حزام ناري قد يتسبب في  محاصرة وتطويق المكلفين بالإطفاء وقد يحدث – لا قدر الله- محرقة في صفوفهم أو يربك على أقل تقدير جهود الإطفاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ديم دام دون

    يجب زرع براميل مملوئة بمادة اطفاء الحرائق في كل أرجاء الغابات - وعندما يحدث حريق خارج عن السيطرة يتم قنص تلك البرميل بالقناصة من بعيد - حتى تتسرب منها تلك المادة وتشكل ضباب في كل أرجاء المنطقة التي حدث فيها الحريق - فتنطفئ النيران - هذه فكرة يمكن تطويرها من طرف الخبراء المختصين و دعمها بتقنيات تكنولوجية متطورة ✋ لا أريد مقابل - لوجه الخير فقط - أطفؤا نيران الحقد تزول الحرائق المفتعلة