الرأي

نريد رئيسا كجمال بلماضي

حسين لقرع
  • 934
  • 8
ح.م

تحوَّل المدرِّب الوطني جمال بلماضي إلى ظاهرةٍ جزائرية جديدة، ومثالٍ حيّ على إمكانية تحقيق النجاح بالقُدرات المادية والبشرية نفسها التي كانت متوفّرة من قبل، لكنّها لم تُستَغلّ بكيفية مناسِبة.

هم اللاعبون أنفسهم تقريبا الذين كانوا يلعبون في المنتخب منذ سنوات، باستثناء بضعة لاعبين جدد، لكن نتائجهم تدهورت منذ نحو ثلاث سنوات وتجرّعوا هزائم مُذلة حتى داخل الديار، وعجز أربعة مدرِّبين تعاقبوا عليه عن استغلال مواهب العديد من اللاعبين البارزين في بطولات أوروبية كبيرة لتطوير أداء المنتخب وإعادته على سكّة الانتصارات، حتى جاء بلماضي وعرف كيف يوظّف أفضلهم، ويقضي على المحسوبية واحتكار المناصب داخل المنتخب، ويثق في بعض الشباب، ويشحنهم ويعيد إليهم الروح، ويدفعهم إلى اللعب بحرارةٍ عالية وحماس فيّاض، و”القتالِ” على أرضية الميدان بلا هوادة من أجل الفوز والحصول على الألقاب، فكان التتويج بعد 29 سنة من الغياب.

حالُ البلاد يشبه كثيرا حالَ المنتخَب؛ فمثلما يعجّ بالنجوم والمواهب الكروية النادرة التي كانت تنتظر فقط حُسنَ توظيفها لتحقيق النتائج المطلوبة، فهي تعجُّ أيضا بالكفاءات والطاقات البشرية العالية والمؤهَّلة في شتى الميادين والاختصاصات، لكنّ السلطة لم تعرف كيف تستثمرها لتحقيق إقلاعٍ اقتصادي قوي وتنميةٍ قائمة على العمل المُنتج بعيدا عن ريوع المحروقات التي علّمت البلدَ والشعب الاتكالَ والكسل، فوجدت أغلبُ الكفاءات نفسها مكبّلة مهمّشة، واستسلم الكثيرُ منها لليأس والخمول، وأصبح يعمل بلا روح كحال لاعبي المنتخب الموهوبين قبل مجيء بلماضي، واختار الآلافُ منهم الهجرة إلى بلدان تقدِّر قيمتهم العلمية والمعرفية وتستغلّهم أحسن استغلال لتطوير اقتصاداتها، فسمعنا بالكثير من الأدمغة الجزائرية التي حققت نجاحا باهرا في أرقى دول العالم، وشعرنا جميعا بالمرارة والحسرة على ضياعها منا، بفعل سياساتٍ اقصائية اجرامية تحتقر العلم والمعرفة وتهمِّش البحث والباحثين، ويرى أصحابُها، من المسؤولين محدودي المستوى وضيّقي الأفق المعرفي، في هؤلاء الباحثين خطرا كبيرا على مناصبهم التي تولّوها بالمحسوبية والجهوية والزبائنية والتزلّف المبتَذل، ويجب إبعادُهم وتهميشُهم بأيّ طريقة.

مشكلة لاعبي المنتخَب الموهوبين لم تكن مشكلة أموال وإمكانات، فهي متوفرة بشكل كبير منذ نحو 10 سنوات، وقد أغدقت عليهم الدولة العطاء، ومع ذلك كانت نتائجُهم سلبية في السنوات الثلاث الأخيرة، حتى جاء بلماضي وعرف كيف يستغلّ قدراتهم ويضعها على الدرب الصحيح، وكذلك الحال بالنسبة للبلاد؛ فهي لم تكن تعاني طيلة عهد بوتفليقة على الأقل من نقص الأموال بعد أن بلغ سعر النفط 132 دولارا في بعض الفترات، وأنفقت ألف مليار دولار في 15 سنة، دون أن يتقدّم اقتصادُنا خطوة واحدة، بل الأخطر أن البلاد بلغت حافة الإفلاس وطبع النقود بسبب ممارسات العصابة الفاسدة، لذلك قلنا إن البلاد تحتاج إلى رئيس كفء ومقتدِر وعادل يعرف كيف يبني حكما راشدا ويستغلّ طاقات الجزائريين وكفاءاتهم البشرية العالية وعباقرتهم في الداخل والخارج ويعيد إليهم الروح ويجعلهم “يقاتلون” من أجل تطوير بلدهم، كهؤلاء اللاعبين في “كان” مصر.

وما دام هناك حَراكٌ يُصِرّ منذ 5 أشهر كاملة على التغيير، ووضع حدٍّ للفساد والشمولية والرداءة والمحسوبية والانتهازية والجهوية، وإقامة الديمقراطية الحقيقية، والعدالة الاجتماعية، وإعادة الاعتبار للعمل المُنتِج والكفاءات في جميع الاختصاصات والميادين.. فإننا نتفاءل خيرا بتغيير بات وشيكا.

مقالات ذات صلة