-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الجزائر تسجّل أعلى معدلات العقم عربيا

نصف المحرومين من الإنجاب يلجؤون إلى التلقيح

نادية سليماني
  • 1529
  • 0
نصف المحرومين من الإنجاب يلجؤون إلى التلقيح
أرشيف

بين نظرة المجتمع القاسية، وحكمة القدر الغيبية، لا يزال الأزواج المحرومون من الذرية، يعانون نفسيا واجتماعيا حيث تلاحقهم نظرات الشفقة في كل مكان.
وتشهد ظاهرة التأخر في الإنجاب بالجزائر، تزايدا في السنوات الأخيرة، لدرجة تم تصنيف الجزائر ضمن أكثر الدول العربية، التي يعاني سكانها تأخر الإنجاب والعقم. ويسارع المحرومون من الذرية لإجراء عملية التلقيح الاصطناعي، كحل أوّلي ووحيد، رغم تحذير المختصين في الخصوبة والعقم من كون هذه العمليات تعتبر آخر الحلول، بعد أن يخضع المريض لبروتوكولات علاج عديدة.

مشاكل الخصوبة تهدد الرّجال الأكثر من 35 عاما
التقينا بالمختص في أمراض الخصوبة والعقم، الحاصل على شهادات تخصصية من جامعات بريطانية، الدكتور محمد طه سلطاني، صاحب عيادة الأمل للخصوبة والعقم بولاية تيبازة، وتعتبر عيادته من القلائل التي تركز على العلاج بعشرات البروتوكولات، قبل التوجيه نحو التلقيح الاصطناعي، ما ساهم في إدخال الفرحة على كثير من العائلات المحرومة من الذرية لسنوات طويلة.
وأشار المختص أنّ أكثر الفئات العمرية التي تواجه صعوبة في الإنجاب، انطلاقا من الحالات التي عالجها، هن النساء بسبب معاناتهن من اضطرابات هرمونية دورية، فيما تعتبر الفئة العمرية بين 32 سنة إلى 49 سنة الأكثر صعوبة لدى النساء، بينما أثبتت دراسات بريطانية أنّ الرّجال فوق سن 35 سنة يواجهون مشاكل في جودة الخصوبة، وعليه أفضل سن زواج يبدأ من 23 حتى 35 سنة، وكلما اقتربت المرأة من سن الأربعينيات، تزداد مشاكلها مع الإنجاب، وحتى في أخذ العلاج، لأن قابلية الاستجابة للدواء والعلاج، تختلف من جسم لآخر ومن سن لأخرى، حسب تعبيره.

أسباب العقم لدى المرأة معقدة جدا
وكشف محدثنا أن أهم أسباب العقم لدى الرجال بالجزائر، متعلقة بجودة الحيوانات المنوية أو تشوهها، بينما أسباب العقم لدى النساء معقدة أكثر، إذ قد يكون لها علاقة بالغدة النخامية أو الدرقية، مشاكل في المبيضين، نقص في مخزون التبويض، انقطاع الدورة الشهرية.
وغالبية هذه الحالات المرضية، يوجهها المختصون في أمراض النساء والتوليد مباشرة نحو عملية التلقيح الاصطناعي، بعد فشل أول علاج. وهي الظاهرة التي استنكرها محدثنا، وكشف حسب عيناته التي عالجها أن “45 بالمائة من الأزواج المحرومين من الإنجاب في الجزائر يوافقون على عملية التلقيح، والبقية يترددون كثيرا”.

نسبة نجاح التلقيح الصناعي في الجزائر لا تتعدى 7 بالمائة
وقال المختص إنّ “نسبة اللّجوء إلى مختلف عمليات التلقيح متدنية كثيرا في الجزائر، مقارنة بدول عربية وغربية، مثل بريطانيا أو أمريكا أو جنوب إفريقيا المتقدمة جدا في هذا المجال.. مؤكدا أنّ نسبة نجاح عمليات التلقيح في الجزائر لا تتعدى 7 بالمائة، بينما في مصر على سبيل المثال تفوق 50 بالمائة”.
ويفضل غالبية الجزائريين، بحسب المتحدث، إجراء التلقيح الاصطناعي في تونس “بحثا عن تقنية جديدة، وأجهزة طبية متطورة، بينما لا اختلاف في كفاءة أطباء تونس والجزائر، وكثير من علاجات العقم وعمليات التلقيح فشلت في تونس، ونجحت في الجزائر”.
وأكّد أنه خلال 6 سنوات الأخيرة، استقبل أزواجا قاموا بالتلقيح لثلاث أو أربع مرات في تونس بلا نتيجة، “وعالجهم في عيادته بنجاح، منهم حالة تأخر إنجاب لـ 24 سنة كاملة من ولاية الجلفة”.

تونس غير مصنّفة ضمن الدول المتطورة في طب الإنجاب
وأوضح الدكتور سلطاني أن تونس غير موجودة في قائمة الدول المتطورة في طب الإنجاب عبر العالم، وهي غير مصنفة أصلا في جامعات الإنجاب الدولية، مناشدا العائلات، جعل التلقيح آخر الحلول الممكنة لعلاج تأخر الحمل، بسبب تكاليفه الباهظة، ونسب نجاحه المتدنية، وأضراره على الجسم.
وقال: “أنصح بحل مشكلة تأخر الإنجاب تدريجيا، فنبدأ بمعالجة خصوبة الرجل، ثم هرمونات المرأة، تمهيدا لرفع نسبة نجاح التلقيح، لأن الاختلال الهرموني أنواع، فيه الحاد من الدرجة الثالثة، الذي تكون نسبة نجاح عملية التلقيح فيه 1 بالمائة فقط”. وتأسّف لبيع عائلات كل ما تملكه من أجل عملية تلقيح “فاشلة في أساسها، رغم أن اختصاصي العقم يقوم بـ10 علاجات كاملة قبل اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي أو الحقن المجهري أو طفل الأنبوب”.

زيادة المحتالين في طب المساعد على الإنجاب
وتأسف المختص لغياب قانون ينظم عمل مراكز المساعدة على الإنجاب في الجزائر، ما تسبب في زيادة المحتالين بالقطاع، وهجرة كفاءاتنا نحو الخارج، خاصة وأن الجزائر تعتبر من أوائل الدول في نسبة تأخر الإنجاب بالوطن العربي.
ودعا إلى تطوير طب الإنجاب ببلادنا، عن طريق إنشاء تخصص جامعي في مجال الطب، مع ضرورة تحديد الفرق بين الاختصاصات في هذا الميدان، وقال: “في الجزائر لدينا اختصاصيان فقط يعالجان تأخر الإنجاب بحسب المنهج الفرنسي الذي نتبعه، وهما طبيب النساء والتوليد وطبيب المسالك البولية، ولكن في بريطانيا وأمريكا شهادة أخصائي في الإنجاب والخصوبة والعقم تدرس جميع الأمراض المتعلقة بالإنجاب، التي لها فروع كثيرة جدا، بحيث تعمل 5 أقسام مع بعضها لتحديد المشكلة، وهي مختص أمراض المسالك البولية، علم الأحياء، علم البيولوجيا، علم الإنجاب والعقم”.
وقال محدثنا بأننا في الجزائر نفتقد الأخصائي في علم الأحياء، فأصغر تحليل في الكروموزومات يرسل إلى مخبر بباريس للحصول على النتائج.
ودعا سلطاني المرضى إلى معرفة الجهة المختصة التي يقصدونها في مشاكل الحمل، باعتبارها أهم خطوة قبل بدء العلاج، متأسفا لقلة أطباء معالجة العقم في الجزائر، إذ يتوجه المرضى مباشرة نحو طب النساء والتوليد، لأخذ أدوية ثم أدوية ثم اقتراح التلقيح الاصطناعي مباشرة، بينما أخصائي الإنجاب يكون أكثر دراية وأكثر دراسة للمشكلة”.

“العقيم” شخص مجروح وعلى الطبيب حسن الإصغاء إليه
وناشد محدثنا المختصين في طب النساء والتوليد، إعطاء المريض الوقت الكافي لشرح مشكلته والإنصات إليه بتركيز، حتى ولو تطلب ساعة من الزمن، “لأن الإنجاب موضوع حساس ومهم للأزواج، ويحتاج بروتوكول علاج خاصا، لأننا نتعامل مع نفسية إنسان مجروح”.
وتأسّف في الوقت نفسه، لإطلاق كلمة “عقيم” على كل زوج تأخر في الإنجاب، رغم أن الأمر ليس بيده، ويوجد أنواع عديدة للعقم منها “عقم مؤقت، وعقم يظهر مع مرور الزمن، وعقم ما بعد الولادة، عقم عند الزواج، ويوجد عقم ثنائي، وعقم فردي، وعقم أولي، عقم ثانوي..”.
ونبه إلى مشكلة صحية يعانيها كثير من الرجال ولا ينتبهون إليها، ما يتسبب لهم في عقم مستقبلا، وهي مشكلة مجرى الحبل المنوي، وهي حالة تظهر منذ الولادة، وتحتاج إلى عملية تصحيح مجرى الحبل المنوي، ودون إجرائها، يفقد الشاب إذا تعدى الثلاثين من عمره، أي أمل في الإنجاب، إلا بالتبرع بحبل منوي جديد، وهذا يتنافى مع ديانتنا الإسلامية. وهذه الحالة الصحية، تعتبر أصعب حالات العقم، وتم اكتشاف علاج لها مؤخرا.

“العقيم” يركن على هامش المجتمع..!!
ومن الناحية النفسية، توصف نظرة المجتمع إلى الزوجين العاجزين عن الإنجاب بـ “الدونية” لانعكاساتها السلبية على الزوجين. وقال البروفيسور في علم النفس، أحمد قوراية لـ “الشروق”، إنّ الكثير ينظرون إلى الأزواج دون أطفال، وكأنهم لا يشبهون عامة الأزواج، أو يصنفونهم في خانة اجتماعية سوداء، ويركنونهم على هامش المجتمع.
وأوضح المتحدث أنّ الشخص العقيم أو المتأخر عن الإنجاب يساوره “إحباط نفسي فظيع، لتلاشي حلمه في أن يكون أبا أو أمّا، وهو من الناحية الطبية، حالة مرضية جينية وهرمونية. ولكن مع الأسف، نتيجة قلة الوعي في مجتمعنا وعدم الرضى بالقضاء والقدر، يتدخل الناس في حياة الزوجين المتأخرين عن الإنجاب، في محاولة لتفكيك ارتباطهما، رغم سعادتهما معا أحيانا”.
وقال: حتى بعض أفراد المجتمع، تجدهم يتفاخرون بأبنائهم أمام الشخص العقيم، أو يتعمدون إخفاء أطفالهم أحيانا، خوفا من الحسد والغيرة، أو يطرحون عليه أسئلة محرجة، من قبيل: “متى تصير أبا؟ لماذا لم تعالج؟ لماذا لم تذهب إلى الطبيب الفلاني والعشاب الفلاني؟”.
وبسبب هذه السلوكات “غير الإنسانية”، يصاب “العقيم” بصدمة نفسية حادة، تجعله ينعزل عن مجتمعه ويدخل في حالة كآبة، فتمتنع المرأة عن حضور الأعراس والمناسبات، لأن المجتمع “الذكوري” يحملها المسؤولية الكبرى في العقم، ومن واجب زوجها احتواؤها ومواساتها، والشيء نفسه للرجل العقيم الذي يحتاج إلى حنان أكبر من زوجته.”
ودعا قوراية المحرومين من الإنجاب، إلى تقبل قدرهما بصدر رحب، لأن فيه حكمة وخيرا لهما، “وكم من زوجين أنجبا دزينة أطفال، لكنهما متنافران وغير سعيدين”. وعدم اختزال حياتهما الزوجية وسعادتهما بوجود أطفال، وأن يتعاملا مع العالم الخارجي بأريحية وثقة في النفس، ويحيطا نفسيهما بهالة من السعادة لإخراس الألسن، لأن حياتهما ملك لهما فقط”.

نساء متأخرات عن الإنجاب “انتحرن” من الضغوطات
واعتبر المختص في علم الاجتماع، حسين زوبيري، في تصريح لـ “الشروق”، أن مجتمعنا يمارس ضغطا اجتماعيا رهيبا على الزوجين المتأخرين في الإنجاب، فبعد مرور 6 أشهر زواج يلاحقان بسؤال: هل من حمل؟
وسبب الظاهرة، بحسبه، يرجع إلى مفهوم الذرية في المجتمع الجزائري، بدءا بالمجتمعات التقليدية، التي ترى في الأطفال قوة اقتصادية واجتماعية وثقافية وتاريخية، وقال: “في عهد الاحتلال الفرنسي، كانت العائلات تنجب أكبر عدد من الأطفال خاصة الذكور، للمساعدة في خدمة الأرض وتشكيل عصبة، وإبقاء النسل والاسم مستمرا”.
ورغم التطور الاجتماعي الذي شهدناه، مازالت هذه الفكرة قائمة في المجتمعات العربية، التي تنظر إلى “العقيم” أو المتأخر في الإنجاب بـ “ظلم كبير” خاصة المرأة، رغم أن نسبة العقم عند الرجل تساوي نفس نسبة العقم لدى النساء، بحسب دراسات حديثة، ولكن ارتباط المرأة في المخيال الجمعي بأنها معطاءة دوما، يجعلها محل اتهام في حال تأخر إنجابها.
وأشار بأن لدينا منظومة قيمية جميلة، ولكنها “غير منظمة، فنحن نحرج بعض النساء العقيمات، لدرجة أقدم بعضهن على الانتحار، بحسب دراسة جزائرية، بسبب ضغوطات كبيرة مارسها عليهن المجتمع، وتنكر لهن لأنهن لم ينجبن طفلا، وكأن الشخص المعدوم له الحق أكثر من الشخص الموجود في الحياة، ولذلك نحتاج إلى عمل كبير على مستوى المدرسة والإعلام والمجتمع، لتصحيح هذه المفاهيم”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!