-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نصيحتان ذهبيتان لوزارة التعليم العالي

نصيحتان ذهبيتان لوزارة التعليم العالي

ما فتئتْ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي منذ انتخابات 12/12/2019م تعمل وفق خطة منظومة ومحكمة للتسيير والتحكم في كل هياكل وموارد وطاقات وكوادر القطاع، وذلك حسب المؤشرات الإيجابية التي تسعى إلى إدراجها وسنها وترسيخها في تطوير القطاع والنهوض به، والتي نراها ناطقة وحاضرة وظاهرة في الواقع من جهة، وعبر وسائل الإعلام والاتصال كبيانات مُبشِّرة على شفافية التسيير والتوجيه والتطوير للقطاع، وهذه شهادة يجب تسجيلها لنشاط وفاعلية الحكومة عبر هذه الوزارة لقوله تعالى الذي أمرنا أن نؤدي الشهادة بحقها القائل: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عن ما تعملون).

غير أنه، وبحكم عمومية وشمولية التعليمات المركزية واهتمامها بالمحاور الكبرى وترك التفاصيل والجزئيات للمؤسسات المعنية تتصرف فيها وفق خصوصياتها ووضعياتها الخاصة على أحسن الأحوال، صار من اللازم تنبيه الوزارة إلى بعض الخصوصيات والتفاصيل التي تغيب عنها بحكم التسيير العشوائي والارتجالي لرؤساء بعض المؤسسات من جهة، وبحكم التوزيع الزبوني والشُّـللي والريعي للمناصب النوعية دون مراعاة لنص وروح ومقصد وضوابط وشروط تطبيق التعليمات الوزارية الصارمة من جهة أخرى، الأمر الذي بات يُفقد تلك التعليمات فاعليتها وتأثيراتها، ويجعلها عرضة للتمييع والتدوير النفعي الضيّق، الذي باتت تناور به شُلل الفساد واقتسام الريع بغير وجه حق، فتتحول تلك التعليمات النهضوية عن مقصدها المرسوم والمسطر لها من النهوض بالقطاع لخدمة الفساد الإداري الذي مازال يعشعش في دواليب الكثير من المؤسسات الجامعية التي مازالت بعيدة كل البُعد عن تطبيق تعليمات الوزارة الوصيَّة في مجال توزيع المناصب النوعية (مسؤول المسار، مسؤول الميدان، مسؤول الشعبة، مسؤول التخصّص، مسؤول المادة..)، إذ توزع للأدنى مرتبة: علميا وتربويا وبيداغوجيا وتجرُبيا وإنتاجا معرفيا وفكريا وثقافيا وأدبيا ودينيا.. لحسابات تبادلية ضيقة لا تعود على الجامعة بالنهضة والتطور.. ولكم إمكانية التحقق عبر إرسال لجان متخصصة تمحص الحق من الباطل، وستكتشفون الكثير من الاختلالات والعيوب والفساد..

ولو أن الأمر اقتصر على منح هذه المناصب العلمية لغير مستحقيها -وهو القائم اليوم في الكثير من الجامعات- بهدف تحسين الدخل الشهري والتقاعد لهذا الفاسد الذي يطبِّل للمفسدين لهان الأمر، وعُـدَّ شكلا من أشكال الفساد المالي والإداري الذي اعتدنا عليه والذي يصعب القضاء عليه بسهولة، ولكنه يتعدّى ذلك الفساد إلى فساد أعظم منه ستظهر نتائجه في الآونة القريبة القادمة. وسأبيّن للوزارة الوصية خفايا وخبايا ذلك.

1– النصيحة الأولى:

تقدمت وزارة التعليم العالي شهر أفريل 2022م بمشروع تأليف كتب مرجعية للطلبة الجامعيين في مختلف التخصصات للسنة الأولى كتجربة أولية، لتكون كتبا مرجعية يدرسها طلاب السنة الأولى في التخصص نفسه عبر سائر جامعات الوطن. يقوم بتأليفها أساتذة حددت مواصفاتهم وشروطهم وكيفيات تقديم أعمالهم تلك، فضلا عن اللجان التي تقوم بتقييم تلك الأعمال إلى أن يُوضع الكتابُ للطلبة في المنصة الرقمية ويُعتمد كمرجع عامّ. ومن خلال اطّلاعي على المشروع تبين لي من خلال خبرتي فيما هو جارية التقاليد به في الجامعات العربية والإسلامية الرائدة أنه مشروعٌ فاشل ولا يمكن أن يُقدِّم للجامعة شيئا يُذكر، وذلك عائد لمحاذير كثيرة منها:

أ- الاستهانة بخبرة الأساتذة المؤلفين وفتح المجال لمن لم يكتب أو يؤلف كتابا في حياته، أو تُعرف له نظرية باسمه، أو له رصيدٌ من الأبحاث والكتب والمؤلفات والمشاركات العلمية التي تؤهّله ليؤلف للجامعات الجزائرية كلها.. وهذا أمرٌ غريب وعجيب في بلاد العجائب، إذْ يقتصر التأليف في الجامعات العربية والإسلامية العريقة على لجنة تسميها الوزارة وتختار فيها الأساتذة وتنتخبهم باعتبار تآليفهم وإنتاجهم وسمعتهم وسيرتهم العلمية وأقدميتهم في عالم الكتابة والتأليف. وإن نظرة تلقيها الوزارة على مواقع الكليات تكشف لها بوضوح عطل وفراغ وفقر هؤلاء الأساتذة الباحثين الذين حددت شروطهم ومواصفاتهم ليألفوا لجيش عرمرم اسمه السنة الأولى جامعية.

ب- أما لجان التحكيم التي ستحكم تلك المؤلفات العلمية الأكاديمية الجامعة المانعة، فهي مكوّنة من: أولئك الحافين حول العروش الإدارية.. من الذين يختارهم رؤساء الجامعات والعمداء ورؤساء الأقسام ممن لم يؤلفوا كتابا في حياتهم العلمية والبحثية، بل من الذين لم يشتركوا حتى في تأليف الكتب الجماعية، وإن نظرة يجب أن تلقيها الوزارة على مواقع الكليات لتتبين لها حقيقة ومستوى من سيحكم تلك الأعمال المرجعية الكبيرة، وقد أخبرني الكثير من الزملاء الكتاب والمؤلفين والباحثين الحقيقيين في مختلف الجامعات ومن أصحاب الخبرة والتآليف العالمية المحكمة أنهم لن يرضوا البتة بأن يحكم لهم هؤلاء المبتدئون في عالم التدريس أو التأليف، وأنهم سيقفون بالمرصاد لكل تأليف يظهر أو يُفرض وهو غير مستوفٍ للشروط العلمية والمنهجية الأكاديمية المطلوبة، فضلا عن كونهم سيفضحون كل سرقة أو اختلال. فهل ترضى الوزارة أن يتدنس وينزلق مشروعها العلمي المحترم وهي تضعه بين أمثال هؤلاء الذين بليت معارفهم وماتت من غير قراءة ولا بحث ولا كتابة ولا تجديد؟ أعتقد لا.

والنصيحة أن تقلد ما هو جار العمل به في الجامعات العربية والإسلامية العريقة، فتعهد إلى نخب المؤلفين والكتّاب المعروفين من خلال مواقع كلياتهم وتشكل منهم لجان عمل وتأليف وفق كيفيات وطرق متعارف عليها بين أهل الاختصاص، فيؤلّفوا لها ما يليق وينفع منهجيا وعلميا ومعرفيا وثقافيا ولغويا.. وإن أرادت العبث فنحن ألفناه منذ أربعة عقود، ولا غرابة في ذلك.

2– النصيحة الثانية:

لها علاقة بتوظيف حملة الدكتوراه الجدد؛ فقد اطلعت على أن طريقة الاختيار ستكون من خلال إلقاء درس علمي أمام لجنة ليتم تقييمه، وبالتالي اختياره أو رفضه، وهذه آلية سيتكيف وسيتلون الفساد الإداري الجامعي معها بمختلف الطرق للاحتيال على توظيف هذا ورفض ذاك، وستكون مطية للفاسدين، إذ توجد أقسامٌ وكليات يُدرس فيها الأب والابن والبنت وزوج البنت والصهر وزوجة الابن.. وأقسام يُدرس فيها الإخوة والأخوات.. واسألوا تعرفوا.. وهذه طريقة لا يُعرف بها الصالح والنافع من الفاسد والهزيل علميا ومعرفيا ومنهجيا.

الرأي عندي إجراء الاختبار العلمي لا البيداغوجي، لعدم نفع الطريقة البيداغوجية فيمن لا تكوين له، ويجب أن تسأله اللجنة عن أسماء مائة مؤلف في تخصصه مع ذكر سائر بياناتها، وتقديم ملخصات عن كل كتاب، فمن استطاع أن يستحضر المعارف الأساسية في تخصُّصه يصير من السهل تعليمُه طرق التدريس، ولكن من لا علم عنده -وهذه هي الصفة الغالبة في معظم خريجي دكتوراه (l.m.d)- لا تنفعه طرق التدريس لوحدها، إذ يحتاج للعلم وهو فاقده.

والرأي عندي وبحكم خبرتي في حملة الماجستير ودكتوراه الدولة سابقا ودكتوراه (l.m.d) حاليا، إذْ درَّستُ العشرات منهم، فهم خلوٌ من القراءة، وخلوٌ من حفظ القرآن، ومذكراتهم كلها نسخٌ ونقل من شبكات المعلومات، ولا يعرفون المكتبة ولا يعرفهم الكتاب، ولا يستطيع الجيد فيهم أن يسرد لك أسماء خمسين كتابا بمؤلفيهم، فضلا عن أن يوجز لك محتوياتهم، مع كونهم لم يحفظوا الثلاثين حزبا من القرآن المطلوبة منهم في مرحلتي الليسانس والماستر، وسبق أن عالجنا هذا الموضوع في دراسة ميدانية سابقة منشورة في جريدة “الشروق”.

والرأي عندي إجراء الاختبار العلمي لا البيداغوجي، لعدم نفع الطريقة البيداغوجية فيمن لا تكوين له، ويجب أن تسأله اللجنة عن أسماء مائة مؤلف في تخصصه مع ذكر سائر بياناتها، وتقديم ملخصات عن كل كتاب، فمن استطاع أن يستحضر المعارف الأساسية في تخصُّصه يصير من السهل تعليمُه طرق التدريس، ولكن من لا علم عنده -وهذه هي الصفة الغالبة في معظم خريجي دكتوراه (l.m.d) بحكم قربي منهم ومعرفتي الحقيقية بهم- لا تنفعه طرق التدريس لوحدها، إذ يحتاج للعلم وهو فاقده. لأن الجامعة بحاجة للعلماء النبهاء، لا لبيداغوجيين بالفراغ، والطلبة يحتاجون للعالم الذي يُشبعهم علما لا لسفسطائي فارغ الوطاب.

وختاما لهذه الصفحة العلمية الميدانية الصادقة والتجربة التعليمية الصريحة والشجاعة التي فتحتها للوزارة أقول لها: خذوا بها أو لا تأخذوا بها.. هذا لا يهمني.. ولكن اعلموا أن ما يهمني -وأنا أُدشن ربيع عمري العلمي والديني والدعوي وخريف عمري الزمني- إلاّ قوله عليه الصلاة والسلام: ((أللهم اشهد أني بلغت)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!