-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نهاية كورونا ونظريات تشكّل نظام عالمي بديل

محمد بوالروايح
  • 1125
  • 4
نهاية كورونا ونظريات تشكّل نظام عالمي بديل
رويترز
أشخاص يضعون كمامات للوقاية من خطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد في بيلباو شمال إسبانيا يوم الأحد 26 أفريل 2020

خلطت جائحة كورونا كل الحسابات السياسية والاقتصادية، وأسقطت كل المعايير الرأسمالية والأوليغارشية في تصنيف الدول، فلم يعد هناك حديثٌ عن دول متطورة وأخرى متأخرة أو دول العالم الأول ودول العالم الثالث، فكورونا وحّد المعايير وجعل الجميع (سواسية) في المحنة والأزمة، ويمكن قراءة ذلك على محيا أقوياء العالم وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي فقد كثيرا من مزاحيته المعهودة أمام شدّة الهول وعِظم الخطب الذي ألمَّ ببلده وخاصة في ولايات بعينها مثل نيويورك التي لم يعد لحاكمها اهتمامٌ يعلو على توفير الرعاية الصحية وأجهزة التنفس الاصطناعي للأعداد المتزايدة من المصابين وكذا توفير التوابيت لآلاف المتوفين.

لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية، رغم تقدّمها الاقتصادي والاستخباراتي، جاهزة لمواجهة جائحة كورونا ومثلها في ذلك دول الاتحاد الأوروبي التي اضطرّت تحت وقع هذه الجائحة إلى غلق حدودها واستغلال مقدراتها الذاتية للحفاظ على دعائم الاقتصاد الوطني وضمان استمرار الحياة.

من الدعائم التي تأسَّس عليها الاتحاد الأوروبي فكرة التضامن الأوروبي في زمن السلم والحرب ولكن الانتشار الواسع لجائحة كورونا التي لم تستثن بلدا أوروبيا وبنسب متقاربة على غرار كل دول العالم جعل كل دولة أوروبية تفكر في نفسها ومواطنيها وتسعى لخلاصها الذاتي، فقد استغاثت إيطاليا بشركائها في الاتحاد الأوروبي ولكنها لم تجد داخل هذا الاتحاد من يغيثها بالكيفية المرضية التي تخفف عنها وطأة المصيبة، وهو ما جعل رئيس الوزراء الإيطالي يلمِّح –حسب ما أوردته بعض المصادر الإعلامية – إلى التفكير في ما يشبه مراجعات لا محيص عنها بشأن منظومة الاتحاد الأوروبي التي فشلت في امتحان كورونا فشلا ذريعا قبل أن يعود –حسب نفس المصادر الإعلامية- إلى الاستدراك والتأكيد على أن إيطاليا مستمرة في التزامها باتفاقية شنغن وخاصة بعد تصريحات وتطمينات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن أوروبا ستبقى موحدة ومتضامنة وملزمة بتنسيق الجهود الأوروبية لمواجهة جائحة كورونا ومناقشة موضوع تقاسم الأعباء المالية للدول الأعضاء لجبر وتعويض الضرر الذي لحق بها وخاصة إيطاليا وإسبانيا اللتين شهدتا أكبر نسبة من الإصابات والوفيات زاد من صعوبة وضعها المالي والاقتصادي الذي كان أصلا مهلهلا قبل جائحة كورونا.

في الجهة الأخرى، وعلاوة على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، تظهر الصين بمظهرين: مظهر إنساني من خلال تصريح رئيسها حول استعداد بيكين لمساعدة أوروبا التي تجسَّدت في شكل مساعدات طبية عاجلة لإيطاليا وإسبانيا وعزم بيكين على لسان نفس المسؤول على فعل الشيء نفسه اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية التي أبدت رغبتها في التعاون مع الصين رغم أنها أبقت على مسافة بينها وبين الصين حفاظا على كبريائها وحتى لا يُفسَّر هذا بأنه ضعف وإشهار مجاني للغريم الصيني الذي لا يتوانى عن السعي إلى احتلال الصدارة العالمية بعد نهاية كورونا. ورغم الرغبة الأمريكية في التعامل مع الصين لمواجهة كورونا، إلا أن الاحتراز لا يزال سيد الموقف والذي تجلى من خلال تصريحات ترامب المثيرة للجدل بأن كورونا “فيروسٌ صيني”، وأن الصين ينبغي أن تتعرض إلى “المساءلة الدولية”.

ذهب الخبراء الإستراتيجيون إلى أن نهاية كورونا سيعقبها تشكُّلُ نظام عالمي بديل، وهي قضيَّة جدلية تختلف بشأنها الآراء بين من ينفي ظهور نظام بديل ويؤكد على أن التغيير في شكل هذا النظام في حالة حدوثه لن يتجاوز تغييراتٍ شكلية طفيفة لا تلغي قاعدة الأولية والتابعية التي كرستها الأوليغارشيا الرأسمالية العالمية، ومن يدّعي أن تشكُّل نظام عالمي بديل بعد نهاية كورونا حتمية لا محيص عنها بالنظر إلى أن الإنهاك الاقتصادي الذي سيمسُّ الدول الكبرى سيُضعف لا محالة من قدراتها ويجبرها على التراجع لصالح دول أخرى وخاصة الصين التي ترشحها كثيرٌ من التوقعات لزعامة العالم بسبب كفاءتها الفائقة والموفقة في محاصرة فيروس كورونا.

سأناقش في هذا المقال بعض النظريات المتداولة بشأن طبيعة النظام العالمي البديل المحتمل بعد نهاية كورونا، التي أوردها على النحو الآتي:

1- نظرية المجال المهمل في حسابات ومخططات الدول الكبرى على وجه الخصوص، ويُقصد بالمجال المهمل مجال الحروب غير المتوقعة وغير التقليدية ومنها حرب الفيروسات. لقد ركّزت الدول أكبر اهتمامها وأنفقت أكثر ميزانيتها على الترسانة الحربية ولكنها في المقابل لم تكن لها جاهزية لمواجهة الأمراض الفتاكة وهو ما سبَّب لها ارتباكا في التعامل مع جائحة كورونا، ارتباك لن يمر بردا وسلاما عليها بل سيجبرها على التقهقر والتأخّر في سلم النظام العالمي، إذ إنه من تداعيات كورونا إعادة النظر في ترتيب الأقوياء والضعفاء حسب درجة تضررها أو تعافيها من تداعيات أزمة كورونا.

لقد بيَّنت الإحصاءات الأممية أن معدَّل الإنفاق العالمي على السلاح أكبر بكثير من معدل الإنفاق على الصحة العالمية. لقد أشارت دراساتٌ تاريخية إلى أن المجال المهمل الذي أشرتُ إليه قد أدى إلى انهيار إمبراطوريات كبيرة وهو ما يؤكده الباحث أحمد بن حامد الغامدي في مقال له نشره موقع منظمة المجتمع العلمي العربي بعنوان: “الوباء وكتابة أو طمس التاريخ” يقول: “التاريخ البشري في القديم والحديث هشٌّ وقابل للكسر والانحناء نتيجة تأثير عوامل ومؤثرات عديدة ومتداخلة من ضمنها الأمراض والأوبئة والعدوى. في التاريخ الإنساني كم من بلاءٍ ووباء أفرز تغييرا في موازين القوى السياسية وأسقط إمبراطوريات عتيقة وأقام ممالك جديدة. بل الأعجب من ذلك، كم محنة أمراض معدية شنيعة أثمرت منحة عظيمة وخيرا كثيرا في تطوير مهنة الطب مثلا، أو تغيير أساليب التجارة أو حتى التأثير في جودة الأعمال الأدبية والفنية والمعمارية.. بعد توغُّل سهل لجيش الفرنجة الفرنساوي واحتلالهم لمدينتي حيفا ويافا في مطلع عام 1799م تغيَّر بشكل حاد مسار التاريخ عندما تعثر جنود نابليون في حصار مدينة عكا ثم اجتاحتهم الكارثة الكبرى عندما تفشى وباء الطاعون الرهيب في جيش الحملة الفرنسية، ما اضطر بونبارت إلى الفرار والعودة إلى مصر، وبهذا ذاق الجنرال أول هزيمة كبرى في حياته”.

إن الأوبئة غير المتوقعة تعدّ عاملا مهما في تشكل نظام عالمي بديل، ولكنها ليست عاملا حاسما كما تشير إليه نظرية المجال المهمل، فقياس سقوط الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة بسبب الأوبئة على مثيلاتها من إمبراطوريات عصر العولمة قياسٌ غير صحيح بصفة مطلقة بسبب اختلاف الواقع والوقائع، كل هذا يجعل من نظرية المجال المهمل نظرية نسبية، فالنظام الصحي المعاصر أمتن وأكبر بكثير من النظام الصحي القديم، ويكفي لبيان هذا البون الشاسع بين النظامين الاستشهاد بما كتبه الباحث “سعود بن هاشم جليدان” في مقال له بجريدة “العرب” الاقتصادية الدولية بعنوان: “كيف يعمل النظامُ الصحي الأمريكي؟” ومن جملة ما قاله: “تنفق الولايات المتحدة أكثر من غيرها على الرعاية الصحية، إذ وصل إجمالي صرف القطاعين العام والخاص الصحي إلى 3400 مليار دولار في 2016 ويمثل ذلك نحو 18 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي”. لكن رغم ارتفاع نسبة الإنفاق الصحي في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن هذه الأخيرة -كما أضاف الباحث- لا تزال تعاني من ضعف في التغطية الصحية على خلاف الصين التي نسجت أكبر شبكة للرعاية الصحية الأساسية في العالم، فحتى نهاية 2016، حسب ما ورد في موقع “الصين بالعربي” تجاوز عدد الأشخاص المؤمَّن عليهم في التأمين الصحي الأساسي الوطني الصيني أكثر من 1.3 مليار شخص، وبلغ معدل التغطية أكثر من 95 في المائة باطراد، ولعل هذا العامل هو الذي ساعد الصين على تجاوز أزمة كورونا بكفاءة عالية خلافا لدول أخرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • nacer

    خلاصة القول للمبشرين بالتنين الصيني ، الصين دولة مغلقة سياسياً و إعلامياً و لن نعلم ماذا حصل بالفعل داخلها، و لذا ستطبلون كثيراً و في الأخير لن تجن إلا وجع اليدين

  • أحمد الجزائري

    شكرا لك ياأستاذ على خذا الطرح ولكن لا أوافق على هذا التصور للمستقبل. فمن خلال قرائتي لكتاب Fukuyam بعنوان " la fin de l'histoire et le dernier homme' و الذي خلاصته أن الإنسان وصل إلى نهاية مطاف تطوره بوصوله إلى نظام إقتصادي رأسمالي ( و يعتبره نظاما طبيعي للإنسان) و نظام سياسي ديمقراطي (و كذلك يعتبره نظاما طبيعيا) و هما نظامين نهائيين. أما فيما يخص مرحلة ما بعد كورونا الخاسر الأكبر سوف تكون الصين لأن الشركات الموطنة في الصين بسبب تكاليف اليد العاملة المنخفضة لديها سوف تبدأ بالإنسحاب من الصين تدريجيا و توطنها في موطنها الأصلي أو الأقرب إليه و تقوم باستقدام اليد العاملة المنخفضة التكلفة.

  • نمام

    الوباء وما بعد الوباء ولكن ما يهمنا اليوم و غدا وضعنا كلنا يعلم بان وضعنا الاقتصادي قبل الوباء وضعا حرجا واذا بقينا على نفس البرامج ا و الافكار السياسية مستحيل التغيير ندرك بان السيادة الاقتصادية سيادة سياسية لذا الشروع في اعادة هيكلة الطاقة ولنا من الطاقة المتجدة ما نحتل به الرتب الاولى طبعا البنوك ومسيارتها للواقع و التقدم الحالي واعادة هيكلة الادارة بعقليات شابة مبتكرة وايد طاهرة ما نراه اليوم من نخب متكلسة على الكراسي شاخوا و شاخ معهم النظام واثبتوا افلاسهم وما زالوا قربين من وهج السلطة فعبثا السير بهؤلاء والاعتماد عليهم في الاصلاح كمن يتوسل الحلول من الاضرحة الا يفهم الصم الدعاء

  • nacer

    تجاوز عدد الأشخاص المؤمَّن عليهم في التأمين الصحي الأساسي الوطني الصيني أكثر من 1.3 مليار شخص، وبلغ معدل التغطية أكثر من 95 في المائة باطراد
    أي دولة فيها نظام تأمين صحي عمومي ، لازم يمس جميع المواطنين ، لازم و إلا لا يسمى نظام تأمين صحي عمومي
    و من أين التقرير ، من الصين بالعربي ، كم هو صادق هذا التقرير ، يا سلام ، شكون شهادة الكلب ، ذيله