“نور الضحى” يد ممدودة لمساعدة مرضى السرطان

ستينية بنشاط وحيوية عشرينية لا تكل ولا تمل تتنقل في اليوم ألف مرة بين المرضى والمستشفيات للاطمئنان عليهم والاستفسار عن ما ينقصهم ترعاهم بعين أم ساهرة.. تخشى عليهم الأذى والخطر.. تتدخل في أبسط تفاصيلهم وتعتبرهم أمانه عندها إلى حين عودتهم إلى أهلهم..

هي السيدة سامية قاسمي رئيسة جمعية “نور الضحى” لرعاية مرضى السرطان الوافدين من المناطق الداخلية للوطن، حيث توفر لهم الإقامة والنقل إلى الهياكل الصحية المعالجة ..  تطوعت ووهبت نفسها للعمل الخيري، كما قالت، لا تبتغي جزاء ولا شكورا إلا العمل لدار الفناء والخلد متمنية أن تلقى خالقها وهو راض عنها.

استلهمت التسمية من صلاة الضحى مع المرضى كل يوم

وتقول السيدة قاسمي في حديث خصت به “جواهر الشروق” أن جمعيتها “نور الضحى” لرعاية مرضى السرطان تأسست في 26 سبتمبر 2002 وكانت فكرتها الخاصة واختارت التسمية لأنها كانت كل يوم قبل أن تؤسس الجمعية تمر على المرضى في “بيار ماري كوري” كل يوم في وقت الضحى وتقدم لهم فطور الصباح الذي تجلبه معها وتشجعهم على صلاة ركعتين لله في وقت الضحى حتى تعود عليها المرضى وأصبحوا يستعدون للصلاة بمجرد رؤيتها ومن لم تكن تسمح له حالته الصحية بالقيام والوضوء يصلي في مكانه جالسا أو بعينيه، ومن هنا تبادرت إليها التسمية عندما أسست الجمعية.

وتضيف المتحدثة “كنت أعمل كمساعدة طبية وألتقي العديد من المرضى في المصالح الخاصة قادمين من مناطق بعيدة جدا عن العاصمة، سيما من جنوب الوطن حيث يصلون في أحيان كثيرة في وقت متأخر من اليوم ولا يوجد مكان يأويهم وغالبهم مرضى لا يملكون الإمكانيات المادية للتكفل بمصاريف الفندقة والنقل لذا رأيت أن أفكر في طريقة تساعدهم للعلاج براحة وطمأنينة، اقترحت الفكرة على البروفيسور كمال بوزيد فشجّعني وأثنى على المبادرة وللعلم هو الرئيس الشرفي للجمعية”.

30 طبيبا متطوعا والتركيز منصب على الجنوب

وتهدف الجمعية بالأساس إلى الكشف المبكر عن السرطان مهما كان نوعه من خلال تنقل أعضائها إلى كل بقاع الوطن مهما بعدت رفقة فريق طبي يتكفل بمتابعة الحالات أو عند اكتشاف بعض الحالات فإن الطبيب الذي يكتشف المرض هو من يواصل علاج المريض في الجزائر العاصمة أو في الولايات الأخرى، حسب ما أكدته رئيسة الجمعية.

ويتطوع حوالي 30 طبيبا للعمل في مختلف نشاطات الجمعية، بالإضافة إلى خيرة الأساتذة والأطباء من بينهم صالح ديلام.

وتتخذ الجمعية مقرا رئيسيا لها في العاصمة بحي بلوزداد العتيق، بالإضافة إلى 21 مكتب عبر الوطن، أغلبها في الجنوب بحوالي تسعة مكاتب.

وفي إجابة لها عن سؤالنا المتعلق بتركيز نشاط الجمعية على منطقة الجنوب تقول السيدة قاسمي أن الأمر سياسة متعمدة وليس وليد الصدفة، لأن سكان الجنوب لا يقبلون بسهولة العلاج ويؤمنون كثيرا بالعلاج بالنباتات والأعشاب مثلا في برج عمر إدريس، تضيف محدثتنا، وجدنا ظاهرة الزواج المبكر، بالمقابل لا يوجد نظام حماية في العيش ولا يتابعون أبدا حالتهم الصحية لكن الآن بدأت الأمور تتحسن نوعا ما، كما أن الصحة تعاني كثيرا في منطقة الجنوب التي يعيش سكانها نظام الترحال وعدم الاستقرار.

500 فحص طبي في كل خرجة

وتتقرب الجمعية من المرضى عبر مختلف ربوع الوطن حيث تنظم حوالي 8 خرجات في السنة، وأحيانا يتصل سكان المنطقة ويطلبون دعم الجمعية التي تستجيب للطلب وتبرمجه ضمن جدول أعمالها وأحيانا أخرى تمر الجمعية بالمنطقة وتجد أنها تحتاج إلى معاينة وفحص فتعود إليها مجددا.

وتوضح قاسمي سامية رئيسة جمعية نور الضحى والعضوة المؤسسة للمجموعة الإقليمية لدول المتوسط لمكافحة السرطان طريقة عمل الفرق المتنقلة حيث تقول “عندما ننتقل إلى مكان ما نكوّن 3 مراكز أو قاعات في كل مركز طبيبين نكشف عن المرض ونقدم أيضا تكوينا لأطباء عامين ونصل إلى حوالي 500 فحص تقريبا وعادة نجد ما معدله 12 شخصا مصابا من بين جملة المفحوصين حيث نتكفل بمتابعة حالاتهم الصحية فيما بعد”

استقبال 400 مريض تقريبا العام الفارط

وعن حصيلة عمل الجمعية للسنة الماضية 2014 تقول قاسمي تم استقبال 380 مريض على مستوى الجمعية، منهم 229 مريض مسجلين من قبل على مستوى الجمعية بالإضافة إلى 78 حالة جديدة و73 مرافق مريض.

وحذّرت محدثتنا من الانتشار الرهيب لثقافة التداوي بالأعشاب مشيرة إلى الحالات الخطيرة التي تم اكتشافها في ولاية تبسة على وجه الخصوص، حيث بلغ الأمر مرحلة خطيرة جراء استعمالها ولم يعد من شفاءهم أمل وجدوا في حالة كارثية.. فالسرطان مرض لا يجب التهاون معه.

وعن طبيعة عملها التي تجعلها لا تتقيد بوقت محدد تقول السيدة قاسمي: “أعيش حياتي للمرضى والجمعية.. يومي أوزعه بين بيتي وعملي.. أصل إلى الجمعية على الساعة السابعة صباحا وأغادرها على الرابعة مساء  وأحيانا إلى أكثر من ذلك.. الحمد لله زوجي متفهم ويساعدني في عملي كثيرا وبفضل وتوفيق من الله استطعت تربية ابني وابنتي وأنا اليوم جدة لحفيدين رائعين”.

سيناريوهات اليمة نتقاسمها مع المرضى

ليس من السهل أبدا معايشة الكثير من الحالات، بعضها يشفى وبعضها يرحل إلى دار البقاء، وليس سهلا أبدا رؤية المرضى يتألمون ويودعون لكن المسيرة تتطلب الصلابة والاستمرارية وعن هذه الذكريات الأليمة تقول السيدة قاسمي” ليس سهلا أبدا.. فحين أكون وحدي أسترجع شريط  الأحداث كاملا وأعيد رؤيتها في مخيلتي تمر عليّ كأنها فيلم درامي حزين لا أتمالك نفسي فتعبر دموعي عن ألمي وحزني خاصة بعض الحالات التي نتعلق بها كثيرا ويطول بقاؤها معنا”.

وتستحضر في هذا الصدد وفاة حالتين بالجمعية دفنتا بالعاصمة وتم القيام بمراسم الجنازة والإطعام وكأنهم بين أهلهم وتأثر الجميع لما حدث، حيث توالت المساعدات وتم توفير كل الضروريات في مثل هذه الحالات.

المرضى يثنون على خدمات الجمعية

 وبشهادة العديد من المرضى المقيمين الذين التقيناهم بالجمعية فإن ما يتم توفيره لهم من أكل ونقل وتكفل صحي يضاهي ما يحظون به في بيوتهم وبين أهلهم وأحيانا يفوق والفضل في هذا تقول السيدة قاسمي يعود بالأساس إلى بعض المحسنين الشباب الذين يجودون بمختلف المواد الغذائية التي نعتمد عليها وحتى بعض المطاعم التي تخصص وجبات يومية للمرضى في سبيل الله.

وفي الأخير توجه رئيسة جمعية نور الضحى تمنياتها بالشفاء لكل المرضى وتنصحهم بالحيطة والحذر، كما توجه نداءها للسلطات المعنية لمساعدتهم في توفير مقر أوسع من هذا لأن الطلب أكبر بكثير مما يستطيعون تلبيته، كما أن الشقة التي يقيمون فيها الآن مستأجرة من قبل أحد المحسنين جازاه الله خيرا، فإلى متى يستمر الحال على ماهو عليه وإلى متى نتجاهل مثل هذه الجمعيات الخيرية الناشطة على أرض الواقع في حين تصرف الملايير على جمعيات لا تغني ولا تسمن من جوع.