-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نوفمبر وميراثه الفكري

نوفمبر ملك لكل الجزائريين، لكن الفكر الذي صنع نوفمبر مازال يثير النقاش

عابد شارف
  • 3144
  • 0
نوفمبر ملك لكل الجزائريين، لكن الفكر الذي صنع نوفمبر مازال يثير النقاش

من سيرث أول نوفمبر؟ من سيفرض نفسه كوريث سياسي وإيديولوجي للأفكار التي صنعت أول نوفمبر وفتحت للحركة الوطنية أبواب الملحمة التي انتهت باستقلال الجزائر؟ إن المعركة التي اندلعت منذ الاستقلال مازالت متواصلة لحد اليوم بين التيارات والمجموعات التي تريد أن تبرهن أن نوفمبر ينبع من فكرها، مع العلم أن من يفرض نفسه في هذا الميدان يستطيع في نهاية الأمر أن يقول أن له الشرعية الكافية للاستيلاء على السلطة أو البقاء فيها.

  • ولهذه القضية سوابق كثيرة، وقد طرحت نفسها منذ السنوات الأولى للثورة التحريرية. وقد اختارت قيادة الثورة ثم السلطة القائمة في الجزائر المستقلة، اختارت شعارا يسمح لها بتجنب النقاش حول القضية، فقالت أن الشعب هو البطل الوحيد في البلاد. وإذا كان الشعب بطلا، فإن دور الشخصيات التاريخية يسقط، واستطاعت السلطة بهذه الطريقة أن تمحو اسم مصالي الحاج، خاصة وأن هذا الأخير رفض أن يكون زعيم الخطوة الأخيرة التي تؤدي إلى الاستقلال بعد أن كان الرمز الأول للحركة الوطنية في النصف الأول من القرن الماضي.
  • وبعد ذلك، فإن الفشل النسبي للتيار الشعبوي في تسيير شؤون البلاد بعد الاستقلال فتح الأبواب أمام مختلف التيارات لتدعي أن أول نوفمبر ينبع عن فكرها ونهجها. إلا أن هذه الادعاءات بقيت ضعيفة، ولم تفرض نفسها في العقود الأولى بعد الاستقلال لأن ذاكرة الثورة كانت قوية. إضافة إلى ذلك، فإن ميزان القوى السياسي أقصى بعض التيارات من المشاركة في الصراع للاستيلاء على فكر أول نوفمبر. وقد أدى سقوط جدار برلين مثلا إلى القضاء على التيارات اليسارية التي كانت ترى في أول نوفمبر خطوة نحو تحقيق الاشتراكية. أما الفكر الليبرالي التقليدي، الذي يمكن أن نجده عند شخصية مثل فرحات عباس، فإنه لم يجد الأنصار الذين يدافعون عنه ويفرضونه على الساحة الوطنية.
  • ودخل التيار الديني بدوره ساحة المنافسة، واستطاع أن يحتل بعض المواقع في أجهزة الدولة، حيث أن الكثير من الكتب المدرسية تعطي لجمعية العلماء دورا يفوق دورها الحقيقي بكثير في عملية تحضير أول نوفمبر. ونفس الكتب تعطي للسيد عبد الحميد بن باديس دورا بارزا كزعيم وطني، إلى أن بعض النصوص تجعل منه الزعيم الأول للحركة الوطنية.
  • وفي نهاية المطاف، توصل أنصار هذا التيار إلى القول أن أول نوفمبر كان يستمد قوته من المطالب الدينية، وهذا خطأ وتحايل على التاريخ. لكن الخطأ لا ينبع فقط من ورثة جمعية العلماء الذين كثيرا ما يحاولون الاستيلاء التاريخ، بل أن الخطأ ينبع بالدرجة الأولى عن الذين يدعون أنهم ورثة جبهة التحرير الوطني ويتخلون عن الفكر الحقيقي الذي أعطاهم الأسبقية في الحركة الوطنية. ونلاحظ اليوم مثلا أن أبرز تظاهرة يشارك فيها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بمناسبة ذكرى أول نوفمبر هي تكريم أحد زعماء جمعية العلماء، السيد توفيق مدني.
  • وتزداد القضية تعقيدا لما نلاحظ أن التنظيمات التي تتبنى أول نوفمبر كمرجع أساسي لا تعترف بالفكر الذي ينبع منه هذا الحدث البارز في تاريخ الجزائر المعاصرة. وقد كان أول نوفمبر شاهدا على أن الحركة الوطنية قطعت خطوات أساسية لتصبح حركة تتماشى مع العصر. ولم يكن أول نوفمبر نتيجة فكر أو تصرف طائفي أو ديني أو قبلي، بل كان يشكل أسمى ما شهدت الجزائر من مظاهر التقدم: كان أول نوفمبر يتميز بالعصرنة لأنه أقام تنظيما جديدا، وتبنى أفكارا جديدة عصرية مثل تحرير المرأة والمساواة بين المواطنين وتقديس العلم وحرية الفكر، كما أدى أول نوفمبر إلى إقامة مؤسسات عصرية لتأطير الثورة والمجتمع، وأقام نواة أولى لدولة عصرية.
  • ومن هذا المنظور، فإن أول نوفمبر كان أقرب إلى فكر عصر الأنوار منه إلى أي فكر آخر، كما شكل أول نوفمبر قطيعة مع الفكر التقليدي للمجتمع الجزائري. وقد سمح هذا التقدم الفكري في الحركة الوطنية إلى بناء تنظيم استطاع أن يحقق ما فشلت عن تحقيقه كل التنظيمات السابقة، لا لأنها لم تكن مخلصة أو أنها لم تقدم التضحيات اللازمة، إنما فشلت لأنها كانت تواجه ظاهرة عصرية بطرق ووسائل قديمة بالية.
  • وأخطر نقطة في القضية هي أن جبهة التحرير التي تشكل العمود الفقري للحركة الوطنية، تخلت عن هذا الفكر العصري، لتعود إلى فكر قديم كان قد جعل من الجزائر بلدا قابلا للاستعمار…
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!