الرأي

هذا زمنُ الرويبضة

محمد بوالروايح
  • 2151
  • 7
ح.م

حينما استمعُ إلى بعض من يتحدثون في الشأن الديني أشعر بخيبة عارمة وأتمنى لو أنهم لم يتحدثوا وأنني لم أستمع إليهم لغثاثة ما يقولون مما لا يعضده نقلٌ ولا يؤيده عقل، وهذا الشعور -الذي لا أحسَد عليه- هو بيقين شعور كثير من المستمعين، غير أن قليلا منهم من يعترض وينتفض على ما يسمع ولا يسلم في الغالب الأعم من القصف بأشنع الأوصاف ومن التصنيف في خانة من يستبيحون أكل لحوم العلماء وهي مسمومة، هذه مغالطة كبرى يستخف بها بعض الرويبضة أتباعهم ليطيعوهم.

هذه المقولة لا تصدُق إلا في حالةٍ واحدة وهي أن يكون العلماء الذين نتحدث عنهم علماء قولا وفعلا، تدرَّجوا في مراتب العلم واجتهدوا وقدَّموا لنا في النهاية عصارة ما توصلوا إليه من علم نافع تنتفع به البلاد والعباد، أما الرويبضة الذين لا حظّ لهم من فهم ولا أثارة لهم من علم فإن المقولة لا تصدق عليهم ولا على أمثالهم ممن تسوّروا المحراب واغتصبوا الألقاب وتصدّروا المجالس وربما أجّروا من يمدحهم ويطريهم ويحبّب الناس في مجالسهم، فترى الدهماء يدخلون عليهم من كل باب، حتى إذا قالوا تسمع لقولهم كأنهم خُشب مسندة، يشقى بهم جليسهم ويملهم مريدهم وينفضّ العقلاء من حولهم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  “سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟  قال: “الرجل التافه يتكلم في أمر العام؟.

لا شك أنه قد أدركنا هذا الزمان الذي أنبأ عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وحسب الواحد منا أن يستمع إلى بعض المتفيهقين وأشباه المفكرين في الإذاعات والفضائيات، وهم يتلعثمون ويتعتعون ويقولون كلاما كيفما اتفق من غير مراعاة لمشاعر مستمعيهم ومشاهديهم ومن غير مراعاة للمنصب الذي نصّبوا أنفسهم فيه وهم ليسوا أهلا له، يخوضون في كل قضية ويفتون في كل مسألة مما لا يجرؤ عليه فطاحل العلماء وجهابذة الفقهاء. ألا يستحي هؤلاء الرويبضة أن يتكلموا فيما لا يعلمون ويخوضوا فيما لا يحسنون؟. ألا يستحي هؤلاء الرويبضة أن يتحدثوا في شؤون العبادة وشؤون القيادة، وشؤون العباد وشؤون الاقتصاد، وشؤون الرواية وشؤون السياسة من غير فكر ولا تبصر ولا علم بما يجب أن يقدم وبما يجب أن يؤخر وبما  يصح أن يقال للعامة وبما يصح أن يقال للخاصة؟. ألا يستحي هؤلاء  الرويبضة وهم يوجّهون سهامهم إلى الأمة فيفضّون جمعها وينقضون إجماعها بما يختلقون من روايات وترهات؟. ألا يستحي هؤلاء الرويبضة أن يخرجوا على مستمعيهم ومشاهديهم بحديث ينقض أوله آخره، لا تستسيغه إلا أن تغمض فيه ولا تصدقه إلا أن يكون قد حيل بينك وبين عقلك فأصبحت جهازا أصما يستقبل كل ما يلتقطه غثا أم سمينا وكما ورد؟. ألا يستحي هؤلاء الرويبضة وهم يجمعون بين العصبية الجاهلية والرابطة الوطنية فيكفرون كل انتماء للوطن ويكفرون كل من يرفع شعار الوطنية ويتشبّث بالأوطان كأنها رجسٌ من عمل الشيطان؟. ألا يستحي هؤلاء الرويبضة وهم يعتلون المنابر على حين غفلة من أهلها فيشيعون الفكر الضرار في مساجد “أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه”؟ الفكر الضرار الذي يغرف من سفاهات من سبقوهم ممن قال الله عنهم: “والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون”. ألا يستحي هؤلاء الرويبضة وهم يهللون لكل ناعق ويصفقون لكل من ديدنه التفريق والتمزيق ثم يسمي هذا حرية رأي، فأي رأي هذا الذي ليس في قاموس أصحابه إلا ما أخذوه واقتبسوه من عمل الشيطان؟.

لا نختلف نحن المسلمين في أن الزمان الذي نعيش فيه هو زمان الرويبضة، ولكن هل سألنا أنفسنا: من أين جاء هؤلاء؟ وكيف وُجدوا في المجتمع الإسلامي؟. لا شك أن بعضهم قد دفعه إلى ذلك مرض التعالم وحب الظهور وهذه الفئة لم يخل منها عصر من العصور، ولكن أكثرهم أو جلهم على الأقل قد صنعتهم جهاتٌ معادية متعصبة حركتها روح الانتقام من الأديان ومن الأوطان لنشر عيونها وأعوانها في كل مكان في المجتمع الإسلامي مهمّتهم إرباك الأمة وإفساد حقيقة الشريعة حتى ينشأ في هذا المجتمع جيلٌ لا يعرف الدين الحقيقي فيتبعه ولا الباطل فيجتنبه.

أيها العقلاء إن الرويبضة قد انتشروا في المجتمع الإسلامي انتشار النار في الهشيم يجوسون خلال الديار، وإن الواجب الديني والوطني يحتم عليكم أن تتحملوا مسؤولياتكم تجاه دينكم ووطنكم، فما فائدة أن يشار إليكم بالبنان وما قيمة ما تحملونه من أفكار إذا قعدتم عن مواجهة من يرومون تقويض بنيانكم والإضرار بوطنكم؟.

ندائي إلى أهل الفكر أن يستعدُّوا لمعركة فكرية طويلة الأمد وربما لن تضع أوزارها إلى الأبد، معركة وقودها الفكر ولا شيء غير الفكر إما أن تكون لهم فيها الغلبة فينقذون أنفسهم وأمتهم وإما أن يُغلبوا ثم يُكرهوا بعد ذلك على قبول ما لا يرضون من الأفكار.

ندائي إلى أهل المنبر أن يعضوا عليه بالنواجذ، أن يمكنوا منه كل عليم وأن يطردوا من ساحته كل أفاك أثيم يريد أن يبعد الأمة عن مرجعيتها الدينية ويلحقها بفئة “المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة “مما عمل أسلافنا على محاربته بالسنان واللسان والبيان.

ندائي إلى أهل الحل والعقد أن يعملوا ما في وسعهم من أجل حماية المدافعين عن الدين والمنافحين عن الوطن ضد كل من يتربص بهم من عملاء الداخل والخارج، وأن يأخذوا بيد النخبة في معركتها ضد الرويبضة، وأن يسلطوا سيف الحجاج ضد كل من يستهدف بيضتنا واجتماعنا.

ندائي إلى الأحزاب الوطنية أن توفر هامشا كبيرا في برامجها لمحاربة تيار الرويبضة وتيار الفتنة وأن تأخذ على عاتقها المساهمة في إيجاد النخبة الفكرية التي ستقود معركة تحرير الأفكار كما قاد أسلافها من قبل معركة تحرير الديار.

مقالات ذات صلة