-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هذا ما تعلّمناه من صاحب الصّرخة

سلطان بركاني
  • 976
  • 0
هذا ما تعلّمناه من صاحب الصّرخة

بعد تداول خبر استشهاد المجاهد القسامي “مهنّد رزق جبريل” صاحب مقولة “حلل يا دويري”، الذي ذكر المقرّبون منه أنّه كان يحمل شهادة جامعية في الإعلام، لكنّ نفسه تاقت إلى شهادة أعلى منها في سبيل الله، فنالها نحسبه كذلك؛ تناقل رواد مواقع التواصل ليلة الإثنين الماضية نبأ ارتقاء البطل في سرايا القدس “عاهد عدنان أبو ستّة”، صاحب الصرخة المشهورة “ولّعت” الذي ظهر في الفيديو المشهور يقفز من شدّة الفرح بعد أن أصاب دبّابة صهيونية وتركها كتلة من النيران.

كان لافتا في الفيديو المشهور، أنّ صاحب أشهر صرخة في ملحمة “طوفان الأقصى“، لم يكن يرتدي لباسا عسكريا ولا ينتعل حذاءً كالذي ينتعله الجنود، وإنّما كان يلبس لباسا متواضعا وينتعل صندلا أكثر تواضعا، ومع ذلك، وقف موقفا يعجز عنه الجنود المدجّجون بأحدث الأسلحة.. لكأنّ لسان حاله كان ينطق قائلا: “لئن عشت حتى أجد لباسا وحذاءً إنّها لحياة طويلة”، ويذكّرنا بموقف الصّحابيّ عمير بن الحمام الأنصاري -رضي الله عنه- في غزوة “بدر”، حين استنفر رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- أصحابه للقتال قائلا: “قوموا إلى جنّة عرضها السماوات والأرض”، فقال عمير: “يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟” قال: “نعم. قال: بَخٍ بَخٍ”. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما يحملك على قولك بَخٍ بَخٍ؟” قال: “لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها”. قال: “فإنك من أهلها. فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: “لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة”، وعلى هذا المنوال، أعطى عاهد صورة مشرقة ومحفّزة للمجاهد الذي ينفر في سبيل الله رغم قلّة ذات اليد وقلّة الإمكانات، فلم ينتظر حتّى يجد عدّة الجنديّ الكاملة، بل نفر للجهاد بلباسه الذي يرتديه في بيته، بعد أن تعلّم التصويب بمضادّ الدروع المحمول وأتقنه، فهو يعلم أنّ أيام العمر معدودة، وأنّ من أخّرته نفسه يوما ستؤخّره أياما وأعواما.

أعطى عاهد -رحمه الله- صورة من أنصع صور المجاهد الذي يمتلئ قلبه بمحبّة ربّه وحرصه على ما يحبّه مولاه ليضرب فيه بسهم، يقول ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “والجهاد دليل المحبة الكاملة؛ فإن المحبة مستلزمة للجهاد لأن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما نهى عنه؛ فهو موافق له في ذلك”.

قدّم عاهد نموذجا للمؤمن الذي يتعلّق قلبه بالجهاد في سبيل الله وتبتهج به نفسه ويجد فيه أنسه وراحته، وذكّر الأمّة بسير المجاهدين الأوائل الذين كانت قلوبهم تنبض بحبّ الجهاد والشّوق إلى لقاء العدوّ وتمنّي الشّهادة في سبيل الله. فهذا أحد أبطالهم، سيف الله المسلول خالد بن الوليد -رضي الله عنه- يعبّر عن ولهه بالجهاد في سبيل الله فيقول: “ما من ليلة يُهدى إليّ فيها عروس أنا لها محب، أحبّ إليّ من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد، في سرية أصبح فيها العدو”.

بعد استشهاده، ظهرت صور عاهد عدنان أبو ستّة، وبدا شابا في ريعان شبابه، وجهه يشعّ نورا وسمْته ينبئ عن التزامه بدينه وحبّه له.. فلم يكن مستغربا ممّن هذه حاله أن يقفز فرحا بظفره بدبابة صهيونية تُكلّف الصهاينة مبالغ طائلة، وتحمل على متنها جنودا محتلين جاؤوا كبرا وخيلاء ليقتلوا النّساء والأطفال والأبرياء.. عاهد، قرأ في كتاب ربّه قوله -سبحانه- في حقّ عباده المجاهدين: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ))، فعلم أنّ إغاظة العدوّ بأيّ نوع من أنواع الإغاظة قربة من أجلّ القربات، كيف إذا كانت الإغاظة في أعزّ ما يملك العدوّ جنده وسلاحه؟

عاهد نحسبه كإخوانه في كتائب الجهاد والرّباط، كان متلهّفا للظّفر بالشّهادة، متشوّفا لها متشوّقا إليها، ينتظرها في كلّ وقعة وفي كلّ موقع، ولعلّه كان يدعو بها في كلّ صلاة، لأنّه تعلّم في حلقات الرباط أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ” (رواه مسلم)، وقال: “مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيد” (أبو داود والترمذي).. وها هو -رحمه الله- يظفر بما تمنّى، نحسبه كذلك، ويلتحق بالحياة الكاملة الأبديّة، لينتظر هناك إخوانه وأهله الذين لم يلحقوا به.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!