-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هكذا تكون الجزائر الجديدة أو لا تكون

محمد بوالروايح
  • 1289
  • 2
هكذا تكون الجزائر الجديدة أو لا تكون

الجزائر الجديدة أو الحلم الجزائري كما يسميه بعضُهم، لا يكفي لتحقيقها انتخاب برلمان جديد أو تسمية حكومة جديدة، ولا تصنعها القرارات والشعارات واللافتات، وإنما تصنعها عقولٌ جديدة، تكرس القطيعة مع كل مظاهر الرداءة والتسيب في تسيير الشأن العام. إن الجزائر الجديدة التي ننشدها هي الجزائر التي تستجيب للمواصفات الآتية:

أولا: جزائر جديدة، تقوم على فكر اقتصادي جديد مؤسس على الاستثمار في الطاقات المتجددة التي هي سلاح العصر، إذ من غير المقبول أن تبقى جزائر 2021 رهينة فكر اقتصادي متهالك لم يصلح لإدارة المرحلة السابقة ولا يصلح بيقين لإدارة المرحلة الحالية والمرحلة القادمة. إن الفكر الاقتصادي الجديد المؤسس –كما أسلفت- على الاستثمار في الطاقات المتجددة لا يمكن اختزاله في وجود وزارة للتحول الطاقوي إذا لم تبادر هذه الأخيرة بوضع مخططات اقتصادية مؤسسة ومدروسة في هذا المجال. هناك دولٌ إسلامية نجحت إلى حد بعيد في الاستثمار في مجال التحوّل الطاقوي كما هو الشأن بالنسبة لماليزيا يمكن أن نتخذ منها أنموذجا نحتذي به ومرجعية نعتمد عليها في الجزائر الجديدة من أجل تطوير الاقتصاد الوطني ولكن وفق ما تقتضيه الحالة الجزائرية، لأن استنساخ تجربة اقتصادية وُجدت لبيئتها ومحاولة توطينها على علاتها في الجزائر يعد تقزيما لدور العقل الجزائري.

ثانيا: جزائر جديدة، تقوم على إصلاح السياسة المالية وفي مقدمتها إعادة الاعتبار للعملة الوطنية التي هي رمز من رموز السيادة الوطنية شأنها في ذلك شأن العلم الوطني. إن إعادة الاعتبار للعملة الوطنية لا يتحقق إلا بتحسين قيمتها التداولية في السوق النقدية وهذه الأخيرة لا تتحقق إلا بالانتقال من الاقتصاد الاستهلاكي إلى الاقتصاد المنتج ومن تغليب تجارة الصادرات على تجارة الواردات، وهذا أمر بعيد المنال ولكنه غير مستحيل إذا توافرت إرادة التغيير الحقيقي.

ثالثا: جزائر جديدة، يختفي فيها الحرس القديم الذي كان سببا -بطريقة أو بأخرى- في الأزمة التي تعيشها الجزائر فالقاعدة أن “من كان سببا في المشكلة لا يمكن أن يكون جزءا من الحل”، ولا تروقني في هذا الصدد المقولة التي يتداولها كثيرون على إطلاقها وهي أنه “لا يمكن بناء سفينة جديدة بخشب قديم”، فهذه –كما نعلم- مقولة صينية- والصين كما يقول العارفون بأسرار نهضتها الاقتصادية قد بنت هذه النهضة أو جزءا كبيرا منها على التعاليم الروحية لقائدها الروحي “كونفوشيوس” الذي ولد في 551 ق. م، فهذه التعاليم القديمة لم تشكّل عقدة بأي شكل من الأشكال للصين للاستئناس بها في نهضتها الاقتصادية، فقد استطاعت الصين التوفيق بين موروثها الديني وتوجهها الاقتصادي.

رابعا: جزائر جديدة، تميزها مؤسساتٌ علمية رصينة، تحرص على تشجيع الإبداع وبراءات الاختراع وتنتقي لمخابر البحث العلمي أحسن الكفاءات والإطارات المشهود لها بالتميز، والتي تمثل قيمة مضافة لا غنى عنها لإصلاح وتطوير المنظومة المعرفية التي تشكل الجامعة قاطرتها الأولى. إن أعلى الميزانيات في العالم المتقدم تُعطى لقطاعين: قطاع البحث العلمي وقطاع الدفاع الوطني، وينبغي أن نسير في الجزائر الجديدة وفق هذا التوجه؛ فالبحث العلمي يمثل حصنا منيعا ضد استمرار الإخفاقات الاقتصادية، والدفاع الوطني يمثل حصنا منيعا ضد الاعتداءات التي تستهدف حدودنا ووجودنا.

خامسا: جزائر جديدة، تميزها مؤسسة إعلامية قوية، قادرة على رفع التحدي ومقاومة الدعاية والتضليل الإعلامي اللذين يمارسهما الإعلام الغربي الذي يحوِّل الإخفاقات إلى انتصارات في الوقت الذي يحول فيه إعلامنا في بعض الأحيان -ولو عن حسن نية- الانتصارات إلى إخفاقات بما يثيره من تأويلات وقراءات متناقضة في الأساس ومشجعة على التناوش والتشاكس. لا يخفى عن الضالعين من الشأن الإعلامي ما قدمه “هنري كيسنجر” لأمريكا وحجم التفوق الذي أحرزته هذه الدولة على الصعيد السياسي والعسكري بفضل تشبثها وتشبعها بمقارباته الجيوسياسية التي جعلتها دائما في الصدارة يخشاها القريب والبعيد والمنافس ولو كان بحجم العملاق الصيني.

سادسا: جزائر جديدة، تسير فيها مسألة الحريات جنيا مع جنب مع مسألة التحرر من التبعية الغذائية والصناعية، فليس من المقبول بمنطق الجزائر الجديدة أن تتحول الجزائر التي كانت إلى عهد سابق سلة المغرب العربي أو سلة الوطن العربي مع السودان في الإنتاج الزراعي إلى مستورد للقمح الفرنسي أو المكسيكسي، وليس من المقبول أيضا بمنطق الجزائر الجديدة أن تبقى الصناعة في الجزائر ولعقود  تراوح مكانها، وهذا رغم الإصلاحات الكثيرة التي قادتها الحكومات المتعاقبة، فأين الخلل: في قلة الإمكانات؟ أم في غياب الآليات والاستراتيجيات؟.

سابعا: جزائر جديدة، ننتقل فيها من ثقافة “الكل ينتقد” إلى “الكل يعمل” ومن ثقافة تحميل المسؤول وزر كل الإخفاقات إلى ثقافة استشعار المسؤولية الجماعية، وإني لأعجب من ديدن بعض المتدينين الذين يكيلون ألوان السب والثلب والقدح والتجريح للمسؤول مستشهدين بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “و الله لو عثرت بغلة في العراق لخفت أن يسألني الله عنها يوم القيامة لِمَ لم تصلح لها الطريق يا عمر”، وينسون أو يتناسون أن الرعيل الصالح الذي حكمه عمر بن الخطاب رضي الله كان يحاكيه  في الصلاح فلما التقى الصالحان صلح شأن المجتمع المديني، فيا من ينتقدون غيرهم ليتكم بدأتم بأنفسكم؛ فالكيِّسُ من حاسب نفسه قبل أن يحاسب غيره.

ثامنا: جزائر جديدة، تسير فيها المطالبة بالحقوق جنبا مع جنب مع أداء الواجبات، فكم من ساكت على الفساد وهو يقرأ قوله صلى الله عليه وسلم: “الساكت على الحق شيطان أخرس”، وكم من موظف يهجر موقع عمله قبل الميعاد وهو يقرأ قوله صلى الله عليه وسلم: “أطِب مطعمك تكن مجاب الدعوة”، وكم من مبذرين للمياه كانوا سببا في أزمة العطش الكبرى التي نعيشها وهم يقرأون قوله تعالى: “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين”، وكم من مكلفين بإنجاز المشاريع المائية الكبرى قصّروا في أداء واجبهم ثم تعللوا بقلة الإمكانات وبلادنا بشهادة المختصين في هذا المجال من مصادر المياه الأولى في العالم، وكم من عديم الضمير يلقي بأعقاب السجائر في الغابات ولا يكترث لما تحدثه من خسائر في الممتلكات. أليس من المؤسف أن يشقى بعض الجزائريين في طلب الماء وأكثره يصبّ في المجاري؟ ألا ينطبق علينا قول الشاعر: بلادنا كالعيس يقتلها الظمأ   والماء فوق ظهورها محمول؟

تاسعا: جزائر جديدة، تنخرط فيها النخبة بكلها وكلكلها في عملية التنمية الوطنية ولا تتذرع بالحجج الواهية من أنه قد حيل بينها وبين هذه المهمة الوطنية من قبل السلطة الحاكمة. رُبَّ عذر أقبح من ذنب، قال الشاعر: “وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا”، والمغالبة التي ندعو إليها لكسر شوكة السلطة -كما يقولون- وإبطال حجة المعارضة ومنها للأسف الشديد قطاعٌ معتبر من النخبة هي المغالبة بالحجة، فالنخبة التي توعزها الحجة هي نخبة قد تودع منها.

هذه هي الجزائر الجديدة، هكذا تكون أو لا تكون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • algerien

    10ـ الجزائر الجديدة هي تلك التي تكتشف طاقات أبناءها، توجّهها ثم تفجرها في فم الإنسداد لتفتح منافذ نحو بر آمن لأبناءها.

  • ثانينه

    الجزائر الجديده تكون بنظام ديموقراطي واسع..تبدا اولا بطريقه التسيير لهده القاره الجزائريه النظام الحالي اصبح عاجزا عن التقدم نحو الامام مركزيه التسيير هي السبب الاول وبالتالي لابد باستبداله بطريقه اخري تكون احسن فعاليه كما هو الحال في اغلب الدول المتقدمه مثل امريكا وروسيا والمانيا ولكن قبل دالك لابد من تحسيس المواطن الدي قد يظن ان النطام الفدرالي يقسم البلاد وهدا خطا كبير بل يجعل البلد اكثر قوه لان التسيير يكون فعلي وبالقرب كما كانت الجزائر اثناء حرب التحرير مقسمه الي5ولايات حيث كل ولايه لها حصوصياتها وتجانسها الثقافي والجغرافي.فلا احد يفرض علي الاخر مشروعه الاديولوجي والثقافي بالاكراه علي الاخر لايحق لاحد ان يقصي الاخر. وهكدا يتنافس الجميع علي بناء الجزائر .