الرأي

هل‮ ‬تنزلق‮ ‬مصر‮ ‬إلى‮ ‬حمّام‮ ‬دم؟

حسين لقرع
  • 2938
  • 4

إذا نفذ الانقلابيون تهديداتهم بفض اعتصاميْ “رابعة العدوية” و”النهضة” بالقوة، فستكون مصر أمام عدة سيناريوهات مخيفة، أسوؤها أن تقع محرقة رهيبة يذهب ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى قبل أن يتمكن الجيشُ والشرطة والمرتزقة من “البلطجية” والـ”بلاك بلوك” من فض الاعتصامين،‮ ‬وستتزايد‮ ‬الخسائر‮ ‬البشرية‮ ‬كلما‮ ‬ثبُت‮ ‬المعتصمون‮ ‬وصمدوا‮ ‬أمام‮ ‬محاولات‮ ‬الاقتحام‮. ‬

   وإذا “نجح” مغتصبو الحكم في فض الاعتصامين بالقوة، فالأرجح أن يتبع ذلك أعمالُ قمع واضطهاد واسعة ومطاردات لقيادات الإخوان والزج بهم في السجن بتهم عديدة سيبدع الانقلابيون في تلفيقها، ومنها “التحريض على قتل المتظاهرين”؟ وقد يُحظر عليهم العمل السياسي ويُمنعون من دخول الانتخابات العامة القادمة تحت أي غطاء وستُرفض كلّ قائمة انتخابية يُدرج فيها أيّ اسم محسوب عليهم. وبالتالي سيُغيَّبون عن العمل السياسي لسنوات، وربما لعقود عديدة قادمة، وسيتكرس خلالها حكم الفلول وتستحكم الديكتاتورية في مصر مجددا.

 

   إلا أن الرياح قد لا تسير كما يشتهي مغتصبو السلطة حتى بعد فض الاعتصامين؛ إذ يُنتظر أن يلجأ أنصار الشرعية إلى التظاهر العشوائي في شوارع مختلف المدن والدخول في انتفاضة حجارة يومية مفتوحة مع قوات الأمن قد تدوم شهورا طويلة. وسيتعذر على الأمن قتلُ آلاف آخرين من المتظاهرين أمام كاميرات العالم، ولا سيما إذا تصاعدت الضغوط الدولية على الانقلابيين. وستتعطل الحياة العامة وتُشلُّ السياحة كليا وتتوقف الحركية الاقتصادية وتتفاقم الأزمة.. وما يغذي هذا السيناريو أن الأحداث أثبتت أنه كلما قام الانقلابيون بمذبحةٍ جديدة ضد أنصار‮ ‬الشرعية،‮ ‬إلا‮ ‬وزاد‮ ‬حجم‮ ‬التعاطف‮ ‬الشعبي‮ ‬معهم‮ ‬وانضمّ‮ ‬المزيدُ‮ ‬من‮ ‬المتظاهرين‮ ‬إلى‮ ‬صفوفهم‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬يكترث‮ ‬هؤلاء‮ ‬بإمكانية‮ ‬سقوطهم‮ ‬قتلى‮ ‬في‮ ‬مجازر‮ ‬قادمة‮. ‬

   وهناك سيناريو أخطر وهو أن يقود فض الاعتصامين وسقوط عدد كبير من الضحايا إلى لجوء آلاف الشبان إلى العنف والمواجهة المسلحة مع الجيش، ما يُدخل البلد في حرب أهلية تنهك الجيش المصري، لا سيما وأن الأسلحة الليبية تتدفق بغزارة من كل جهة، وستشجع الولايات المتحدة والغرب هذا الخيار قصد إضعاف الجيش المصري واستنزافه، ليتأكد بذلك أن أمريكا قد ورّطت السيسي ووافقت انقلابه عمدا لتحقيق هذا الهدف، بعد أن ورَّطت من قبل صدام حسين بموافقتها على احتلال الكويت ثم دمرت الجيش العراقي، فضلاً عن إنهاك الجيش السوري والإضعاف المستمر لقدراته في حربٍ أهلية لا تزال مفتوحة. وبتدمير جيوش العراق وسوريا ومصر، وهي الأقوى في المنطقة العربية، سيتنفس الكيانُ الصهيوني الصعداء، ويمكنه تكثيف جهوده لتصفية القضية الفلسطينية في ظل تمزق عربي لا سابق له في التاريخ.

   إنما يمكن تفادي هذه السيناريوهات المرعبة إذا احتكم الانقلابيون إلى العقل والحكمة وكفوا عن التصلب ومحاولات إقناع أنصار الشرعية بالتنازل عن حقهم الشرعي في التظاهر السلمي والاعتصام والعودة إلى ديارهم والقبول بسلطة الانقلاب. فقد أثبت المعتصمون أنهم لن يقبلوا‮ ‬بحل‮ ‬آخر‮ ‬دون‮ ‬عودة‮ ‬الشرعية؛‮ ‬أي‮ ‬الرئيس‮ ‬مرسي‮ ‬ومجلس‮ ‬الشورى‮ ‬والدستور،‮ ‬وليس‮ ‬أمام‮ ‬الانقلابيين‮ ‬سوى‮ ‬الاستجابة‮ ‬لصوت‮ ‬الملايين‮ ‬والقبول‮ ‬بعودة‮ ‬الشرعية‮ ‬والخروج‮ ‬من‮ ‬المشهد‮ ‬السياسي‮.‬

   مفتاح الحل يوجد بيد السيسي، وقد انحاز من قبل إلى الأقلية العلمانية وزجّ ببلده في هذا النفق المظلم، وهو مطالبٌ الآن بالرجوع عن الانقلاب والانصياع إلى الحق حفاظاً على البلد من الانزلاق إلى حمَّام دم وحرب أهلية مدمِّرة، ويمكن لجلسات حوار مباشرة بينه وبين الرئيس‮ ‬مرسي‮ ‬أن‮ ‬تضع‮ ‬نقطة‮ ‬نهاية‮ ‬سلمية‮ ‬لهذه‮ ‬الأزمة‮ ‬الخطيرة‮. ‬ 

 

مقالات ذات صلة