الرأي

هل أصبح الجزائريون عالة على الدولة؟!

حسين لقرع
  • 1771
  • 7

حينما يصرّح وزير الطاقة مصطفى قيطوني، بأن غذاء الجزائريين يستنزف إيرادات البلد من العملات الصعبة، فإنه بذلك يحمّلهم ضمنيا مسؤولية الأزمة المالية التي تعيشها البلاد منذ انهيار أسعار النفط في صيف 2014، ويبرِّئ ساحة السلطة تماما!
تصريح الوزير يحوّل الجزائريين إلى عالةٍ على دولتهم وعاملِ استنزاف لمداخيلها بدل أن يكونوا عنصر قوة كما هو حاصلٌ في البلدان المتقدّمة. وإذا افترضنا أن هذا صحيح، وأن الجزائريين قد تعلّموا الكسل والاعتماد على منتجات ما وراء البحار وتحوّلوا إلى شعبٍ مستهلِك بعد الاستقلال، فمن المسؤول عن ذلك؟ أليس النظامُ الريعي الذي قام بعد الاستقلال وأفرط في الاعتماد على النفط وأهمل الفلاحة تماما هو المسؤول عن تعليم الشعب الكسل والاكتفاء باستهلاك ما ينتجه الآخرون في جميع القطاعات، وليس في الفلاحة فحسب؟
المعروف أن البلاد كانت تصدِّر الحبوب إلى أوروبا في العهدين العثماني والفرنسي، ثم تحوّلت إلى مستوردٍ لها بعد الاستقلال، فهل نلوم الشعب على ذلك ونتهمه بترك أراضيه الزراعية والنزوح إلى المدن؟ أم نلوم السلطة التي اكتفت بالريع النفطي وأدارت ظهرها للفلاحة تماما؟ هل يمكن للشعب تطويرُ الفلاحة بأدواتٍ تقليدية فقط ومن دون دعم قوي من الحكومة قائمٍ على تصوُّر واضح لكيفية تحديث هذا القطاع الاستراتيجي؟
للأسف، لا تملك الحكومة أيَّ تصوُّر لكيفية تطوير الفلاحة ببلادنا التي تُعدّ قارّة بمساحتها الشاسعة التي جعلتها الأولى إفريقيا وعربيا، ولو كان هناك مخططُ عمل واضح، لكانت الجزائر تفيض بخيراتها على العالم، ولكانت الفلاحة أحد البدائل الناجعة للنفط بدل ورشات تركيب السيارات التي لا تصنّع شيئا، وأرهقت الجزائريين بأسعارها الخيالية، ولا نعتقد أنها ستكون بديلا للنفط في المدى المتوسط.
لقد حققت البلاد إيراداتٍ تجاوزت ألف مليار دولار في ظرف 15 سنة، فهل استنزفها غذاءُ الجزائريين كما يدّعي وزيرُ الطاقة؟ هل هذا هو الجوابُ المناسِب عن التساؤلات المُلحّة للمواطنين عن وِجهة الألف مليار دولار التي كان يمكن أن تُنعش اقتصادات قارة بأكملها فلم تُنعش اقتصاد بلدٍ واحد؟
فاتورة استيراد الغذاء بجميع أنواعه لا تتجاوز السبعة مليارات دولار سنوياً، فكيف تستنزف إذن مداخيل البلد من العملات الصعبة؟ وماذا عن مختلف أشكال الفساد المتفشّية التي أهدرت موارد البلد وكبحت انطلاقته التنموية وجعلت منظمة شفافية دولية تصنف الجزائر في المرتبة 112 عالميا في قائمة الدول الأكثر فسادا في سنة 2017، بعد أن كانت في المرتبة 88 في 2015 فقط؟ أليس غزوُ الاسمنت المسلّح لسهل متيجة، وهو أحد أخصب أراضي العالم، مظهرا من مظاهر هذا الفساد؟
المشكلة ليست مشكلة كسلِ شعب، أو جفافٍ مزمن، أو نقص أراضٍ صالحة للزراعة، بل مشكلة نظامٍ ريعي لم يُحسِن استغلال موارد النفط لتطوير الفلاحة ومختلف دعائم اقتصاد البلد طيلة 56 سنة كاملة، وفشل في تفجير كفاءات شعبه وطاقات شبابه، ثم يحمّل الآن المواطنين مسؤولية عجزه، وينبري بعض عناصره ليقول بكل تبجُّح إن الجزائر أفضل من السويد وأمريكا وحزبه سيحكمنا قرنا آخر!

مقالات ذات صلة