الرأي

هل تستمر أسعار النفط في الهبوط؟

بشير مصيطفى
  • 1798
  • 10
ح.م

تواصل أسعار النفط في تراجعها ليبلغ سعر البرنت الموجه لسعر نفط الجزائر ، الأربعاء، مستوى الـ 50 دولارا للبرميل متراجعا بـ 6 من المائة في يوم واحد، ونفس الشيء بالنسبة لسلة أوبك التي تراجع سعرها إلى 53.9 دولارا للبرميل ولا أظن أن التراجع سيتوقف لغاية صيف 2019 حيث من المحتمل أن تصل الأسعار الى مستواها الأدنى لتبدأ بعدها في الصعود تحت تأثير الطلبات الآجلة لفترتي الخريف والشتاء.

أساسيات سوق النفط

يتعلق الأمر في الدرجة الأولى بأساسيات السوق حيث لم يعد بالإمكان امتصاص الفائض من المعروض المقدر بـ 4 ملايين برميل على الرغم من قرار أوبك الأخير في فيينا، القاضي بخفض الإنتاج بـ 1.2 مليون برميل يوميا. خفض لم يؤد إلى النتائج المتوقعة لأسباب متعددة منها حدود احترام الحصص للدول المنتجة المعنية باجتماع فيينا، وموقف أمريكا من سوق النفط وهي التي ترغب في أسعار متدنية ولو بضخ المزيد من النفط الأمريكي في الأسواق الخارجية. وارتفعت الصادرات الأمريكية من النفط لأول مرة منذ 57 عاما إلى 1.7 برميل يوميا مقابل هبوط الطلب الصناعي في الدول الكبرى جراء تراجع النمو كما تسعى أمريكا لتجاوز سقف 10.5 ملايين برميل يومي من الإنتاج ومضاعفة صادراتها لدول كانت لوقت قريب سوقا محتكرة لأوبك مثل كوريا الجنوبية واليابان والصين التي شرعت في استيراد النفط الأمريكي لأول مرة عند مستوى 400 ألف برميل يومي.

أوبك أمام وضع استثنائي

وضع قد يؤدي بدول أوبك الى الاجتماع مجددا في دورة استثنائية لتدارك الوضع قبل الدخول في أزمة حقيقية بداية عام 2019 خاصة مع نهاية الوضع الاستثنائي للعقوبات الدولية على إيران ومدته بين 45 يوما و3 أشهر، الأمر الذي سيدفع بطهران إلى أسواق العقود الفورية (السبوت) أو ما يعرف بأسواق الظل حيث لا حدود للتصدير.
وأمام هذا المشهد القاتم الذي يرسم سياسات قوية جدا خارج قرارات أوبك تطرح أسئلة عن قدرات المنظمة في ضبط سوق متخصصة هي من أكثر الأسواق عشوائية وهل آن أوان ابتكار سياسات جديدة تتجاوز كميات الإنتاج وحصص الأعضاء إلى الانخراط في المشهد الطاقوي الجديد من بوابتي الغاز المسال لبعض الأعضاء شأن دولة قطر أو الطاقات المتجددة شأن الجزائر؟
تمتلك الجزائر ميزات نسبية في الطاقة الشمسية أكثر من غيرها في دول أوبك ولديها أسواق واعدة في كل من إفريقيا وجنوب أوربا فضلا عن السوق الداخلي وليس بعيدا عن الجزائر الإنتاج بطاقة قدرها 22 ألف ميغا واط آفاق عام 2030 وفق شراكة استراتيجية مع كبريات الشركات المتخصصة شأن (إيني) و(توتال) و(بريتيش بتروليوم)، ولو أن الموضوع لا يزال مقيدا بالتمويل في انتظار انخفاض كلفة التكنولوجيا والدراسات.

محركات النمو

ومع ذلك للجزائر منافذ أخرى للنقد الأجنبي غير الطاقات الأحفورية أو المتجددة وعلى رأسها الاستثمار في القطاعات ذات الميزة النسبية والتنافسية في آن واحد في حوض المتوسط ويعني ذلك المنتجات الزراعية الخالية من الإضافات الكيمياوية أو الصديقة للبيئة ثم الخدمات في قطاعات واعدة مثل السياحة والتجارة واللوجستيك نحو إفريقيا عبر بوابة المتوسط وأخيرا الاستثمار في العنصر البشري من خلال بوابة التكوين والتعليم ولو أن الأمر يتطلب رؤية مدروسة تحسبا للمستقبل.
محركات النمو في الجزائر متوفرة لافتكاك مستوى 7 من المائة بدءا من البنى القاعدية إلى المؤسسة المنتجة للثروة إلى إمكانيات الابتكار إلى المخزون البشري القابل للتكوين، ويكفي تشغيل هذا النوع من المحركات في اتجاه واحد هو إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني لينتقل سريعا من الاقتصاد المبني على المحروقات إلى الاقتصاد المبني على المعرفة، ونقل المؤسسة المنتجة للثروة من حالة العائلة إلى حالة رأس المال والحكامة في التسيير ونقل المخزون البشري من حالة التعلم إلى حالة الابتكار والمواطنة، ونقل الابتكار نفسه من حالة الأفراد إلى حالة المؤسسات، وأخيرا نقل مؤشرات الموازنة من حالة الخزينة إلى حالة السوق. نظرة متجددة تماما لإنتاج القيم الاقتصادية لا تقطع الصلة بالتاريخ الاقتصادي للدولة ولكن تراجع النمو على أساس الاستدامة.

مقالات ذات صلة