-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل تكفي المواثيق الأخلاقية وقوانين النشر؟

محمد قيراط
  • 5030
  • 0
هل تكفي المواثيق الأخلاقية وقوانين النشر؟

قبل أيام أحتضنت مدينة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر الصحافة الأخلاقية الذي نظمته جمعية الصحافيين الإماراتيين بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافة بهدف الترويج للقيم الأخلاقية في العمل الصحافي والإلتزام بها وتجسيدها في الممارسة اليومية لتنمية الديمقراطية والحرية وإعلاء كلمة الحق وتوفير المعلومات اللازمة للرأي العام حتى يلعب دورا فاعلا في المجتمع.

  • الممارسة الإعلامية هذه الأيام، سواء في الجنوب أو الشمال؛ في الغرب أو الشرق، تعاني من ابتزاز واستغلال من قوى سياسية ومالية مختلفة ومتعددة بهدف التلاعب والتضليل والتعتيم نظرا لخطورة وقوة الكلمة والصورة وللدور الاستراتيجي الذي اصبحت تلعبه وسائل الإعلام على الصعيد المحلي أو الدولي. هذه الأوضاع تحتم على المنظومة الإعلامية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي العمل على “أخلقة” العمل الإعلامي وتطهيره من شوائب التضليل والتعتيم والتشويه والتلاعب والحرب النفسية والبروباغاندا 
  • إذا فسدت الصحافة فسد المجتمع والصحافة بدون أخلاق لا تستطيع أن تؤدي رسالتها النبيلة في المجتمع على أحسن ما يرام. لكن هل يمكننا الكلام عن أخلاقيات الصحافة بدون حرية الصحافة؟ وهل الصحافي إذا كان مقيدا بطرق ووسائل عديدة ومتنوعة بإمكانه أن يؤدي رسالة الاستقصاء والبحث والرقابة والكشف عن الحقيقة بدون مضايقات ومساءلات؟ وهل إذا كان المجتمع يعاني من عدم الفصل بين السلطات وعدم استقلالية القضاء وعدم التناوب على السلطة والتهميش المنظم للغالبية العظمى من الشعب وعدم إشراكه في العملية السياسية وغياب المجتمع المدني بإمكاننا الكلام عن أخلاقيات الصحافة. الإلتزام بالكلمة الحرة والمسؤولة يحتاج إلى مستلزمات من أهمها حرية الفكر والرأي والتعبير وقانون يحمي الجميع ويتعامل مع الجميع بعدالة و شفافية. وهل مواثيق الشرف وقانون النشر والطبوعات كافية لإعلام نزيه ومسؤول ومستقل وحر؟
  • الممارسة الإعلامية هذه الأيام تعاني من انزلاقات وانحرافات عديدة بسبب المشاكل والضغوط التي يتعرض لها القائم بالاتصال في عمله اليومي من قبل جهات عديدة ومختلفة شغلها الشاغل هو ابتزاز واستغلال المؤسسة الإعلامية لمصالح ضيقة على حساب إعلام موضوعي، مسؤول وهادف. انزلاقات وانحرافات عديدة تكون نتيجة التربص بالمهنة الشريفة وتكون مخرجات المؤسسة الإعلامية في النهاية التلاعب والتشويه والتضليل والإثارة والانحياز في طرح الخبر ومعالجته. إشكالية الممارسة الإعلامية والتحدي الأخلاقي تبقى اشكالية مطروحة عبر العصور والأزمنة وفي مختلف الدول والأنظمة وما نمر به هذه الأيام على المستوى الدولي ما هو إلا دليل قاطع على ما نقول والدليل على ذلك هو التغطية الإعلامية الأخيرة لمحرقة غزة
  • جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 “إن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار ونشرها بأية وسيلة كانت دون التقيد بالحدود الجغرافية”. ويقول سقراط ” لكي تكتشف الفضيلة لا بد أن تعرف نفسك وتعرف الآخرين، فهذا هو الخير الأعظم للإنسانية”. و يرى أفلاطون أنه يمكن الوصول إلى الحقيقة من خلال المناقشة الحرة. و هذا يعني أن حرية الرأي و التعبير وحرية الصحافة والسوق الحرة للأفكار هي مستلزمات لا بد منها للوصول إلى الديمقراطية و الرفاهية و الازدهار والإعلام المسؤول والنزيه والموضوعي والملتزم.
  • إنه من واجب كل مؤسسة إعلامية أن تحمي صحافييها والمشرفين عليها والذين يعملون ويجتهدون بحثا عن الخبر وعن الحقيقة وعن إعلام الجمهور وتزويد الرأي العام بما يجري محليا ودوليا من أجل إعلاء كلمة الحق والكشف عن الحقيقة. هذا يعني الحاجة إلى “أخلقة” العمل الإعلامي من أجل الممارسة الإعلامية النزيهة والشريفة والهادفة. فكل مؤسسة إعلامية مطالبة بأن تحدد بكل وضوح ودقة المحرمات والمبيحات، واجبات القائم بالاتصال و حقوقه ، و عادة تتحدد المحاور الرئيسية لميثاق الشرف الإعلامي فيما يلي: المسؤولية،الأخلاق،الدقة و الموضوعية،احترام شعور و ديانات و مقدسات الآخرين،احترام الحياة الخصوصية لأفراد المجتمع، حق الجمهور في الأخبار والمعرفة و المعلومات، الالتزام باحترام المهنة والدفاع عنها وحمايتها من كل من يحاول المتاجرة بها أو استعمالها لأغراض غير المصلحة العامة و أغراض المجتمع، الالتزام بحماية الصحافي وحصانته والدفاع عنه عندما تتوجب الضرورة.
  • إذا انعدمت الأخلاق وسيطرت النزوات الشخصية أو الحزبية أو المالية أو التجارية ابتعدت المؤسسة الإعلامية عن خدمة المصلحة العامة وهذا يعني أنها بدلا من أن تكون المراقب العام في المجتمع   والمدافع على الطبقات المحرومة تصبح في يد فئة محددة تستعملها وتسخرها لخدمة مصالحها وحتى لو كانت على حساب المصلحة العامة، مما  يؤدي إلى انعدام المصداقية وتدهور العلاقة بين الشرائح الاجتماعية العريضة في المجتمع والمؤسسة الإعلامية. فقدان المصداقية في العملية الإعلامية يؤدي إلى فشلها ويفتح المجال أمام الجمهور المحلي للتوجه إلى مصادر أجنبية للحصول على الأخبار والمعلومات. تنعدم المصداقية في العملية الإعلامية عندما تكثر الضغوط بمختلف أنواعها وأشكالها على القائم بالاتصال، و عندما تكثر التدخلات في عمل المؤسسة الإعلامية من قبل جهات و أطراف ليس لديها أي حق في التدخل في العمل الإعلامي.
  • في العالم العربي تعاني المؤسسة الإعلامية من ضغوط و من تدخلات و من تحكم و توجيه تجعلها مؤسسة تبتعد كل البعد عن جمهورها و عن خدمة المصلحة العامة لصالح هؤلاء المتطفلين – نظرا لنفوذهم السياسي أو المالي … الخ. و يصعب هنا الكلام عن الأخلاق أو ميثاق الشرف أو المصلحة العامة إذا كانت المؤسسة الإعلامية تحت رحمة حفنة من أصحاب الجاه و المال والنفوذ، وإذا كان صانع القرار غير مقتنع بحرية الممارسة الإعلامية إلا فيما يرضيه وإما عدا ذلك فيعتبر خروج عن الطاعة. هذا الوضع المتناقض بين الظاهر والضمني أدى إلى الرقابة الذاتية والتي تقضي على مبدأ الحرية و المسؤولية والإلتزام.
  • إن تحديد مهام ومسؤولية المؤسسة الإعلامية و تحديد مهام و مسؤولية القائم بالاتصال في ضوء ميثاق شرف شامل وواضح المعالم يعني القضاء على الكثير من الملابسات و من المناطق الغامضة التي قد تؤدي إلى سوء التفسير والاستخدام. و المؤسسة الإعلامية في المجتمع مثلها مثل القائم بالاتصال الذي يصنع الرسالة التي تقدم للجمهور يجب أن تكون لديها رسالة نبيلة  وأهداف محددة تعمل من أجلها  وتدافع عنها لتحقيقها. المؤسسة الإعلامية يجب أن تبذل قصارى جهودها لإبراز الحق و تبيان الباطل، فإذا كان الهدف النبيل موجود والنية موجودة و المستلزمات متوفرة (قوانين، تشريعات، نقابات مهنية، مواثيق أخلاقيةن مجتمع مدني فعال) وكذلك  المناخ الديمقراطي وحرية التعبير والرأي ،في هذه الحالة نستطيع الكلام عن مؤسسات إعلامية فاعلة في العالم العربي.
  • المؤسسة الإعلامية في المجتمع هي مؤسسة اجتماعية بالدرجة الأولى، ومن هنا يجب أن تعي  أنها ليست مجرد وسائل لبيع مساحات للإعلانات وتحقيق الربح السريع وأنها ليست وسائل لبث رسائل وبرامج هابطة لضمان أكبر عدد ممكن من إقبال جمهور المراهقين والشباب عليها.و إنما وأهم من كل هذه الاعتبارات هنالك مجتمع بكامله بمختلف شرائحه وفئاته ينتظر رسالة  إعلامية هادفة ومسؤولة هدفها نشر الثقافة والعلم والأصالة والفكر السليم والتحليل البناء الموضوعي وتوفير منبر للنقاش والحوار والجدال من أجل المصلحة العامة ومن أجل بناء قنوات اتصال مباشرة بين شرائح المجتمع المختلفة و بين الحاكم و المحكوم في جو من الشفافية والديمقراطية و المسؤولية الاجتماعية
  •  الممارسة الإعلامية مهنة نبيلة يجب أن تمارس آخذة بعين الاعتبار كل الأبعاد الأخلاقية والقانونية والتشريعية والمهنية. فالمؤسسة الإعلامية مسؤولة أمام المجتمع و أمام الرأي العام، ومسؤولة مسؤولية أخلاقية كبيرة جدا عندما تضّخم أشياء و تحجب أشياء أخرى، و عندما تركّز على عناصر معينة في الخبر دون غيرها. وجريمة التضليل والتزييف والمغالطة والكذب أخطر بكثير من أي جريمة أخرى لأن المؤسسة الإعلامية عندما تزّيف أو تضلّل  فإنها تكذب على ملايين البشر وليس على شخص واحد، و هنا تكمن أهمية الأخلاق و الالتزام و النزاهة التامة في العمل الإعلامي لضمان السوق الحرة للأفكار.
  • إشكالية هامة جدا وحساسة تتمثل في  ظروف العمل والصعوبات والمشاكل والأخطار المختلفة التي يتعرض لها الصحفي في عملية البحث عن الحقيقة و البحث عن المعلومات وتقديمها للجمهور. ومن خلال التجارب المختلفة للمراسلين والإعلاميين من جميع أنحاء العالم  فإن عملية البحث عن الحقيقة والبحث عن الخبر لا تقدم دائما على طبق من ذهب، والإحصائيات تقول أن  عشرات الصحافيين يموتون سنويا برصاص وتصفيات واغتيالات الإرهاب والأنظمة الدكتاتورية والمافيا المالية والسياسية، سواء في دول الشمال أو الجنوب فاشتهرت دولا كثيرة بصعوبة ممارسة الإعلام فيها ككولومبيا وبوليفيا والبرازيل والمكسيك وأفغانستان والجزائر والسودان وباكستان و إيران والقائمة طويلة. فحسب تقارير “مراسلون بلا حدود”  لقي أكثر من 800 صحافي حتفهم في السنوات العشر الأخيرة، وأن نصف دول العالم لا يحترم حرية الصحافة، أضف إلى ذلك أن العديد من دول العالم يفتقد إلى قوانين تحمي المهنة و المهنيين من جبروت وسلطة المال والسياسة والمافيا بمختلف أنواعها  وأشكالها. في الكثير من دول العالم الثالث لا توجد نقابات للصحافيين و لا مواثيق الشرف   ولا قوانين تنظم مهنة الصحافة وتنظم العلاقة بين الصحافي ومصدر الخبر. وهكذا يجد القائم بالاتصال نفسه  أمام ميادين مملوءة بالألغام والمشاكل والعراقيل وهدفه في نهاية المطاف هو البحث عن الحقيقة وتقديمها للرأي العام كما هي لا غير.و المشكل هنا يكمن في أن قول الحق و تقديم الواقع كما هو للرأي العام لا يعجب الكثير من الأطراف و الجهات في الكثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى لا يعجب السلطة و لا يعجب أصحاب المال و النفوذ…الخ. تشير التقارير كذلك أن آلاف الصحافيين عبر العالم تزج بهم السجون والمعتقلات وفي الكثير من الأحيان لا أحد يجرأ حتى على محاكتهم ولا يسأل عنهم أو يدافع عن قضاياهم، وهذا هو جزاء من يبحث عن الحقيقة وعن الصالح العام.       
  • يظن البعض في العالم العربي، أن مواثيق الشرق وقوانين الطباعة والنشر والإعلام هي مفتاح الإعلام النزيه والهادف والمسؤول والحر والمستقل. لكن، في حقيقة الأمر، هذا مجرد وهم فقط حيث أن الإعلام هو أكثر من أن يكون  مواثيق أخلاقية وقوانين نشر، بل هو أسلوب حياة وثقافة وديمقراطية وممارسة يومية تقوم على الرأي والرأي الآخر واحترام الحريات الفردية وحقوق الإنسان وممارسة النقد والنقد الذاتي بكل جرأة وشجاعة وشفافية. فالإعلام يعكس البيئة التي يعيش فيها. فإذا كان النظام يقر المواثيق الأخلاقية وقوانين الإعلام و النشر، لكن لا يؤمن بالنقد وبالفصل بين السلطالت وبحرية الصحافة، فالنتيجة هي أن هذه القوانين والمواثيق تبقى مجرد حبرا على ورق فارغة بدون روح ولا فاعلية وهذا هو واقع الإعلام العربي، مع الأسف الشديد، الذي أصبح يتفنن فيه الصحافي في الرقابة الذاتية وفي تجنب قضايا الأمة المصيرية و هموم الشارع والتركيز على التسبيح والتمجيد والتسطيح والتهميش. استقدم العرب التكنولوجية دون التفكير في الرسالة وفي ما يبثه من خلال التكنولوجية، هكذا وبعد عقود من الزمن وبعد فوات الأوان و بعد أن اُستعملت وسائل الإعلام بطرق غير مهنية وغير احترافية وغير أخلاقية لتحقيق أهداف سياسية أو تجارية أو غيرها على حساب المهنة والضمير والأخلاق والمصلحة العامة،. يرى البعض كذلك  أن التعددية السياسية والتعددية الإعلامية تؤديان حتما إلى حرية الفكر والرأي والإعلام، و هذا طرح خاطئ تماما. فتاريخ الصحافة والإعلام في العالم يؤكد أن حرية الصحافة هي ثقافة وسلوك وقناعة قبل أن تكون قوانين وتشريعات ونقابات وجمعيات للصحافيين ومواثيق أخلاقية.

 

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!