-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل تَغيَّرَ “ماكرون”؟

هل تَغيَّرَ “ماكرون”؟

تابعت بالتفصيل حوار الرئيس الفرنسي ماكرون لإذاعة “فرانس انتر” صبيحة الثلاثاء وبخاصة ما تعلق بالجزائر. الحوار دام 22د و15ث، أجراه بمناسبة يومٍ خاص بعنوان “مع الأفغان” مُهدَى إلى النساء الأفغانيات من كابول إلى باريس، لكنه خَصص فيه 05 دقائق للجزائر و3 دقائق لمالي، أي أكثر من 35 بالمائة من وقته. وعلى خلاف موضوع أفغانستان ومالي لم تقاطعه المذيعة أبدا عندما تعلق الأمر بالجزائر. الهدف واضح. ينبغي تمرير رسالة. وعلينا تفكيكها وفهمها.

لقد كانت البداية من (الدقيقة 10) عندما خلُص الرئيس الفرنسي وهو يتحدث عن أفغانستان إلى القول بـ”ضرورة عدم التعامل مع بلد من دون مراعاة تاريخه وجغرافيته…”، وبأنه “لا يُمكن بناء تاريخ شعب بِعملٍ من الخارج وبأن نكون بديلا لسيادته”… عندها سألته الصحفية، وهل ينطبق ذلك على مالي؟ وكأنها تُهيِّئ لِطرح سؤال له علاقة بموضوع التاريخ والسيادة عن الجزائر، وهو ما حدث في الدقيقة 18.

وعلى خلاف إجابته عن الجزائر، التي كان فيها متودِّدا، مُصَحِّحا لتصريحاته السابقة، تَحامل على الشقيقة مالي بالقول: في الدقيقة 10 ـ “من دون فرنسا في الساحل لم يكن لتوجد حكومة في مالي”، وفي الدقيقة 11 “لو لم يقرر الرئيس هولاند في جانفي 2013 التدخل خلال عملية سارفال التي أطلقها، ثم عملية بارخان لَكان الإرهابيون قد سيطروا على باماكو، ثم كل البلاد”… وهو ما يتطلب من أشقائنا الماليين الرد عليه إن عاجلا أو آجلا بِطرد بقايا قواته من بلدهم كما فعل الأفغان مع الأمريكان.

وهكذا بَيَّن الرئيس الفرنسي بوضوح في هذا الحوار، ومن خلال مالي، أن عمقه الفكري مُنتمٍ ـ شعوريا أو لا شعوريا ـ للمدرسة الغربية الاستعلائية التي تؤمن بالرسالة التمدينية للغرب وبدونية الشرق والجنوب أمامه.

فما قاله بالأمس عن الجزائر يُردِّده اليوم على  دولة مالي وأفغانستان… إن “ماكرون” لم يتغير إنما تغيرت نَبرته فقط، أي أن تغير نبرته بشأننا ليست نتيجة قناعة فكرية أو تبدل في التصور خلال أيام، إنما هو خضوع “مؤقت” لصرامة المواقف الشعبية والحكومية الجزائرية السيادية  الحازمة ردا على تصريحاته الأخيرة والتي من نتائجها الأولى أَنْ تم قَطْع الطريق في وجهه باتجاه مالي بعد الحظر الجوي لطائراته العسكرية وما تبع ذلك من تداعيات…

لذا علينا أن نستمع للرئيس “ماكرون” يتحدث بأدب وتواضع ظاهرين… ولكن ينبغي علينا ألا نُصدِّقه!

إنه يتحدث عن ضرورة “أن نستمر وأن يكون هناك استرضاء وأن نتكلم ونتقدم”، و”أن الحياة وُجدت لِنتكلم عن الخلافات وأن نتقاسمها” و”ألا نزيد هذه القصة توترا ونحاول بطريقة ما الاعتراف بكل أنواع الذاكرة وتمكينها من التعايش”؟ وعلينا أن نأخذ كل هذا بتحفظ؟

أما القراءة الصحيحة لهذا التحول في الموقف من وجهة نظري فمردها السياسة الواقعية الجديدة التي اعتمدتها الجزائر تجاه كل تلك القوى التي تُضمِر نوايا عدوانية تجاهها، كما هو نتيجة لما تسعى إليه عبر دبلوماسيتها لتوحيد موقف الشعوب الإفريقية والآسيوية، خاصة لمواجهة الأساليب الجديدة للسيطرة عليها فيما سيُعرف بمرحلة ما بعد الانسحابات الكبرى.

إن موقفا جزائريا صارما متضامنا شعبيا ورسميا في الداخل وفي المهجر، ومع أشقائنا وأصدقائنا، كان كافيا لإحداث تغيير رسمي في موقف دولة عُرفت بِأَبوية مُطلَقة تجاه البلدان الإفريقية والعربية على وجه الخصوص.. فماذا لو اتحدت مواقف هذه الدول ضمن استراتيجيات متكاملة، بقيادات وأهداف مشتركة؟ بلا شك سنعرف كما عرفنا اليوم أن قوة الموقف تصنع بالضرورة موقف القوة… وسنعيد المكانة والحياة لوجودنا؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!