الرأي

هل تُضرَب الوطنيةُ بالهوية؟

محمد سليم قلالة
  • 1530
  • 16

إضعافُ الدول المركزية في المنطقة العربية والإسلامية ليس بالعمل غير المحسوب، بل هو جزءٌ من استراتيجية كونية أُعِدَّت بإحكام لتفتيت وحدات هذه المنطقة إلى كيانات فرعية متناحرة تَفقد كل أمل في الاتحاد أو إعادة بناء الحضارة…
شُرِع في تنفيذ هذه الاستراتيجية مباشرة غداة استعادة هذه الدول سيادتها الوطنية بعد تضحيات جمّة كانت أحيانا بمئات الآلاف من الشهداء كما كانت حالنا في الجزائر…
كانت البدايات الأولى عندنا بمنع تبوؤ العنصر الوطني المخلص والمكافح ضد الاستعمار مناصب المسؤولية، أو مُحاصرته بكافة الوسائل إذا ما تَمَكن من الوصول إلى مصدر القرار، أي بضرب الوطنية بالوطنية.. وبعد استنفاد هذه الوسيلة طاقتها جاءت مرحلة ضرب الوطنية بالإسلام (العشرية السوداء) بكل ما تسبَّبت فيه من خسائر وتحطيم، ليتم وضعُنا اليوم على عتبة مرحلة تحطيم ثالثة عنوانها ضرب الوطنية بالهوية، إذا لم نفِق ونستبق…
لقد تم ضرب الوطنية بالوطنية حقا مع بداية الاستقلال، رموز وطنية كبيرة وجدت نفسها أمام خيارات تم فرضها بسياسة الأمر الواقع ومنطق القوة، من رئيس الحكومة الشرعية بن يوسف بن خدة، إلى القيادات التاريخية المعروفة وعلى رأسهم كريم بقاسم ومحمد بوضياف ومحمد خيضر وحسين آيت أحمد ومحمد شعباني وغيرهم… عرفوا جميعا نهايات مأساوية، الإعدام أو السجن أو النفي… بعدها تم ضرب ما بقي من رموزٍ بعضه ببعض (بن بلة، بومدين، الطاهر زبيري)، لتنتهي حقبة ضرب الوطنية بالوطنية وتحل محلها مرحلة ضرب الوطنية بالدين؛ عشرية سوداء كاملة ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء من مدنيين وعسكريين. تخطيط خبيث، نفذته أيادي غدر وخيانة لا شك في ذلك.. وبرغم تلك المأساة، طوينا الصفحة.
وما إن تم طي تلك الصفحة بفضل الله تعالى أولا ووعي وإرادة المخلصين لهذا الوطن، حتى بَدَا وكأن هناك مَن يُريد منع عودته إلى مساره الطبيعي لإعادة بناء الدولة الوطنية القوية التي ضحى من أجلها الشهداءُ الأبرار.. وشُرِعَ بلا تأخر، في تهيئة محيط ملائم لمرحة ثالثة من محاولة إفشال الدولة الوطنية، بدايته كانت مع منع قيام مؤسسات شرعية وقوية وتشويه القائم منها (غلق البرلمان بالسلاسل).. ونهايته بدء مرحلة صراع جديدة عنوانها هذه المرة: الهوية ضد الوطنية.. وهاهي إشاراتها الأولى تلوح في الأفق.. وعلينا الانتباه والاستعداد والأهم من ذلك استباق حدوث ذلك.
إن اليد الخفية للمستعمِر التي تحدَّث عنها مالك بن نبي مازالت تشتغل، بأشكال أكثر تطوُّرا وفعالية وخطورة اليوم، لتبديد الطاقة الاجتماعية لدينا، وعلينا إيقاف ذلك، بالوعي أولا، وبالاستباق والعمل ثانيا حتى نُجنّب بلدنا خسائر معركة ثالثة لا قدر الله.

مقالات ذات صلة