الرأي

هل حان أوان تفكك التحالف بين الاسلاميين و”الديمقراط”؟

حسان زهار
  • 1433
  • 10
ح.م

لأننا حذرناهم ولم يرتدعوا، وقلنا لهم مرارا وتكررا أن الذئاب أبدا لن تتحول إلى حملان وديعة، ها قد بدأت فصول الخديعة الكبرى تنجلي، ويظهر ما كان خافيا عن الغافلين والمغفلين.

ولأننا قلنا وأعدنا، أن التحالف الظرفي الذي جمع الاسلاميين بـ “الديمقراطيين”، خلال الحراك، هو تحالف غير طبيعي، يخالف سنن الطبيعة علاوة على أبجديات السياسة، وأن الذين وقفوا بالأمس مع توقيف المسار الانتخابي، وأيدوا قمع الاسلاميين ودعوا إليه، أبدا لا يمكنهم أن يخرجوا من جلدهم، فإن هذا التحالف الغريب يبدو، بعد انتفاء أسباب وجوده الطارئة، أنه بدأ يتهاوى.

لقد بدأ التيار (غير الديمقراطي) المعلب بيافطة “الديمقراطيين” داخل ما يسمى بأحزاب البديل الديمقراطي، يعلن ذلك صراحة دون خجل، إنه يتحدث في السر والعلن، عن ضرورة قطع الطريق على الإسلاميين وإقصائهم من العمل السياسي، بل ومنعهم بكل الوسائل من أن يستولوا على الحراك، أو توجيهه لخدمة مصالحهم.. لأن رهان الديموقراط اليوم، بعد أن فقدوا الرئاسة، هو فقط توظيف الحراك لصالحهم، في معركة التموقع الجديدة، ولا علاقة للشعارات المزيفة التي يرفعونها بمعركة الحريات والديمقراطية والانتصار لخيارات الشعب.

ما قاله رئيس حزب مجهري في لقاء البديل الديمقراطي الأخير، كان واضحا ولا يحتاج إلى تأويل، فلقد أعاد صاحبهم خطاب التسعينات الاستئصالي بحذافيره، وجلس الجميع يستمعون بخشوع، لأنه في النهاية يعبر عن مكنوناتهم الحقيقية جميعا.

الخطاب كان بلغة فرنسا، وتحت “راية تامزغا”، بينما المحتوى كان الاستئصال ولا شيء غير الاستئصال، بذات المفهوم السياسي وربما حتى العسكري، الذي جسده في بداية التسعينات خطاب سعيد سعدي لزعيم جبهة الانقاذ حينها عباسي مدني، لن نترككم تمرون إلى الحكم.

الفرق اليوم، أن الجماعة التي احتكرت لنفسها دائما الحديث باسم الديمقراطية، لأن غيرهم في تصوراتهم العميقة، هم مجرد همج يريدون تطبيق شرع الله، تعلن رفضها المطلق سيطرة الاسلاميين على الحراك، كما رفضت بالأمس سيطرة نفس الاسلاميين على الحكم.. ففي نقطة معينة من تصادم المصالح تظهر حقيقة هؤلاء الديمقراط، التي لا تختلف عن تصورات البعض، في كونهم وحدهم عباد وربما ملائكة وغيرهم ذبان!

ولذلك، فالذي كنا نحذر منه طويلا، يقع الآن على مرآى ومسمع السذج من الاسلاميين، الذين صدقوا الشعارات العلنية (خاوة خاوة)، وقد عميت أبصارهم عن رؤية (العداوة) التي تسكن منذ زمن بعيد قلوب المتنورين.. واعتقدوا أن سكوتهم عن راياتهم، قد يجعل لهم مكانا بينهم، وقد كان ذلك محض هراء.

التحالف التكتيكي الذي تحدث عنه بعض أشباه الاسلاميين مع الماك، يقابله عداء استراتيجي يكنه البربريست للإسلاميين جميعا بلا استثناء، وهو عداء وجودي، سرعان ما يظهر برأسه الاستئصالية البغيضة.. والحال أن كل طرف كان يريد أن يخدم بالطرف الآخر، الديمقراطيون الذين يتصدرون الحراك ويقودونه عمليا، استخدموا القاعدة الشعبية للاسلاميين لإظهار القوة العددية، لربح المكاسب والمناصب، بينما حاول الاسلاميون الاختباء وراء الديمقراطيين، حتى لا يتم شيطنتهم واتهامهم بالارهاب ومواجهتهم بالعنف، لكن بعد ما مرت الانتخابات الرئاسية التي تحالفوا لإسقاطها، ثم حصل آخرون على المناصب، وخرج الاسلاميون بخفي حنين، واقتربت معركة الدستور التي تتعارض فيها المنطلقات الهوياتية، بدأ يحدث الصدام.

في النهاية، كشفت فعاليات ما يسمى بالبديل الديمقراطي، أن الاسلاميين استُعملوا ولم يستعملوا غيرهم، وأن أكبر غلطة استراتيجية وقعوا فيها، أنهم احتضنوا الاستئصاليين الذين كانوا يمقتونهم ويعادونهم بالأمس، وأنهم آمنوا بديمقراطية الهاشمي الشريف وسعيد سعدي وخالد نزار، بينما عادوا الوطنيين الشرفاء، فما كانوا ولن يكونوا غدا، لا في العير ولا في النفير، لأن نفس استراتيجية الغباء التي كانت بالأمس، تتكرر مع هذا التيار الضخم، الذي يملك جسم فيل، لكن بعقل نملة.

لقد والله خسر الاسلاميون مجددا معركة أخرى، حينما اعتقدوا أن التحالف ميدانيا، مع قوى البديل الديمقراطي كان من أجل الديمقراطية، والواقع أنه كان تحالفا مع القوى البديلة عن الشعب، المعادية لثوابته وعلى رأسها الدين الاسلامي الذي يدعون الدفاع عنه، وصدق الله العظيم إذ يقول (ولَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئء إِلَّا بِأَهْلِهِه، فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّة الْأَوَّلِينَ، فَلَن تَجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ تَبْدِيلًا، وَلَن تَجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ تَحْوِيلًا).

مقالات ذات صلة