-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل رفعُ الأجور هو الحل؟

هل رفعُ الأجور هو الحل؟

ها هي الحكومة تلجأ للمرة الرابعة، في غضون 24 شهرا من عهد الرئيس عبد المجيد تبون، لرفع أجور الجزائريين، حيث بدأت برفع الحد الأدنى المضمون للأجر الوطني، ثم إعفاء الرواتب الضعيفة من الخضوع للضريبة على الدخل الشامل، وبعدها التخفيض في قيمتها لكل الموظفين والعمال بالقطاعين العام والخاص، قبل مراجعة الشبكة الاستدلالية، فضلا عن إقرار منحة لفئة الشباب البطال.

ومهما كانت الانعكاسات الماليّة المترتبة عن تلك القرارات محدودة الأثر في نظر المستفيدين، فإنها قد كلفت الخزينة العمومية كتلة نقدية معتبرة في وضع حرج مرتبط بشُحِّ الموارد، لكن السؤال الموضوعي في سياق الحالة الاقتصادية الجزائرية: هل رفع الأجور هو الحل للحفاظ على القدرة الشرائية؟

ينبغي التأكيد في البداية أنّ مطلب الرفع من الرواتب حقٌّ مشروع، من حيث المبدأ، لكل الفئات الشغيلة مهما كانت مؤهِّلاتُها ونشاطها، بالنظر إلى جهدها المبذول في التنمية الوطنية وبهدف التحفيز على تحسين المردود، فضلا عن متطلبات مواجهة ارتفاع تكاليف الحياة الاجتماعية في ظل تنامي غلاء المعيشة بشكل غير مسبوق.

كما أنّ من واجبات الدولة الدستوريّة ومسؤوليات السلطة التنفيذية الأساسية ضمان شروط الحياة الكريمة للمواطنين، من صحة وتعليم وشغل وسكن وسواها، حتى لا يفهم البعض أنّنا بصدد الاعتراض على حقوق الشعب أو تبرئة ساحة السلطات العمومية من التكفُّل بحاجياته، غير أنّ حقائق الوضع الاقتصادي العالمي والوطني على وجه الخصوص تقتضي المصارحة بين الجزائريين في كافة المستويات ثم التعبئة ضمن رؤية استراتيجية في اتجاه تنفيذ الحلول الجذريّة لمعضلة الاقتصاد الريعي، عوض الهروب إلى الحلول الترقيعيّة التي ستعقّد وضعية السوق أكثر.

إنَّ مشكلة الغلاء التي توسَّعت مؤخرا في الجزائر هي نتيجة تراكمات تتداخل فيها العوامل الداخلية بالمؤثرات الدوليّة، وتتعلق أساسًا بنقص الإنتاج الفلاحي والصناعي المحلّي والعجز تلقائيّا عن تغطية السوق الوطني، مقابل ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأسواق الخارجية بفعل مخلّفات جائحة كورونا، وفي ظل حديث الخبراء عن أزمة غذاءٍ عالميّة في الأفق ضمن تداعيات الحرب الروسيّة الأوكرانيّة.

قد تكون هناك أسبابٌ أخرى إجرائية أو تنظيمية وراء اضطراب السوق الجزائري، مثل تخفيض قيمة الدينار أمام العملة الأجنبيّة والتضييق على واردات التجارة الخارجيّة أو ضعف آليات الرقابة على “البارونات” والمحلات، لكنها تبقى في الواقع ضمن أعراض الأزمة الفعلية المرتبطة بضعف الإنتاج الوطني والطابع الريعي للاقتصاد المرهون بصادرات المحروقات وتقلُّبات البورصات النفطية، وهو ما يؤدي حتما إلى الهشاشة واختلال السوق المحلّي وفق قاعدتي العرض والطلب.

في هذه الحالة لن تكون، برأي المختصين، الزياداتُ الدوريّة في الأجور هي المخرج السليم، لأنها سترفع من مؤشّرات التضخُّم دون تأثير إيجابي على القدرة الشرائية، وما يقبضه العامل بيمناه سيخطفه التجار من يسراه، وهو ما يجعلها دومًا الخيار غير المرغوب فيه حكوميّا.

صحيح أن شكوى البسطاء من المعيشة صارت مؤلمة، لكن يجب أن لا تُفقد الجزائريين الأمل في تغيير أوضاعهم، وعلى النخب بكل أطيافها المساهمة في التحسيس بأنّ موجة الغلاء تكتسح العالم أجمع، بل إنّ وضع الجزائريين أحسن بكثير من نظرائهم في دول الجوار، وأنّ المطلوب الآن هو الالتفاف حول خطة السلطات للإنعاش الاقتصادي.

قد يكون مفهومًا تذمُّرُ المواطنين من الأداء التنفيذي في بعض القطاعات الوزاريّة، لكن المنطق الاقتصادي بقواعده الموضوعيّة يفسّر كل المظاهر التي نشتكي منها يوميّا، ولن يكون مفيدًا الآن سبُّ الظلام، بل وجب العمل بقاعدة “الأزمة تلد الهمّة” للتعجيل بتصحيح الأخطاء السابقة، بإعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسُس عصريّة ومتوازنة، وهو ما تظهر الجزائر جادّة فيه مؤخرا، بوقف نزيف المال العامّ وتشجيع الاستثمار المنتج للثروة والقيمة المضافة ورفع العراقيل الإداريّة عن المشاريع، ولاسيما الاهتمام الخاص الذي يُوليه رئيس الجمهورية لتطوير الزراعة الصحراوية في مجال الحبوب والذرة والصّوجا من أجل تحقيق الأمن الغذائي وكذلك التأسيس لصناعةٍ حقيقيّة.

إنّ العبور نحو تلك الأهداف الطَّموحة لن يحدث دون دفع ضريبة المرحلة الانتقاليّة وقد تزيد حدتها مستقبلا مع إقرار إصلاحات هيكليّة أعمق، ومثل هذه الآثار ينبغي أن نواجهها بكل شجاعة، فهي بمثابة آلام الجراحة الاضطرارية، بشرط أن تكون الخطة العموميّة واقعية ودقيقة وجادة ومرنة ومتدرِّجة في مُباشرة الإصلاح الاقتصادي لتصبّ في الصالح العامّ للمجتمع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بليدي

    مع بطاطا بسعر 120 دج و كيس السميد بوزن 5 كلغ بـ 450 دج (90 دج للكلغ) و كيس الحليب بـ 40 دج (عندنا في أحياء البليدة) و غيرها ..... تصبح تلك الزيادات مجرد هباء منثور !