هل فعلا مشكلتنا في شعبنا؟!
شدني مثل غيري التصريح الأخير لمدير ديوان الرئاسة في حواره مع يومية الشروق، عندما قال: “لقد حان الوقت لكي نقول الحقيقة للشعب”، وفي ذلك إقرار ضمني بأن الجماعة كانت تكذب على الشعب وتتحايل عليه طيلة السنوات السابقة، وإقرار بأن الأمور ليست على ما يرام مثلما كان يكرره على مسامعنا جيوش المنتفعين من الموالين، وفيه إقرار بأن الجزائر وطنًا وشعبًا سيجدون أنفسهم أمام تحديات ومتاعب جديدة على الرغم من كل التطمينات السابقة بأننا في الطريق الصحيح نحو تحقيق التنمية الشاملة بفضل السياسات المنتهجة خلال العشرية الماضية!
تعاليق كثيرة أجمعت على أن السلطة تتحمل مسؤولية كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجتها، وتبعات خيارات الماضي والحاضر ومسؤولية ما يحدث في المستقبل، فيما ذهبت تحاليل أخرى إلى تحميل المسؤولية للشعب الذي انخرط في منظومة اعتمدت سياسات شعبوية، واستفاد من منظومة اعتمدت على توزيع الريع وشراء السلم الاجتماعي بتكاليف باهظة، من دون الاستثمار في الموارد البشرية والمادية الضخمة لما كان سعر البرميل يفوق المائة دولار، ومن دون التفكير في مستقبل الأجيال الصاعدة، ودون أدنى اعتبار لانخفاض أسعار النفط، وارتفاع نسبة التضخم وتراجع المداخيل.
من يحملون المسؤولية للشعب يستندون إلى مسؤولياته في خياراته في مختلف الاستحقاقات، واختياره لأحزاب ومجالس منتخبة لم تقم بواجبها، ولم تمارس حقها ودورها في إيجاد التشريع الملائم وممارسة الرقابة الدائمة للمال العام، ويستندون إلى تجاوب الشعب مع الكذب والتحايل ودعمه للمتحايلين عليه رغم إدراكه بأنهم فشلوا في تسيير شؤونه.
فئات كثيرة من المجتمع وجدت ضالتها ومنفعتها في الفساد والتسيب والانحلال الأخلاقي الذي عم مختلف المجالات والقطاعات، إلى درجة تحول فيها كل مصلح إلى فاسد، وكل مندد إلى مشوش، وتحول كل معارض لتلك السياسات إلى خائن للوطن يجب محاربته.
صحيح أن أويحيى كان صريحًا وجريئًا وصادمًا ككل مرة، لكننا لم ننتظر تصريحه لمعرفة الحقيقة، ولندرك بأن الوضع ليس على ما يرام، وبأن الجزائر مقبلة على أيام صعبة قد تستدعي “شد الحزام“، بعدما افتقدنا حس المواطنة، وتحوّل معظم أبناء هذا الشعب إلى أفراد اتكاليين واستهلاكيين يبحثون عن منفعتهم الآنية فقط، دون أدنى اعتبار لمستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة، بعدما بلغت بهم اللامبالاة درجة كبيرة، وساءت أخلاق بعضهم، وماتت ضمائر بعضهم الآخر.
لقد تبين أن ثمن الثقة العمياء كان باهظًا، وثمن الاستقرار المزعوم كان غاليًا، وتبين أن الكذبة كانت كبيرة، وصدقها كثير من أبناء الشعب الذين سيُصدمون أمام ضياع كثير من المكاسب بسبب تراجع المداخيل، وسيصدمون عندما تنكشف لاحقًا كل الحقيقة عن أشكال التحايل الذي تعرضوا له بداعي الاستقرار والاستمرارية والتنمية.
الشعب ذاته الذي تعرض لكثير من الصدمات عبر التاريخ؛ سيحفظ الدرس دون شك، وسيعرف مجددًا كيف يصبر ويرفع التحدي لمواجهة الصعاب بمزيد من التضحية بدءا من الاختيار السليم للرجال في الاستحقاقات القادمة، وإلى ممارسة حقه في الرقابة، والعودة إلى تقديس الجهد والعمل، والتسلح بالقيم والأخلاق الحميدة، والاستثمار في قدراته الكبيرة، خاصة وأن مسؤوليته في تبعات الفشل الحاصل لا تقل عن مسؤولية الذين فشلوا في إدارة شؤون الوطن.