-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل نحن متواطئون في قتل الفلسطينيين؟

هل نحن متواطئون في قتل الفلسطينيين؟

كم كانت موجعة وموخزة لكل الضمائر الإنسانية الحيّة، ناهيك عن العرب والمسلمين، تلك الكلمات التي ردّدها الممثل الدائم للجزائر لدى منظمة الأمم المتحدة، عمار بن جامع، أمام مجلس الأمن الدولي، بالقول إنّ “صمتنا بمثابة منح رخصة لتجويع وقتل السكان الفلسطينيين”.
إن التحلّي بالشجاعة الأخلاقية، يفرض عدم حصر موقف الرجل في رسالته الموجهة علنًا لأعضاء السلطة التنفيذية الأممية، من أصحاب “الفيتو” الجائر، المشاركين عمليا في جرائم الحرب الوحشية ضد أهل غزة، بل إنه حكم إدانة واسع يشمل الأنظمة السياسية في المنطقة وكل قوى الأمة العربية الإسلامية وحتى أفرادها الآخرين.
إن الصمت الموصوف في تدخّل المندوب الجزائري لا يعني بالضرورة السكوت عن جريمة الكيان الصهيوني، حيث التنديد القولي متاح ومباح للجميع، بل قد يتحول في لحظة ما إلى مزاد سياسي لا يستوجب العقاب الخارجي، وربما كان مطلوبًا للتنفيس الشعبي واحتواء أي اضطرابات يمكنها التأثير في القرار السياسي الرسمي، وهذا ما تتفهمه جيّدا مراكز القوى الإقليمية والعالميّة، فتُنسج البيانات الإعلامية بتوافق ضمني.
إن الصمت الفعلي اليوم، في سياق الأحداث المأساوية الخطيرة فوق الأراضي الفلسطينية، هو الامتناع عن المبادرة لتنفيذ أي عمل ممكن ومقدور عليه من الأنظمة والنخب والتنظيمات والأشخاص العاديين، وكلّ قعود عنه سيكون في منزلة التواطؤ المباشر مع العدوّ، بالتفريط في دم الأشقاء يسيل هدرًا مستباحًا.
هل تعجز دول العرب والمسلمين عن منع استخدام القواعد العسكريّة الأمريكية لتزويد جيش الاحتلال بالذخيرة؟ وهل من المعجزات تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بالنسبة للمطبِّعين مع الكيان، أو على الأقلّ منع الطيران المدني الصهيوني من المجال الجوي؟ ولمَ لا استخدام ورقة النفط والغاز في ظل الوضع الطاقوي الدولي القائم؟ وأضعف الإيمان تشكيل لجنة وزارية لوقف العدوان على غزة؟ وتسيير المظاهرات الحاشدة نحو السفارات الأجنبية والتمثيليات الإقليمية والأممية، ومواصلة إبداء الغضب العارم تجاه الغطرسة الصهيونية والغربية في حق الفلسطينيين.
ستلاحظون أننا لا نقترح على قادة دولنا العربية والإسلامية التدخل العسكري في فلسطين حتى لا نكلفهم ما لا يطيقون، وفق تصريحات رئيس عربي، يخشى على بلاده من الخراب.
لقد نجح الاحتلال الصهيوني بمرور الوقت في جعلنا، أنظمة وشعوبا، نتعايش مع جرائمه الدموية على بشاعتها، حتى صار تناثرُ الأشلاء والموت الآدمي جوعا لا يحرِّك جوانحنا الإنسانية ولا القومية، فتوقف الحداد الرسمي وعادت كل مظاهر الأفراح والتظاهرات والنشاطات العامة، مثلما اختفت المظاهرات الشعبية وحُجبت بيانات الجامعة العربيّة، لينصرف الناس إلى حياتهم اليومية، يفرحون ويمرحون، إلا من رحم ربّك، بينما إخوان لهم في العقيدة والدم، يستصرخون “وانجدتاه” ولا مغيث لهم إلا ربّ السماء.
من المفارقات الصادمة أن ينوب اليوم في معركة “طوفان الأقصى” مليونَا فلسطينيٍّ، صامدون في حالة نزوح تحت القصف الحربي، عن ملياري مسلم و57 دولة “ذات سيادة”، بينما أضحى الباقون عبئا ثقيلا على التاريخ والجغرافيا والضمير الإنساني.
كيف سنواجه الأجيال القادمة عندما تقرأ في صفحات القرن الواحد والعشرين مأساة غزة وفلسطين، فتكتشف أن أهلها كانوا يموتون من البرد والعطش والجوع، مشردين في خيام بالية، يبطش بهم العدو الغاشم في طوابير المساعدات الغذائية أمام مرآى العالم الحيواني؟
لم تعد القضيّة الآن مطروحة للنقاش السياسي بخصوص مسؤولية التحرير الشامل ولا الجزئي، بل إنها غدت مسألة إنسانية فضحت العجز العربي الإسلامي عن ضمان أدنى الحقوق الآدمية لأشقائهم في فلسطين، بعد 76 سنة من الاغتصاب الاستيطاني.
لقد أحسن التعبير المفكر الكاتب جمال عبد الستار، أستاذ الأزهر الشريف، بقوله “إن غزة أظهرت أسوأ ما في الأنظمة، وأسوأ ما في الشعوب، وأسوأ ما في العلماء، وأسوأ ما في التنظيمات والمنظمات.. كما أظهرت أنقى وأصدق وأبرّ من في الأرض، فليتهيَّأ كل فريق لمصيره… وليتفقد كل شخص موضعه: أين أنا؟”
فعلا.. إن مسؤولية التقصير الخطيرة لا تخص أنظمة خانعة، كثير منها معلوم الخيانة والتواطؤ، بل هي مشتركة وجماعية، تتقاسمها نخب مرتجفة اليد، معلولة الفكر والإرادة، وتنظيمات حزبية وجمعوية منغمسة في حاجات الذات والملذات، لا تتحرك إلا بمهماز، وإعلام فاسد مفسد تولّى تهديم الأخلاق والأذواق وشعوب مخدرة الوعي، لاغية لاهية في السفاسف وصغائر الأمور.
لا شكّ أن في التعميم ظلما للبعض، ففي الميادين، على طول الجغرافيا العربية الإسلامية، قادة يتحركون في كل الاتجاهات ورجال يحترقون لوعة وأسى، ومنظمات مجنّدة لنصرة فلسطين، غير أن العبرة بالأغلبيّة الصامتة المتخلّفة عن الزحف من الأنظمة والشعوب، حتى صار قعودها تواطؤا في وأد القضية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ساسي

    يجب على الدول الاسلامية ان تجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني كخطوة اولى.