الرأي

هل نستعيد قيمتنا العليا؟

محمد سليم قلالة
  • 4025
  • 0

العدل هو القيمة العليا عند المسلمين، يعلو باقي القيم ويُنظر من خلاله إليها جميعا بما في ذلك قيمة الحرية، على عكس الحضارة الليبرالية المعاصرة التي جعلت من الحرية قيمتها العليا، تنظر من خلالها وعبرها إلى باقي القيم وتفسرها بما في ذلك العدل. عند المسلمين أي قيمة أخرى هي في الترتيب التصاعدي للقيم دون قيمة العدل، وعند الغربيين أي قيمة أخرى هي في الترتيب التصاعدي دون قيمة الحرية. لذا فإننا إذا خسرنا العدل خسرنا باقي القيم وأربكنا فهمها وترتيبها، وانعكس ذلك على كامل منظومتنا القيمية وبقية مناحي حياتنا بل على وجودنا الحضاري.

يمكننا أن نبقى كأمة متماسكة في ظل غياب مؤقت للحرية، وقد حدث خلال حقب تاريخية محددة، ولكننا سنسير باتجاه التفسخ النهائي إذا قمنا بتغييب قيمة العدل ولو مرحليا، وسنتحول إلى مجتمع غير قابل للبقاء حتى وإن امتلك جميع وسائل التعبير الحرة.

من هذه الزاوية ينبغي النظر إلى الملفات الكبرى التي تُطرح اليوم على العدالة، باعتبارها مرفقا منوطة به مهمة إقامة العدل، وليس من زاوية إبراز حرية التقاضي أو الحق في الدفاع أو الحق في إبداء الرأي والتعبير عن وجهة النظر والبحث عن البراءة وغيرها…

كل هذه القيم إنما هي ذات أهمية، ومن حق وسائل الإعلام أن تُشيد بها، ومن حق المتَّهمين أن يتمسكوا بها، ولكن من حق المجتمع أن يكون منطلقها الأول والأخير هو العدل.

لا فائدة من تمكين متهم من حريته إذا لم يكن ذلك انطلاقا من حكم عادل، ولا معنى لإدانته وسجنه واعتباره مذنبا إذا كان ذلك بناء على حكم غير عادل.

لذلك، فإن مهمة مرفق العدالة اليوم أكبر من أن يكون تطبيق القانون، والتعامل مع ملفات جامدة، إنما هي إعادة الاعتبار لقيمة مركزية  عليا هي أساس بقاء المجتمع متماسكا ومنطلق إعادة بناء صرح أمة عرفت في العقود الأخيرة تضاربا غير مسبوق في الترتيب التصاعدي والتنازلي للقيم.

من يدري لعل الملفات الكبرى المطروحة على مرفق العدالة اليوم، هي التي ستعيد لنا الأمل في أننا رغم ما حدث من محاولات تخريب متعمدة لمنظومتنا القيمية من خلال ضرب قيمتها العليا في بداية الاستقلال باسم المساواة الاشتراكية، ثم باسم الحرية في ظل التحول الديمقراطي، سنستعيد توازننا القيمي في لحظة تاريخية فاصلة وننطلق بحق هذه المرة في إعادة بناء حضارتنا من جديد.

وليس ذلك ببعيد المنال…

مقالات ذات صلة