-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل نقدِّر قوة الجزائر؟

هل نقدِّر قوة الجزائر؟

نجاح الجزائر الباهر في حسن تنظيم البطولة الإفريقية للمحليين “شان 2022” هو أهمّ مكسب ربحته بلادنا من احتضانها لهذه التظاهرة الرياضية الكبرى، بل هو بمعيار قوة الدولة أفضل من تتويج بالكأس من خارج الديار، وهو ما يقرّ به رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، باتريس موتسيبي، عندما صرّح مبكّرا أنّ “الطبعة الجزائرية هي الأفضل منذ انطلاق المسابقة الكروية القاريّة”، فضلا عن شهادات نجوم الكرة الإفريقية الذين أعربوا عن تقديرهم الكبير لإمكانات الجزائر وقدرتها على إدارة الحدث باحترافية عالمية على كافة المستويات.

طبعا لم يكن إنجاز “الشان” سوى حلقة ضمن سلسلة من النجاحات المتوالية لبلادنا في الفترة الأخيرة، منذ تنظيمها لألعاب البحر المتوسط، ثم احتضانها للقمة العربية، ولاحقا دورة مجالس منظمة التعاون الإسلامي، وكلها مناسباتٌ هامّة عكست تحوّل الجزائر إلى قبلة إقليمية ودوليّة تحظى بثقة الآخرين في القدرة على ضبط المحطات الكبرى، لتوفّرها على مقومات النجاح وتحلّي قادتها بالصرامة والانضباط والالتزام في متابعة التنفيذ الميداني.

وفي سردنا لمؤشرات التقدُّم المتنامي اقتصاديا واجتماعيا في الجزائر، لا نريد إعادة عرض الأرقام الإيجابية اللافتة والتي حققتها بلادنا خلال العام الأخير في مستويات الطاقة (اكتشافًا وإنتاجًا وتصديرًا) والتجارة الخارجية والصادرات خارج المحروقات وارتفاع احتياطي النقد الأجنبي والإنتاج الفلاحي والاستثمار وتحسين الرواتب والتكفل بالفئات الهشّة وسواها، وهو ما جعلها محلّ تسابق دولي من القوى العظمى والصاعدة لتعزيز علاقات الشراكة والتعاون وفتح آفاق استراتيجية معها، لإدراك الجميع أن الجزائر تغيرت كثيرا منذ حراك 2019، مثلما سجّله مؤخرا الباحث توماس إم هيل، كبير مسؤولي البرامج لشمال إفريقيا بمعهد السلام الأمريكي.

وآخر الأصداء الإيجابيّة ما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي، الخميس الماضي، من إشادة بقانون الاستثمار الجديد ومشروع إصلاح المنظومة المالية وكذا جهود الدولة في تعزيز الحوكمة والحد من مخاطر الفساد، متوقعا أن تعكس الزيادة الكبيرة المعلنة للإنفاق في ظل ميزانية 2023 مسار التقدُّم في تقليص العجز المسجل منذ 2018.

يحدث ذلك في وقتٍ صنَّف فيه البنك الدولي، في آخر تحديث له حول الأمن الغذائي، المغرب ضمن قائمة بلدان المنطقة الحمراء التي تشهد ارتفاعا واسعا في أسعار المواد الغذائية “الأمر الذي يفسر موجة السخط في المملكة، بسبب تردي الأوضاع المعيشية للأسر المغربية، في ظل استمرار الغلاء وارتفاع لجوء الدولة إلى المديونية”.

على الجزائريين أن يلتقطوا بوعي وتفاؤل كبيريْن رسائل التنافس الدولي على كسب بلادهم، ليتيقّنوا أنّ الأمور تجري في طريقها الصحيح نحو التغيير الجادّ، وليس من قبيل الصدف ولا المجاملات أن تتسابق واشنطن وموسكو وطوكيو إلى توطيد علاقاتها بالجزائر، وأن تضطرّ باريس للتخلّي تدريجيّا عن معشوقتها المغربيّة لأجل التقارب مع الجزائر، بل لأنّ هؤلاء مقتنعون تماما بأنها أضحت اليوم شريكا استراتيجيّا كبيرًا في الإقليم وموثوقًا به، لإمكاناته الهائلة واستقراره وثقله التاريخي والسياسي والاقتصادي بالمنطقة وآفاقه المفتوحة على الريادة.

صحيحٌ أنه لا يمكن تغطية الشمس بالغربال وادّعاء أننا في الجزائر على أحسن ما يرام، لأنّ هناك نقائصَ كثيرة هي نتاج تراكم عقود من سوء التسيير وضعف هيبة الدولة سابقا، وليس من الممكن استدراكُ كل شيء بين عشية وضحاها، لكن المهم الآن هو أننّا نعيش فعلا ميلاد وثبة تجديدية وطنية، ينبغي التعبئة السياسية والدبلوماسية والشعبية والإعلامية لمواكبتها بإخلاص وتفانٍ والمساهمة الجماعية في تثبيت أركانها، ليتحقق رهان الجزائر الجديدة في أقل وقت ممكن وبأقل التكاليف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!