-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل يصلح الأستاذ الجامعي للتدريب المقاولاتي وإستحداث المؤسسات؟

د. عمر هارون
  • 1022
  • 0
هل يصلح الأستاذ الجامعي للتدريب المقاولاتي وإستحداث المؤسسات؟

حين تجد الأستاذ الجامعي الذي اختار أن يكون مدربا في مجال المقاولاتية وريادة الأعمال يُلاحَق بتصورات سطحية من قبيل أن بائع البقدونس أو الشاي أولى بتدريس المقاولاتية في الجامعة منه، ستتأكد أن تصور العديد من المتابعين محدود لمعنى التدريب في حد ذاته ولدور الجامعة كمؤسسة في التدريب واستحداث المؤسسات سواء كانت ناشئة أو صغيرة ومتوسطة.

بل إن هذا التهجم في الكثير من الأحيان ينمُّ عن الجهل المركب لدور الجامعة الحديثة التي انتقلت من تلقين العلوم للمساهمة في نهضة الأمم من خلال ثلاث محاور أساسية تتمثل في تطوير طرق التدريس وهيئته بالإضافة لتطوير مهارات الطالب الجامعي في مجالات لا تمس بالضرورة تخصصه العلمي والتي أضحت تسمى “المهارات الناعمة” والتي تتعلق في الأساس بالتفكير الإبداعي والنقدي، والاتصال، والتواصل، وإدارة الوقت، والقدرة على التكيف وغيرها من المهارات التي إن تمكّنا خلال هذه المرحلة من توجيهها يمكننا استغلالها بشكل فعال في استحداث مؤسسات بمختلف أنواعها خاصة تلك المبنية على أفكار إبداعية ابتكارية.

بين التثمين والاستغلال

قبل أن أواصل توضيح دور الأستاذ الجامعي في المقاربة الجديدة للجامعة خاصة من الجيل الرابع التي تحاكي الثورة الصناعية في جيلها الرابع، أود أن أركز على التطور الحاصل في التعامل مع الجامعة من خلال المحيط الاقتصادي، فقد تحول الحال من مفهوم تثمين نتائج البحث العلمي والمرتبطة في الأساس بانتظار ما تصل إليه مخابر البحث في مقاربتها التي تنحو نحو البحث العلمي المجرد لتثمينها على مستوى المجال الصناعي لمقاربة أصبح البحث العلمي في حد ذاته مموَّلا من قِبل المؤسسات الاقتصادية ويُستغل بشكل أساسي في تطوير المنتجات ومخرجات مختلف الصناعات، وها هي الجزائر تنحو نحو هذا التوجه من خلال استحداث الدكتوراه المهنية التي ستكون بالشراكة مع المؤسسات الاقتصادية لتلبية احتياجاتها، وستكون هذه الأطروحات مموَّلة من قبل طالبيها كما هو الحال في مختلف النماذج العالمية. هذا الواقع الجديد يحتم على الأستاذ تطوير مهاراته وقدراته كأستاذ في جامعة من الجيل الرابع مفروض عليها أن تتفاعل مع محيطها من أجل الانغماس في مساعي تطوير الاقتصاد والمجتمع، وهنا تصبح الحاجة إلى الأستاذ المدرِّب واقعا لا يمكن الفرار منه، فالمهارات الأكاديمية التي يحوزها والاحتكاك الميداني مع المؤسسات الاقتصادية والمالية يولِّد لدينا تطورا لخبرات وقدرات لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل.

وإن كان حكم البعض على البدايات التي كانت من خلال دورات تدريب مدربين ودورات في التفكير التصميمي ومخطط العمل التجاري وغيرها من الدورات التكوينية التي استغرقت شهرين من العمل، فيجب أن نذكِّرهم بأنه في الوقت الذي كان فرسان الكلام يطلقون أحكامهم على الأساتذة الجامعيين ومهاراتهم، فإنهم تحولوا إلى مدربين من خلال صقل مهاراتهم النظرية بالاحتكاك بالتجارب الميدانية، كل في مجاله وتخصصه، خاصة بعد أن فُتح الباب أمام العديد منهم لإمكانية العمل في الفروع الاقتصادية التي بدأ القطاع العمل عليها خلال السنة الماضية.

هل سنحول كل الطلبة إلى رواد أعمال؟

يظن البعض أن ما يحدث في الجامعة هدفه تحول كل الطلبة إلى رواد أعمال، وهو أمرٌ مستحيل بكل المقاييس، فالأمر يتعلق بمرافقة الراغبين في الوصول إلى استحداث مؤسساتهم إلى ذلك من خلال مرافقة تكوينية وتوجيهية تتعلق بكيفية التعامل مع الفكرة أو مع بيئة الأعمال ومختلف القوانين الموجودة في الواقع، مع البحث عن خلق جسور بين الطلبة والمحيط الاقتصادي وإلا فإن قرار استحداث المؤسسة في حد ذاته هو قرارٌ يتعلق بالطالب في حدّ ذاته ومناخ الأعمال الذي تعدّ الجامعة جزءا منه، ودورها في العادة لا يتجاوز الوصول مع الطالب إلى النموذج النهائي في أحسن الأحوال ليتأتي الدور بعدها على باقي مكونات بيئة الأعمال وهو ما سنحاول التطرق إليه مستقبلا لتوضيح حدود دور الجامعة والأستاذ الجامعي.

لكن الأكيد أن الجامعة لها مقدرة غير محدودة على المساهمة في تطوير اقتصاد المعرفة النابع أساسا من نتائج البحث العلمي والتي أصبحت توجَّه الآن لتلبية حاجات السوق وفق مقاربة اقتصادية عكس ما كان عليه الأمر سابقا إذ كان البحث يحدث من أجل البحث العلمي، وهي عملية بدأت وتحتاج إلى بعض الوقت لقطف نتائجها بالشكل المرجوّ.

الأستاذ المدرِّب والطفرات الريادية

كلما بدأنا الحديث عن ريادة الأعمال واستحداث المؤسسات إلا وصدع الرافضون للفكرة المتخفُّون خلف عدم إمكانية تحول الأستاذ الجامعي إلى مدرِّب خلف فكرة أن عمالقة ريادة الأعمال على غرار ماركز زوكربارغ وبيل غيتس وايلون ماسك وغيرهم لم يحتاجوا إلى أستاذ جامعي من أجل أن يقوموا بما قاموا به، ويخفى عن هؤلاء أن ما هم بصدد الحديث عنه يعدّ جزءا من ريادة الأعمال وتسمى “ريادة أعمال المواهب” وهي نوع له خصوصيته ومساراته وبرامجه في عديد الدول كما هو الحال في كرة القدم التي تجد فيها الطفرات كميسي ورونالدو، لكن تجد فيها لاعبين جيدين تكوَّنوا في مدارس كرة القدم من خلال برامج مخصصة لتطوير مهاراتهم وقدراتهم على يد مدرِّبين أغلبهم لم يمارسوا كرة القدم لكن تكوينهم العلمي واحتكاكهم جعلهم يبرزون، والفيصل في كل هذا هو النتائج التي تتحقق في النهاية، وهو ما تقوم به الجامعة الجزائرية اليوم من خلال تكوين أساتذة مدرِّبين والذين من خلال احتكاكهم بالمؤسسات وبيئة الأعمال وأصحاب المشاريع سيكون فيهم مدربون متميزون ومدربون عاديون كما سيكون فيهم أيضا أصحاب مؤسسات وما أكثرهم.

الأكيد أن الجامعة لها مقدرة غير محدودة على المساهمة في تطوير اقتصاد المعرفة النابع أساسا من نتائج البحث العلمي والتي أصبحت توجَّه الآن لتلبية حاجات السوق وفق مقاربة اقتصادية عكس ما كان عليه الأمر سابقا إذ كان البحث يحدث من أجل البحث العلمي، وهي عملية بدأت وتحتاج إلى بعض الوقت لقطف نتائجها بالشكل المرجوّ.

التعميم آفة كل من اشتغل بالنقد والتوجيه

إن أبرز آفة لمن يعتبرون أنفسهم مشتغلين بنقد وتوجيه المجتمع والجامعة هو استعمالهم مبدأ التعميم ومنهج الحكم على الظواهر من دون منهجية واضحة؛ ففي خضم ما نعيشه من واقع مضطرب وأحداث متلاحقة، من الصعب أن تحترم فكر شخص يُحسَب على النخبة يدلي برأي في ظاهرة من خلال بضع كلمات من دون أن يفسِّره ويشرحه بالتفصيل .

الفرق بين الحكم على الأحداث بالحدس وبالتحليل كالفرق بين السماء والأرض؛ فالأول طارئ غير مبرَّر وهو خاطئ وإن صحّ، لأنه غير خاضع لأي مبدأ أو منطق أو منهجية، والثاني مؤسَّس مدعم مبنيٌّ على دلائل وهو صحيح في المبنى وإن أخطأ في ما وصل إليه من نتيجة أو حكم، فانطباعك حول الظاهرة من دون شرح وتفسير يجعلك حامل لواء ثرثرة العوامّ في البحث عن التفاعل لا الحق، وهو ما يجعل من الصعب مواصلة احترامك وتقدير مستواك العلمي، ويكون صمتك في هذه الحالة واجبا يحفظ لك كرامتك العلمية.

إن الجامعة في كل بيئات الأعمال العالمية هي جزءٌ من منظومة متكاملة تعمل بشكل متكامل من أجل التوصُّل إلى تطوير الأفكار القادرة على دعم الاقتصاد، وسيكون لنا وقفة لتوضيح بيئة الأعمال وحدود اختصاص كل مكوِّن فيها على حدى والتي تعتبر الجامعة جزءا أساسيا لا يحقق النتائج المرجوَّة إلا بعمل باقي الأجزاء بكفاءته ذاتها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!