-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بنجامان ستورا يهدد بالانسحاب من رئاسة "اللجنة المشتركة"

هل يفتقد الفرنسيون الإرادة السياسية لحل مشكلة الذاكرة؟

محمد مسلم
  • 1339
  • 0
هل يفتقد الفرنسيون الإرادة السياسية لحل مشكلة الذاكرة؟
أرشيف
بنجامان ستورا

هل تتجه اللجنة المختلطة الجزائرية الفرنسية لبحث ملف الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر، إلى طريق مسدود؟ سؤال بات طرحه أكثر من ملح في ظل الغموض الذي يلف مصيرها، وذلك بعد ما يقارب العشرة أشهر من الإعلان عن إنشائها.
هذا التشاؤم مصدره رئيس اللجنة من الجانب الفرنسي، بنجامان ستورا، الذي هدد ضمنيا بالانسحاب، بداعي عدم توفر إمكانات العمل للمؤرخين الفرنسيين، كما جاء في حوار خص به إذاعة فرنسا الدولية “RFI”، قال فيه: “لا يمكننا الاستمرار في العمل التطوعي”. إنه أمر مثير للتساؤل عندما تقف على حقيقة مفادها أن الطرف الذي كان يلح على حل مشكلة الذاكرة، هو الذي يضع اليوم العصا في العجلة.
واعترف المؤرخ الفرنسي بأن اللجنة المختلطة لم تنعقد سوى مرة واحدة فقط منذ انشائها، وكان ذلك في معهد العالم العربي عن طريق “الفيديو كونفيرونس”، واستمر هذا الاجتماع لما يقارب الساعتين، واقتصر على التعارف بين أعضاء اللجنة من الجانبين، كما تم الاتفاق على أن تكون البداية من القرن التاسع عشر، أي من بداية الاحتلال الفرنسي في عام 1830، وذلك استنادا إلى الاتفاق الذي رست عليه رؤى الطرفين، وكان بإصرار من الجانب الجزائري، الذي رفض المبادرة الأولى الفاشلة (ستورا ـ عبد المجيد شيخي)، كون الطرف الفرنسي حاول حصر مدة الدراسة في الثورة التحريرية فقط، أو ما تمسيها الأدبيات التاريخية الفرنسية “حرب الجزائر”.
وسئل بنجامان ستورا عن مدى قابلية أو إمكانية عمل اللجنة المختلطة من البدايات الأولى للاستعمار الفرنسي في الجزائر، فرد مؤكدا بأن ذلك “هدف ضروري، لأن مسألة الأرشيف هي الأساس في كتابة التاريخ”. وتحدث عن الأرشيف الذي نهبته فرنسا “هناك المثير من الأرشيف الذي نقلته (فرنسا) من الجزائر بعد الاستقلال في عام 1962. هناك كيلومترات وكيلومترات من الأرشيف الذي خزن بشكل رئيسي في إيكس أون بروفانس. لذا فإن المهمة الأولى، في رأيي، هي بالفعل إجراء نوع من جرد الأرشيف الموجود بين فرنسا والجزائر”.
وأضاف: “بمجرد الانتهاء من جرد هذا الكم الهائل من الأرشيف، ستظهر مشاكل مختلفة: أولا، مشكلة الوصول إلى الأرشيف، وهناك أيضًا مشكلة استعادة الأرشيف. على هذا المستوى، لا يوجد موضوع محظور من وجهة نظري. يمكن النقاش حوله بطريقة منفتحة”، غير أنه ميز بين ما أسماه “أرشيف السيادة” وهذا يبقى، برأيه ملكا فرنسيا، وبين ما وصفه الأرشيف المنهوب من الجزائريين خلال فترة الاحتلال، وهذا يبقى جزائريا، غير أنه تحدث عن مشكلة استرجاعه يتعين البحث فيها، كما قال.
وتحدث المؤرخ الفرنسي عن اجتماع ثان للجنة المختلطة، مرتقب منتصف شهر جوان المقبل وإن لم يضبط بشكل نهائي، وهذا التاريخ يصادف الزيارة المرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا، مثلما أعلن في وقت سابق، وقد جاءت أزمة لائحة البرلمان الأوروبي ضد الجزائر ودور نواب حزب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون فيها، لتضيف المزيد من الشكوك حول إمكانية احترام التاريخ السالف ذكره.
غير أن المشكل الذي يواجه فريق اللجنة من الجانب الفرنسي، كما يرى بنجامان ستورا، هو مشكل توفير وسائل وإمكانات لتسهيل عمل اللجنة. وهنا تساءل ستورا: “السؤال هنا، هو أنني لا أعرف الوسائل التي خصصتها فرنسا اليوم. أنا لا أعرف. أنا شخصيًا عملت على هذا التقرير الذي يعرفه الجميع (ربما يقصد التقرير الذي كلف بإنجازه وسلمه للرئاسة الفرنسية في جانفي 2021)، ولكن لم أتقاض أجرًا مقابل ذلك. بعد ثلاث سنوات، يستمر العمل التطوعي. […] لذلك، لا يزال من الضروري أن يكون هناك تطوير للوسائل في فرنسا، لأنه إذا لم يتم تخصيص الوسائل اللازمة، فإن هذه اللجنة ستواجه صعوبة قد تحول دون إتمام مهمتها”.
أين يكمن المشكل إذن؟ وهل تفتقر السلطات الفرنسية للجدية والإرادة الكافية بعدم توفيرها الموارد الكافية لهذه اللجنة؟ يرد المؤرخ: “لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال بصراحة، لأنه كان هناك مع ذلك اتفاق الجزائر الذي تم توقيعه من قبل الرئيسين اللذين التزما بإنشاء هذه اللجنة المختلطة، الشيء الوحيد الذي يمكنني قوله هو أنني أتمنى أن يتم توفير الوسائل”.
والغريب في الأمر هو أن بنجامان ستورا طرح القضية في وقت سابق على قصر الإيليزي، لكنه لم يتلق غير التسويف: “نعم، ليس هناك مشكلة، سنساعد، سنخصص ميزانية، سنمنح رواتب، سنجد أماكن العمل، إلخ..”، كما قال. قبل أن يضيف: “لا يمكننا الاستمرار في العمل التطوعي مع شخص واحد يكتب التقارير ويلتقي بالناس”. وبالنسبة لبنجامان ستورا، فالأمر يتعلق بالإرادة السياسية.
ما جاء على لسان بنجامان ستورا، يؤكد عدم تحمس قصر الإيليزي للمضي بعيدا في قضية الذاكرة، ولاسيما بعد توسيع مدة الدراسة من سنوات 1954 و1962، إلى الاحتلال بكامله من 1830 إلى 1962، وهو الشرط الذي فرضه الجزائريون، فيما يعتبره الكثير من الفرنسيين، في غير صالحهم، لأن النتيجة الحتمية ستكون إدانة سياسية وجنائية للاستعمار الفرنسي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!