الرأي

هل يمكن للجزائر استنساخُ التجربة الماليزية؟

محمد بوالروايح
  • 1947
  • 10
أرشيف

“الفشل عارضٌ إنساني ولكنه ليس عائقا إنسانيا”، الفشل عارض إنساني لأن الإنسان بحكم طبيعته الإنسانية لا يمكن أن يكون ناجحا في كل شيء وإنما يعتريه النجاح والفشل، من الممكن أن يطغى أحدهما على الآخر ولكن من غير الممكن أن يلغي أحدُهما الآخر، من الطبيعي أن يفشل الإنسان باستعدادات وقدرات أكبر، ومن الطبيعي أيضا أن ينجح باستعدادات وقدرات أقلّ، الفشل عارضٌ إنساني ولكنه ليس عائقا إنسانيا لأن الفشل يمكن أن يكون حافزا لانطلاقة جديدة تكلل في النهاية بنجاح باهر غير متوقع، هذه هي معادلة الفشل والنجاح وهي موقوفة في كلتا الحالتين على إرادة التحدي.
إن إرادة التحدي لدى العنصر الإنساني هي التي تمكنه من الوصول إلى القمة وهي التي تمكنه من تدارك الفشل والعودة إلى القمة من جديد. إن إرادة التحدي هي التي جعلت ماليزيا بلدا متطورا بعد أن ظلت لسنوات بلدا آسيويا فقيرا تمزقه الصراعات ويعيش سكانه في الغابات. لقد استطاعت ماليزيا في عهد مهاتير محمد أن تحقق قفزة اقتصادية نوعية وغير مسبوقة بفضل السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجها مهاتير الذي استطاع أن يحوِّل أفكاره النظرية إلى مشاريع عملية جعلت ماليزيا قوة اقتصادية عالمية ينافس اقتصادها كبرى الاقتصادات العالمية.
لا أريد الخوض في تفاصيل التجربة الماليزية وإنما أريد أن أقف عند أسباب نجاح هذه التجربة وأحاول استقراء الواقع الجزائري وبيان مدى قابليته لإحداث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية. يلخص مهاتير محمد في كتابه “التحدي” الآليات التي اعتمد عليها في تحقيق النهضة الماليزية، ومن هذه الآليات تدعيم فكرة الاستقرار السياسي لإيمانه بأن الأفكار الجيدة لا يمكنها أن تُثمر إلا في بيئة سياسية سليمة، فعمل من أجل تحقيق هذه الغاية على إرساء آلية الحوار الوطني الشامل بين الأحزاب السياسية وتجاوز إشكالية التعدُّد العرقي، ومن هذه الآليات أيضا الاعتماد على القدرات الذاتية والموارد الوطنية، ومن هذه الآليات أيضا تحسين المؤشرات الاجتماعية من أجل القضاء على مظاهر الطبقية الاجتماعية واعتماد نظام الصيرفة الإسلامية للقضاء على مظاهر التضخُّم المالي بسبب المعاملات المالية الربوية، ومن هذه الآليات أيضا إعطاء الأولوية للاستثمار الوطني والتعامل بحذر مع الاستثمار الأجنبي، ومن هذه الآليات أيضا إعطاء التعليم المكانة والأهمية اللائقة… وهذه الآليات مجتمعة تقوم على آلية أساسية وهي التركيز على الاستثمار في العنصر البشري لأنه أساس أيّ نهضة اجتماعية أو اقتصادية.
تمثل التجربة الماليزية طفرة اقتصادية جديرة بأن نستلهم منها نحن الجزائريين من أجل تحقيق تجربة مماثلة لها أو قريبة منها، تجربة جزائرية نراها ممكنة ويراها بعض المحللين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين ضربا من الخيال بدعوى أن الإرادة الماليزية غائبة في الحالة الجزائرية، وأن العنصر البشري الجزائري غير مؤهل لتحقيق هذه التجربة، وأن آلة الفساد في الجزائر أشد فتكا بالاقتصاد وهي عائقٌ يحول دون تحقيق هذه التجربة.
هذه هي الأسباب التي يؤسس عليها بعض المحللين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين نظريتهم حول استحالة استنساخ التجربة الماليزية في الجزائر، وأقول: إن القول بأن إرادة التحوّل الاقتصادي غائبة في الحالة الجزائرية هو أمرٌ مبالغ فيه بدليل أن الإرادة الوطنية الجزائرية تتجه منذ مدة نحو تنويع مصادر الاقتصاد الوطني والخروج من الاقتصاد الكلاسيكي إلى الاقتصاد الرقمي، وأما القول بأن العنصر البشري الجزائري غير مؤهل لتحقيق التجربة الجزائرية فمشكلة آنية وتقنية يمكن حلها باستقطاب الكفاءات العلمية الوطنية المهاجرة وتوفير الظروف الملائمة لها، وأما القول بأن آلة الفساد في الجزائر أشد فتكا بالاقتصاد وبأنها تشكل عائقا من عوائق التنمية فنردُّ عليه بأن الفساد ليس جزائريا، فقد عانت ماليزيا قبل النهضة وبعد النهضة من آثار الفساد المالي والاقتصادي بدليل الخطة الاستعجالية التي وضعها مهاتير محمد للقضاء على مظاهر الفساد بعد عودته إلى السلطة بعد أن بلغ من الكبر عتيا، وفي الحالة الجزائرية تم إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد وهي ماضية في عملها ومن غير العدل الحكم عليها حكما مسبقا أو اتهامها بأنها هيئة فاشلة منذ البداية بناء على خلفيات أو حسابات سياسية.
إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية أمرٌ ممكن ولكنه مشروط بالتفافنا نحن الجزائريين حول الوطن وبإيماننا بأن بناء الإجماع الوطني ضروري لبناء الاقتصاد الوطني، وبتخلينا عن المعارضة السلبية التي تركز على السلبيات وتستثمر في المشكلات.
إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية مشروط بتخلينا عن فكرة استبدال القيادات الحالية -فقط لأنها بلغت من الكبر عتيا- بقيادات شابة جديدة من غير التركيز على عنصر الإرادة والكفاءة، فمهاتير محمد الذي ناهز التسعين سنة قد عاد إلى الواجهة وإلى دواليب السلطة بسبب إجماع نسبة كبيرة من الماليزيين على كفاءته العالية وعلى أنه الرجل المناسب للمرحلة التي تمر بها ماليزيا.
إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية مشروط بقبولنا بمبدأ الحوار الوطني وبمحاربة كل مظاهر الإقصاء السياسي والاجتماعي وبإيماننا بأن بناء الاقتصاد الوطني هو قضيتنا جميعا وبأن كل من يستنزف مواردنا الاقتصادية أو يشجع على ذلك هو عدونا جميعا.
إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية مشروط بإثبات قدراتنا الذاتية في تحقيق التنمية الوطنية وبتفعيل مبدأ الجزأرة في مجال الاستثمار الاقتصادي والاجتماعي.
إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية مشروط بدراسة عوامل نجاح هذه التجربة وغيرها من التجارب الاقتصادية الرائدة دراسة واعية واستلهام عناصر القوة فيها، فمن الأفكار التي قامت عليها نظرية مهاتير محمد فكرة “التوجُّه شرقا” أي نحو اليابان لإيمانه بأن التجربة اليابانية تعدُّ أنموذجا اقتصاديا ناجحا، ومما قاله بهذا الشأن: “إذا أردت الحج فتوجَّه إلى مكة وإذا أردت العلم فتوجَّه إلى اليابان”.

* إن حدوث تجربة جزائرية على شاكلة التجربة الماليزية مشروط بقبولنا بمبدأ الحوار الوطني وبمحاربة كل مظاهر الإقصاء السياسي والاجتماعي وبإيماننا بأن بناء الاقتصاد الوطني هو قضيتنا جميعا وبأن كل من يستنزف مواردنا الاقتصادية أو يشجع على ذلك هو عدونا جميعا.

مقالات ذات صلة