-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هند.. سامحينا

هند.. سامحينا

لم تجد أم الطفلة هند رجب، وهم يصعقونها بمقتل ابنتها، أو يزفون لها ارتقاء صغيرتها، سوى أن توجّه للإنسانية جمعاء، رسالة ألم وكشف عن حقيقة أمة عربية ومنظومة عالمية ومؤسسات حقوقية، ما عادت تستطيع حتى حماية طفلة بريئة في السادسة من عمرها، لا ذنب لها سوى أنها كانت تحلم بحياة بسيطة.

صحيحٌ أن عشرات الآلاف من أطفال فلسطين، قُتلوا ويُتِّموا وشُرِّدوا على مدار أكثر من أربعة أشهر، أمام خذلان، بل تورط الإنسانية جمعاء، ولكن هند رجب عيّشتنا نهايتها على المباشر، وفي حلقات، فكانت هي وأمُّها تُصّران على النهاية السعيدة، وكان نازيو العصر يريدونها نهاية مأساوية، بينما تابع العالم بدوله وشعوبه ومنظماته الطفولية والحقوقية، المشهد إلى غاية نهاية هند رجب، إلى جنتها، حيث لا ظالم فيها ولا متقاعس ولا متخاذل.

قدّم الصهاينة في الساعات التي تلت “طوفان الأقصى”، مزاعم خيالية عن قتل أطفالهم، وراحوا يُقنعون حلفاءهم بتصديقها، بالرغم من أنهم لم يصدِّقوها، وظل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لبعض الوقت، يَذكر أطفال إسرائيل الذين “ذبحهم” رجال المقاومة، إلى أن تيقَّن من زيف الرواية الصهيونية، وها هو العالم بأسره يتابع مقتل البريئة هند، من دون أن يثور في وجه هذا السفاح الذي أتعبت بشاعة جرائمه، السفاحين من بعده.

حتى وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، أبانت عن قلة حيلتها، فلا “هاشتاغ” أنقذوا هند، ولا تصدّرها “التريند”، منحا الصغيرة جرعة الحياة، فقد سبق الشرّ، بعض الخير، الذي اقتصر على أدعية ودموع فقط.

منذ ربع قرن وفي المكان نفسه، قتل الصهاينة الصغير محمد الدرة وهو يختبئ خلف ظهر والده، وقلنا حينها: “ما باليد حيلة”، وقتلوا قبله تلاميذ مدرسة بحر البقر في مصر، وقتلوا بعده الرضيعة إيمان، وبعدها في انتفاضة الحجارة المئات من الأطفال، وفي حروب غزة المتعاقبة الآلاف، وعاد الصهاينة ليقتلوا البريئة هند، وكررنا الجملة ذاتها: “ما باليد حيلة”.

في عقيدة اليهود والصهاينة بالخصوص، يُباح قتل الأطفال من أجل مشروع أرض الميعاد، وفي عقيدتنا وعقيدة البشر، أن الطفل هو ملاك وبراءة، لا يجوز إرهابه وترويعُه فما بالك بقتله، وما بين العقيدتين ينتصر المصرّ، ويخسر المتخاذل أو الخائف أو المتردد، وقد قتلوا الأطفال في كل حروبهم منذ سنة 1948 إلى سنة 2024، وسيقتلون في غزة ورفح وفي غيرها من المواقع.

سامحينا هند، فقد قرّروا أن يقتلوك قبل أن تولدي بعقود، سامحينا فقد تدرّبوا أمام أعيننا في مجازر دير ياسين وصبرا وشاتيلا وقانا، سامحينا فقد أعلنوها على لسان وزير دفاعهم: “حرب على الحيوانات البشرية”.

ساميحينا فقد استهزأوا بقرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، ومظاهرات القارات الخمس.

سامحينا فقد أعلنوها إبادة جماعية لا تبقي الحياة ولا تذر.

سامحينا فقد طاردوك وأحرقوا جسدك بالنار.

سامحينا.. كنّا نعلم، وكانوا يخططون لتوجيه نيرانهم إلى جسدك، وما استطعنا أن نفعل شيئا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!