الرأي

هواري بومدين.. القائد المظلوم!

في ظل الامتعاض الشعبي الواسع من الخذلان العربي الرسمي للقضية الفلسطينية، تعود ذكرى وفاة الرئيس هواري بومدين التاسعة والثلاثين، ومعه يستحضر الجزائريون المواقف الوطنيّة والقوميّة الخالدة، ذلك أنّ الرجل لم يكن مجرّد قائد دولة، بل واحدا من زعماء الأمّة العربية والإسلامية وأحرار العالم.

لكن هذه الشخصية الاستثنائية في تاريخ الجزائر الحديث، وإنْ نُقش اسمُها في وجدان الشعب، بما وفّر له من سبل الحياة الكريمة، ونالت شهرتها اللامعة بين المستضعفين فوق الكرة الأرضية، وقد نافح عنها في كل المنابر الدوليّة، فإنها لا تزال مهضومة الحقّ في قومها؛ ذلك أنّ كثيرا من المختلفين مع بومدين يصرّون على تجريده من كل فضيلة، والرجل قد أبلى في سبيل استقلال الجزائر وتشييدها بلاءً حسنًا، ثم يلبسون به كل نقيصة، ويجعلونه مسؤولاً بأثر رجعي عن كل مآسي البلاد!

إنّ قراءة الأحداث الكبرى والتحولات المفصلية في مسيرة الدول من منظور الواقع المنشود، لا تستقيم مع إنصاف السياسات والمواقف الحاسمة، بل تقتضي الموضوعيّة أن ننظر إليها ضمن سياقاتها التاريخية والجغرافية، الوطنية منها والإقليمية وحتى الدوليّة، لنفهم الدوافع العميقة ونلمّ بالخيارات الممكنة، ثم نستشرف المآلات الواردة.

أيُعقل أن ينكر البعض اليوم فضل بومدين على الجزائر، بحجة أنه استولى على السلطة من الحكومة المؤقتة مطلع الاستقلال، بينما كانت البلاد على فوهة الحرب الأهليّة، تتجاذبها القيادات والولايات، ويتربّص بها العدو من الخارج؟ ألم يكن ربّما الحسم الثوري هو المخرج الأقلّ ضررًا على وحدة الوطن ومصير السيادة؟

هل من المقبول أن يُعادي بعضهم الرئيس بومدين إلى يوم الدين، لأنّه دمج “ضبَّاط فرنسا”، وما كان سعيه إلا لبناء جيش عصري محترف يرث مجاهدي الثورة، أما سياسته الفعليّة تجاه المستعمر، فخيار التأميمات في كافة القطاعات شاهدٌ عليها بوضوح.

أمّا النقيصة المضحِكة، فهي حديثهم عن وأده للديمقراطية، ولكُم أن تتخيلوا قبل نصف قرن ظروف الجزائر السياسية والفكرية والثقافية والتعليميّة، وقد فشلنا نحنُ بعد أربعين عامًا من رحيله في تجسيدها.

ولا يتوانى فريقٌ مُجحف عن نقده اللاذع بسبب الانحياز إلى الاشتراكيّة، وكأنّي بهم عاشوا مع شعب آخر بمستوى رغد الدول الإسكندنافيّة، وما ذنبُ بومدين إلاّ الإحساس بالمحرومين والعطف على الجوعى والعُراة والأميّين من أبناء جلدته، الذين فدوْا وطنهم بالدماء ليهنؤوا بالحياة الكريمة فوق أرضه السخيّة؟ 

ربّما يجد الناقمون على بومدين ما يبرّر غضبهم، عندما يشهرون الاغتيالات السياسيّة، وهي بلا شكّ وصمة عار في جبين كل نظام حكم عبر التاريخ، لكن لا ننسى أنها من تجليّات الصراع على السلطة، ولا يمكن في حالات كثيرة إلصاق التهمة بالشخص دون رويّة.

بل أكثر من ذلك، ماذا لو قارنّا التصفيات التي عرفتها الجزائر، وهي بعدد أصابع اليد الواحدة، في ظروفٍ بالغة التعقيد، بما جرى في بلدان عربيّة كثيرة، من مصر إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها؟

الأكيد أن الفقيد ليس ملاكًا منزّها ولا نبيّا معصومًا، ولكنه بشر خطّاء، عمل فأصاب واجتهد فأخطأ، لكنّ العدل يُوجب الاعتراف بفضل الرجال، وذكر محاسنهم، فكيف إذا تعلّق الأمر بزعيم في حجم القائد بومدين. 

مقالات ذات صلة