الرأي

هيبة الدولة من هيبة القانون

سميرة بلعمري
  • 917
  • 1
أرشيف

القانون إجمالا هو عبارة عن مجموعة من القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع وتحكم علاقاتهم وتوفق بين مصالحهم، وتتكيف استجابة لحاجاتهم، فيما تستمد الدولة هيبتها من نجاحها في التطبيق الصارم للقانون وفرض احترامه عن طريق الإقناع والإدماج والردع المشروع، وبإحداث القطيعة مع اللاعقاب، لكن بعيدا عن الإكراه التعسفي.

القانون ضرورة لتقويم السلوك غير القويم للأفراد، كما أنه أداة لفرض سياسات الدولة العامة وضبط السلوك الاجتماعي، ومن أهم سماته الإلزامية، ومن أهم ما يحتاج إليه، هو كسب احترام المجتمع من خلال فرض هيبته وبسط نفوذه الحقيقي بالتنفيذ الكلي لمضامينه.

فالقوانين تكتسب احترامها من مضامين أحكامها ومن التناغم بين مصداقية الخطاب وجدية العقاب عند المخالفة، ومن وضوح آليات والتزامات الطرف المعني بالتطبيق والمتابعة والمحاسبة.

وهيبة الدولة من هيبة القانون وما يضعف هيبة القوانين ويهز القناعة بإلزامية قواعدها مجموعة من العوامل المرتبطة بالسلوكيات اليومية للأفراد، كالتشكيك والضبابية، وكثرة المحسوبيات، وتقاطع المسؤوليات، وطبعا التنفيذ المناسباتي لقواعد القانون، ويبدو أن الجزائر قررت أن تحدث القطيعة مع التطبيق المناسباتي للقوانين، وفرض احترام المساحة بين الجميع في ساحات التقاضي وفي الحياة اليومية، قناعة أن استرجاع هيبة الدولة لن تتسنى إلا بتطبيق القوانين.

الدولة تحركت وجعلت من استرجاع هيبتها أولوية الأولويات، وعلى اعتبار العلاقة الترابطية بين هيبة الدولة وهيبة القانون، عرف قانون العقوبات منذ تولي الرئيس تبون دفة الحكم عدة مراجعات وتعديلات.

فقانون العقوبات يقف اليوم بالمرصاد للاعتداء على الأطباء خلال أداء مهامهم، ويكبح نشاط عصابات الأحياء التي زرعت الرعب وسط أحياء بأكملها، ويقف جدارا عازلا بين الغش والجد للوصول إلى النجاح.

القانون وجد طريقه إلى التطبيق ورافقته سياسة اتصال ضمنت للفرد والمتلقي تحديد الحق والواجب.

الغش في البكالوريا والتشويش على امتحاناتها بمواضيع حقيقية أو مزيفة انتهى وولّى عندما وجد القانون طريقه إلى التطبيق، واحتجب اللاعقاب من المشهد، كما احتجبت القوة السحرية أو المزعومة للحصانة في التستر على الفساد، فالقانون والإصرار على استرداد هيبة الدولة جعلت الجميع سواسية أمام القانون ولا فضل لمسؤول على مواطن عادي إلا باحترام القانون.

تحريك ملف رفع الحصانة عن نواب وأعضاء مجلس الأمة والبالغ في أقل من شهرين 38 ملفا هو ترجمة حقيقية لتطبيق القانون، وإيداع برلماني وقائد مجموعة للدرك بالنيابة الحبس المؤقت، بسبب محاولة تغشيش تلميذة في “البيام” عبرة لمن يريد أن يعتبر، ولم تعد الحكومة بحاجة لقطع الانترنيت وحبس 4 أشخاص وتوقيف 9 إطارات بالمديرية العامة للأمن بسبب فضيحة وفاة شابين بطائرة في مطار الجزائر دليل أن عهد تقاذف المسؤوليات والتهرب منها انتهى، كما يشكل قرار إيداع مسؤولين بالشركة الوطنية للنقل البحري الحبس المؤقت ووضع آخرين تحت الرقابة القضائية، في قضية الباخرة الجزائرية القادمة من مرسيليا شبه فارغة صورة من مشهد تحديد المسؤليات وتطبيق القانون.

اللاعقاب والانتقائية في تطبيق القانون التي لطالما اشتكى منها الجزائريون في العهد السابق، لم يعد لها مكان ولا فرق بين غفير ووزير في ميزان القانون.

فالقوانين تفرض هيبتها وتضمن هيبة الدولة وتحجز لها مكانا ضمن تصنيف الدول القوية وليست الديكتاتورية كما يحاول بعض الأطراف الترويج له، فالدولة العاجزة عن فرض سلطتها وهيبتها ليست دولة، بعيدا عن التصنيف السياسي، فهي لا دولة ديموقراطية ولا دولة شمولية، لذا

استوجب تطبيق القانون لضمان هيبة الدولة التي تجعل شعبها يشعر بالأمان والاطمئنان كلما كان في حماية رموز الدولة ومؤسساتها.

مقالات ذات صلة