-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رسالة لن يخطئ الطرف الجزائري قراءتها

واقعة بوراوي.. عندما تصرخ الدولة الفرنسية في صمت!

محمد مسلم
  • 25688
  • 0
واقعة بوراوي.. عندما تصرخ الدولة الفرنسية في صمت!

قبل أن تصل العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى هذا المستوى من الانحدار، كانت الدولة العميقة في فرنسا قد اشتغلت مطولا من أجل ذلك، موظفة رجالاتها وترسانتها الإعلامية و”باربوزها”، الذي كلل تلك الممارسات بعملية استعراضية “مخزية”، تمثلت في تهريب رعية جزائرية، كانت سببا مباشرا في استدعاء الجزائر لسفيرها من باريس، سعيد موسي.
منذ زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر في أوت المنصرم منهيا مرحلة من التوتر العالي بين العاصمتين، تحرّكت الدولة العميقة في المستعمرة السابقة لخلط الأوراق، ومن بين الأوراق التي لعبتها، ورقة السفير السابق بالجزائر، كزافيي دريانكور، مهاجما هذا التقارب بشكل عنيف، في وسائط إعلامية محسوبة على اليمين من بينهم جريدة “لوفيغارو” و”سود راديو”، بدت وكأنها تحت الطلب، ناهيك عن ملف “لوموند” بعدد السبت المطوّل والمتحامل على بلادنا.
والغريب في الأمر هو أن هذه الصحيفة وبعد نحو أسبوع من الحوار الشهير الذي أجرته مع الرئيس عبد المجيد تبون، فتحت أبوابها للسفير السابق على أساس أنه خبير في الشأن الجزائري، ليرد بطريقة غير مباشرة على الكلام الجريء الذي صدر عن الرئيس عبد المجيد تبون، والذي أبان عن ندية غير معهودة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين.
كزافي دريانكور كان أول من وظف عبارة “فخ الذاكرة” الذي زعم من خلالها بأن الجزائر نصبته لباريس، وإن لم يوضح ما كان يقصده بهذا الفخ، إلا أن الأحداث بينت لاحقا أن الطرف الفرنسي اقتنع بأن الجانب الجزائري تمكن من جر باريس إلى معترك لن تخرج منه سالمة بشأن ماضيها الاستعماري في الجزائر.
فالأدبيات السياسية والتاريخية في فرنسا لم تكن تنظر إلى الذاكرة الاستعمارية في شقها المتعلق بالجزائر، إلا من خلال السنوات الثماني للثورة التحريرية، بل تحصرها في تلك السنوات فقط، محاولة التنصل من تبعات فترة الاحتلال برمته والذي يمتد على مدار 132 سنة كاملة، كانت حافلة بحرب الإبادة والمجازر المروعة، ومحاولات طمس الهوية وسلخ الجزائر من محيطها العربي والإسلامي وإلحاقها بأمة غريبة عنها.
ويعتقد الكثير من الفرنسيين الذين لا يشاطرون توجهات ماكرون، أن الرئيس تبون نجح في إخضاع كافة سنوات الاحتلال لضوء اللجنة المختلطة المعنية ببحث ملف الذاكرة، بعد رفض الطرف الجزائري التعاطي مع المقترح الأول الذي قدمه الرئيس الفرنسي، والذي اقتصر على سنوات الثورة أو “حرب الجزائر” كما تقول الأدبيات الفرنسية، والتي لم تعترف بها كحرب إلا في سنة 1999، بعد سنوات من الإنكار، لأن فرنسا الاستعمارية كانت تعتبر الثورة التحريرية انتفاضة داخلية، ليرد الطرف الفرنسي بخلط الأوراق من خلال إغراق تلك اللجنة بوجوه من اليمين المتطرف ممثلين في مؤرخين فرنسيين من الأقدام السوداء المعروفين بعدائهم لكل ما هو جزائري.
وبإخضاع كافة فترة الاحتلال الفرنسي للبحث والحساب، يعني إدانة مسبقة ومحققة للاستعمار، لأن الجزائر فقدت خلال 132 سنة ما بين 5.6 وسبعة ملايين من الشهداء، في وقت كان الحالمون بـ “الجزائر الفرنسية”، يحصرون مدة الحرب في سنوات الثورة فقط، على أمل إيجاد نوع من التكافؤ، من خلال الحديث عن “مجزرة وهران” وبعض الأحداث المشابهة.
وبعيدا عن الذاكرة، يسود اعتقاد لدى الخصوم السياسيين للرئيس ماكرون، أن باريس لم تحقق ما يتعين الإشادة به، بعد عودة الدفء للعلاقات الثنائية منذ الصائفة الماضية، لأن هؤلاء كانوا يعتقدون أن مجرد زيارة للرئيس الفرنسي للجزائر، من شأنها أن تعيد الامتيازات التي فقدتها باريس منذ العام 2019، وهو الأمر الذي لم يحصل، فزيارة إليزابيت بورن التي رافقها 15 وزيرا، لم تحقق ما كان متوقعا منها من الجانب الفرنسي، لأن الكثير من المعطيات تغيرت، والندية يفترض فيها أن يكون الربح من الطرفين وليس من طرف واحد، كما كان الحال في عهد النظام السابق.
كل هذه المعطيات وأخرى ساهمت في إقدام الطرف الفرنسي على التعبير عن عدم رضاه على عودة الدفء للعلاقات الثنائية، بالعملية الاستعراضية التي قامت بها المصالح الخاصة الفرنسية، بتهريب أميرة بوراوي، في رسالة سوف لن يخطئ الطرف الجزائري قراءتها، ولعل البرقية التي عممتها وكالة الأنباء الجزائرية الخميس المنصرم، رسالة مباشرة من الجزائر مفادها أن هوية المتضرر معروفة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!