-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وتاقت القلوب إلى مساجدها..!

وتاقت القلوب إلى مساجدها..!
ح.م

يوم قرّرت السلطات العمومية غلق بيوت الرحمان حفاظا على صحة المواطنين، دافعنا عن وجاهة القرار من الناحية الشرعية والإجرائية، رغم صعوبة الموقف النفسي على رواد المساجد وعموم المسلمين في أن يروْها موصدة في وجه مرتاديها، ويُمنع مؤمنون تعلّقت قلوبهم بها من دخولها والصلاة فيها.

لقد كان ذلك الموقف المبدئي دفاعًا عن مقاصد الشريعة الإسلامية في صيانة النفس البشرية من الهلاك، إذ مهما سمت مكانة المساجد والجماعة في ديننا تبقى صحة الإنسان مقدّمة عليها في ميزان الشرع نفسه، إن ثبت أنّ الخطر قائم ومُحدق بها، وفق ما يقرره أهل الاختصاص، فهُم مصدر الفتوى في هذه الحالة، والفقيه يبني حكمه الشرعي على تقديرهم المُعتبر.

كما كان تأييدُنا لإجراء الحكومة الوقائي بتعليق صلاة الجماعة ثقة منّا في غيرتها على دين الشعب وخدمته، وعدم تردّدها لحظة واحدة في الإبقاء عليها مفتوحة، لو وجدت فرصة التأمين الصحي ممكنة.

أما اليوم فقد لجأت السلطات إلى التخفيف من تدابير الحجر الوقائي، وسمحت بعودة غالبية القطاعات التجارية إلى النشاط، والأكيد أن دوافع الانتقال إلى مقاربة التعايش مع وباء كورونا لم تكن مقتصرة على التفكير الاقتصادي في مصير مئات آلاف من العائلات التي تضررت من تعطيل أعمالها، بل هو كذلك نتاج قراءة رقمية وتحليل لتطور انتشار الفيروس في الجزائر، ومعاينة بؤره ومواقع العدوى وطرقها، ما جعل الحكومة تطمئنّ إلى أن الرفع التدريجي للإجراءات الاحترازية لن يسبّب انتكاسة وبائية، وإلا ما كانت أقدمت على قرارها بالتخفيف من القيود على الحياة العامة.

لذلك ومن باب أولى أن ندعو اليوم وزارة الشؤون الدينية إلى تكييف فتواها السابقة، وإيجاد آلية بالتنسيق مع وزارة الصحة تضمن سلامة المصلين، لأجل إعادة فتح بيوت الرحمان في هذا الشهر الفضيل، لأنّ نفس المخاطر المحتملة بالمساجد لا تزال قائمة خارجها، بل على العكس، ربما وجدنا فيها حرصًا أكبر على الوقاية.

لا أحد ينكر أن الدولة لم تواجه صعوبات مع رواد المساجد في الالتزام بقواعد الحجر الصحي، وجسّدوا وعيهم الكامل بضرورة الوقاية، كما لا يخفى أنّ شروط النظافة التي تبقى من أهم سبل محاصرة العدوى مكرّسة وسط المصلين، لذلك صار من الواجب إعادة تقييم القرار السابق وفق المؤشرات الجديدة، فقد تاقت قلوب العباد إلى أنوار الجوامع والجماعات، فكم هو عسير أن تُحرم من ارتيادها في شهر الصيام والقيام والقرآن والعبادة والتهجد والاعتكاف.

لا نريد أن يتشكل الانطباع الخطأ لدى البعض في أنّ المساجد وأهلها هي الحلقة الأضعف في تنفيذ قرارات السلطات، فقد شملها الغلق مع مطلع الحجر الصحي قبل المقاهي والمطاعم والمحلات، ثمّ تبقى مستثناة إلى آخر لحظة من استئناف حياتها ولو جزئيّا، كأنّ أمر الدين آخر ما تفكّر فيه حكومتنا، مثلما يسوّق عنها البعض ظلما وزورًا.

إنّ رجاءنا هذا كمواطنين قبل كل شيء ليس دعوة صريحة إلى إشراع الأبواب على مصراعيها أمام الناس، دون حدود ولا قيود ولا رقيب ولا تدابير وقائية، كلاّ، ولا نظن أنّ مصليّا واحدا يقبل بذلك، بل هو طلب يُعبّر عنه اليوم ملايين الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإعادة فتح مساجدهم مع اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية المجتمع.

قد يقول قائل: وهل ذلك ممكن عمليا بينما يتوافد الآلاف على المساجد، نجيب بأن الأمر متاح جزئيا على الأقل، ولو في صوره الرمزيّة، لأنّ المهم في هذه الظروف الاستثنائية هو استحضار القيم والمشاهد الإيمانية التي تبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين، وتدفع عنهم هواجس الغربة الدينية في بلاد مسلمة وفي شهر رمضان المعظم.

بمعنى أن السلطات في مقدورها أن تعيد فتح المساجد في فترات مقيدة وصلوات محددة لا تتجاوز توقيت الحجر المعلن حاليّا، مع التزام التباعد بين المصلين، وتستطيع بالموازاة مع ذلك السماح بإقامة صلوات التراويح بعدد مضبوط سلفا برخص إدارية، مع استعمال المبكرات الصوتية لإشاعة المظهر الديني الرمضاني في المجتمع، وملامسة مشاعر مضطربة بفقدانها لكثير من خصوصيات الشهر الكريم.

ندرك أن سعي السلطات للحفاظ على أرزاق المواطنين مشروع، وقد تدفعها إليه الحاجة القاهرة برغم المحاذير، لكن الاجتهاد الحثيث في إقامة الشعائر الدينية مطلوب أيضا ومن مسؤولية الدولة الدستورية والأخلاقية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • معلم

    كما رفع الوباء الذي نزل ببغداد بعد غزو المغول بسبب تعفن جثث عشرات الالاف من القتلى وذكر ابن كثير رحمه الله ان الصلاة تعطلت في المساجد شهورا .ونحن لسنا اقل منكم تحمسا للعودة الى المساجد ولكن نريد ان يكون ذلك بقرار من المختصين والخبراء في علم الأوبئة والفيروسات وغيرها حتى لاتقع موجة ثانية تكون كارثية على الناس فرجاء وثم رجاء اتركو العواطف جانبا لانها قد تكون قاتلة في نهاية المطاف وثقوا في المختصين الكبار في الطب والشريعة وبطلوا الحديث عن هذا الموضوع تفاديا لاية حماسة من العوام لاتحمد عقباها.

  • معلم

    كلامك استاذي يفتقر الى رؤية شرعية مقاصدية رغم اخلاصك فيما ذهبت اليه ومما جاء في مقالتك (..فكم هو عسير أن تُحرم من ارتيادها في شهر الصيام والقيام والقرآن والعبادة والتهجد والاعتكاف.) باستثناء الصيام الذي هو فرض ولايشترط له المسجد فان كل ماذكرته بعده سنن ومستحبات وبعض الائمة كمالك رحمه الله يرى القيام والتهجد في البيت افضل ..يااستاذي لم نر الناس متحمسين لصلاة الفريضة والجمعة كتحمسهم لصلاة التراويح المستحبة .وانه من الظلم ان نظن ان عوام الناس وبعض خواصهم احرص على دين الله من غيرهم .فانا قضيت في المسجد حوالي 50 سنة ومع ذلك فانا صابر على هذا الابتلاء رغم شدته الى ان يرفع الوباء .يتبع

  • مواطن

    لا تكونوا انانيين وتنظرون غقط الى رغبتكم في الصلاة في المساجد وثم تنشرون الوباء في كل الانحاء. رفع الحضر التدريجي على الاحتياجات اليومية الاساسية للناس وليس للقيام بالتجمعات في المساجد والاماكن الاخرى، فلا داعي بل خطير ان تفتح المساجد في هاذا الوقت، لا تكونوا انانيين لتذهبوا للصلاة في المساجد ثم تنقلوا الوباء الى العائلات والاخرين. انانيتكم في الصلاة في المساجد ستعود بالجهود لمحاربة الوباء الى نقطة الصغر.

  • ابن الجبل

    من الخطأ ومن غير المعقول أن تفتح أبواب المساجد للمصلين في هذا الظرف بالذات ، حيث مازالت اصابات وباء الكورونا في ارتفاع !. فكيف يسمح بفتح المساجد ؟ وكيف تكون فترات محددة ، وصلوات محددة ؟! وكيف تحدد عدد المصلين الذين يدخلون المسجد ؟ هل تستعمل القرعة ؟ أو بالسباق ؟ أو باستعمال القوة العمومية لتحديد العدد ...!! المساجد ، اما تفتح للجميع أو تغلق للجميع .