-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وثائق تنشر لأول مرة عن الشهيد الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس

د. حسين بوبيدي
  • 1937
  • 0
وثائق تنشر لأول مرة عن الشهيد الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس

صدر قبل أيام عن وزارة المجاهدين؛ وفي إطار الأعمال المنشورة ضمن فعاليات ستينية استرجاع السيادة الوطنية، كتابٌ للباحثين: أ.د علاوة عمارة، أستاذ التعليم العالي بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، والأستاذ رياض شروانة، باحث وطالب دكتوراه في التاريخ المعاصر بجامعة السربون؛ حمل عنوان: من جامعة باريس إلى سوكياس: وثائق وشهادات عن المسيرة الدراسية والثورية للشهيد الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس، والذي تحمل اسمَه اليوم العديدُ من المؤسسات الصحية الوطنية، في مقدّمتها المستشفى الجامعي بقسنطينة، وكثير من الجزائريين لا يعرفون طبيب العيون خريج كلية الطب بباريس، المجاهد والشهيد لخضر عبد السلام بن باديس، ويخلطون بينه وبين عمه الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر.

جاء هذا الكتاب في 192صفحة، وقد ضم تقديما للأدبية والمجاهدة والوزيرة السابقة: زهور ونيسي، ومقدمة الكاتبين، ثم رصدا مختصرا لأهم محطات حياة الشهيد لخضر عبد السلام بن باديس من مولده يوم 27 جانفي 1923 بمدينة قسنطينة إلى ارتقائه شهيدا بتاريخ: 13 جوان 1960 على بعد 4كلم من سوكياس- بير العاتر خلال محاولته اجتياز الخط المكهرب للدخول إلى تونس، بالإضافة إلى ملفات ثلاثة هي أساس العمل، وشهادات أوراسية عن الشهيد.

وقد أشار عمارة وشروانة في مقدمتهما إلى أن هذا العمل يندرج ضمن مشروعهما الذي يهدف إلى متابعة سير الشخصيات الفاعلة في مسار الحركة الوطنية والإصلاحية والثورة التحريرية، وخاصة القسنطينية منها، وقد سبق لهما أن أخرجا سنة 2020 كتابا جمعا فيه ما يتعلق بالمفكر الجزائري مالك بن نبي في دور الأرشيف الفرنسي.

الملف الأرشيفي الأول في هذا الكتاب هو الملف الدراسي للدكتور لخضر عبد السلام؛ إذ احتفظت به جامعة باريس 5 روني ديكارت والذي يتواجد حاليا بالمركز الوطني للأرشيف ببيار فيث سير مار، وأما الملف الثاني فهو ملف الاعتقال الإداري بالمكتب الفرنسي؛ والذي يحتفظ به حاليافي فرنسا الأرشيف الوطني لما وراء البحار، في مدينة آكس أون بروفونس، والملف الثالث يخص الملف الاستخباراتي بالمكتب الثاني والمحفوظ حاليا في: أرشيف المصلحة التاريخية للدفاع في فانسان، وضم الملف الرابع شهادات لمجاهدين من الولاية الأولى (الأوراس) حول المسار الثوري للشهيد.

وقد عمل المؤلفان على تقديم محتوى الوثائق بطريقة وفية، وعمدا أحيانا إلى ترجمتها حرفيا، ومثل هذا الجهد الوثائقي هو التاريخ الأكاديمي المنهجي الذي يستند إلى المادة الأصلية، ولا يغيّب الذاكرة والشهادة، ويضع أمام الباحثين مادة جديدة تعيد بناء الماضي انطلاقا من مصادره، بعيدا عن الخطاب الحكواتي الذي ضجَّت به وسائل التواصل الاجتماعي، وزحف إلى القنوات التلفزية والحصص الإذاعية، بسبب استسهال الحديث في التاريخ، والجرأة على تخصُّص يحتاج جهدا وتنقبيا وسهرا ووعيا بالمدارس والمناهج وأدوات المقارنة والتحقيق والتدقيق.

يتضمن الملف الدراسي للدكتور لخضر عبد السلام بن باديس 31 وثيقة أرشيفية، ويقدِّم معلومات دقيقة عن مسيرته الدراسية الجامعية، منذ حصوله على شهادة البكالوريا إلى غاية مناقشته لرسالة الدكتوراه في الطب بجامعة باريس في 3 جويلية 1954، بالإضافة إلى معلومات عن والده الذي كان يدير مدرسة الأيتام بقسنطينة، ونجد في الدفتر المدرسي تواريخ معلمية في مساره الدراسي، إذ حصل على شهادة البكالوريا في شعبة الفلسفة بمدينة الجزائر بتاريخ 27 جوان 1941، ثم شهادة الدراسات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية بمدينة الجزائر في 5 جوان 1942، ويفصِّل الملف في المسار الجمعي له في كلية الطب والصيدلة بجامعة الجزائر من أول تسجيل له بها في: 9 نوفمبر 1942 إلى تخرّجه في 25 أكتوبر 1945، ونجد فيه المِنح التي حصل عليها وقيمتَها، والعلامات والملاحظات التي حصّلها في مختلف مقاييس العلوم الطبية؛ والتي تراوحت بين مقبول وقريب من الحسن وحسن، بالإضافة إلى كشوف الاختبارات عند دراسته بكلية الطب بجامعة باريس في الفترة بين: 1949-1954 والتي تراوحت بين القريب من الحسن وحسن، ونجد في الملف الوثائقَ المتعلقة بالتربصات التي قام بها، والطلبات التي قدّمها للمصالح الإدارية من أجل الحصول على المنح والتعويضات مقابل هذه التربصات،  والوثائق المتعلقة بحصوله على شهادة الدكتوراه في تخصص طب العيون بتقدير مشرف جدا عن أطروحة عنوانها: مساهمة في دراسة ناسور القرنية.

عنون المؤلفان للملف الثاني -وهو أكبر الملفات- بـ: من الاعتقال الإداري إلى الالتحاق بجيش التحرير الوطني: 4 فيفري 1957- 11 أكتوبر 1958؛ ويضم 81 وثيقة، تبدأ بورود اسم لخضر عبد السلام بن باديس في الوثائق التي صادرتها قوات الاحتلال في زريبة الحشايش بأولاد عطية غرب القل في 31 جانفي 1957، إذ يرِد في رسالة مطولة بإمضاء عبان رمضان مؤرخة في 27 ديسمبر 1956 الإشارة إلى رغبة الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس الالتحاق بالعمل الثوري بقسنطينة، مع ذكر كلمة السر بينه وبين المجاهدين، وتبرز الوثائق الطريقة التي انتهجتها السلطات الاستعمارية للقبض على بن باديس، إذ تقمَّص عون أمن شخصية مبعوث جيش التحرير الوطني مستعملا كلمة السر التي اطلعت عليها القواتُ الاستعمارية، ويبيّن الحوار الذي دار بينهما أن هذا العون استطاع خداع الدكتور بن باديس وتعامل معه أنه وسيط مأمون وأجابه عن أسئلته.

في هذا الملفّ نجد الأمر بالتفتيش لعيادة ومنزل الدكتور بن باديس وعيادته ومصادرة كل ما قد يضرّ بالأمن حسبهم، ثم بيان ما تم العثور عليه في منزله مما عدّته السلطات الاستعمارية إدانة له (أسماء الوحدات القتالية الثورية وما يقابلها من الرتب في الجيش الفرنسي، والتي اعتُمدت خلال مؤتمر الصومام)، ويقدِّم هذا الملف وثيقة استجواب الدكتور بن باديس، ثم قرار وضعه رهن الاعتقال الإداري بمركز الجرف بتهمة “تهديد النظام العامّ”، وتقدّمه الوثائق على أنه “مشتبهٌ بنشاطات معادية لصالح جبهة التحرير الوطني”، كما يوصف بـ”المتطرف”، وأنه “معادٍ بارز لفرنسا”، و”شخص خطير جدا”، يخشى أن يمثّل أحد القيادات السياسية المؤثرة في حالة إطلاق سراحه والتحاقه بالثورة، ونجد وثائق حول تنقله بين الجرف ومركز بير العقلة ومزرعة ثيفول قرب عين مليلة، حيث سيُرخَّص له بعد مغادرته لمعتقل الجرف بأخذ وسائله الطبية لاستعمالها في عيادة المساعدة الطبية المجانية ( (A M Gلمساعدة الطبيب المدني في مداواة المرضى.

عمل المؤلفان على تقديم محتوى الوثائق بطريقة وفية، وعمدا أحيانا إلى ترجمتها حرفيا، ومثل هذا الجهد الوثائقي هو التاريخ الأكاديمي المنهجي الذي يستند إلى المادة الأصلية، ولا يغيّب الذاكرة والشهادة، ويضع أمام الباحثين مادة جديدة تعيد بناء الماضي انطلاقا من مصادره، بعيدا عن الخطاب الحكواتي الذي ضجَّت به وسائل التواصل الاجتماعي، وزحف إلى القنوات التلفزية والحصص الإذاعية، بسبب استسهال الحديث في التاريخ، والجرأة على تخصُّص يحتاج جهدا وتنقبيا وسهرا ووعيا بالمدارس والمناهج وأدوات المقارنة والتحقيق والتدقيق.

وتتضمَّن وثائق هذا الملف بعض الحوارات التي أجريت مع المعتقل بن باديس، ورفضه لظروف الاعتقال، وعدم تعاونه فيما كُلِّف به في عيادة المساعدة الطبية، وتمسُّكه بمواقفه السياسية، وتدهور صحته بعد إصابته بالملاريا، ومراسلاته مطالبا بحل مشكلته وإنكاره التهم الموجهة إليه مع إقراره دوما أنه متمسكٌ بتقديم المساعدة الطبية لكل من يطلبها، ومحاولات والده التدخل لأجله، وسندرك من خلال متابعة وثائق هذا الملف أن الدكتور بن باديس سيعاد إلى معسكر الجرف، وسيستمرّ التمسك باعتقاله ورفض الإفراج عنه في مراسلات نكتشف فيها وجود توجس من التحاقه بالثورة، وقد تم إطلاق سراحه لاحقا في 18 جويلية 1958 لكنه أعيد سريعا إلى المعتقل، وتؤكِّد الوثائق أن هذا الإفراج تم بالخطأ، وسيتمكن المعتقل لخضر عبد السلام بن باديس من الفرار  من الاعتقال الإداري بتاريخ 11 أكتوبر 1958 حسب الوثائق ومراسلات الأجهزة الأمنية الاستعمارية فيما بينها، إذ استغل فرصة نقله لعلاج أسنانه مرفَقا بضابط، ليحقق هدفه بالفرار من المعتقل والالتحاق بالثورة في غفلةٍ من مرافقه الذي ادَّعى أنه وثِق في بن باديس فتركه منفردا بالعيادة.

الملف الثالث عنوانه: ابن باديس طبيب المكتب الثاني؛ ويضم 19 وثيقة، تتضمن بالإضافة إلى المعلومات العامة عن المجاهد الطبيب بن باديس وأسرته وتخصصه، محاولة الأجهزة الأمنية الفرنسية بناء معطيات واضحة حول شبكة علاقاته في الجزائر وتونس استنادا إلى المعلومات المتوفرة لديها، وهو ما لم تنجح فيه؛ إذ لم تستطع تحديد هوية بعض الأسماء، وتبين وظيفته ومركزه في جيش التحرير الوطني باعتباره نائب مسؤول القطاع الصحي للولاية الأولى، وفيها أنه طلب في العديد من المرات الانتقال إلى تونس بسبب التعب والمرض، وتورد تاريخ استشهاده في طريقه للعبور إليها، ونجد في هذا الملف الوثيقة التي صادرها الاستعمار من المجاهدين، وهي رسالة من لجنة التنسيق والتنفيذ إلى لخضر بن طبّال المسؤول العامّ لمجلس الولاية الثانية أن لخضر عبد السلام بن باديس يطلب العمل بقسنطينة، مع كلمة السر للتواصل معه.

جاء الملف الرابع خاصا بالشهادات، وحمل عنوان: شهادات أوراسية عن الشهيد الدكتور عبد السلام بن باديس، احتوى على 3 شهادات، لكل من: المجاهد العقيد محمد الطاهر عبيدي المدعو الحاج لخضر، والمجاهد الدكتور محمد عثامنة مسؤول القطاع الصحي في الولاية الأولى، والمجاهد الرائد محمد الصغير هلايلي، وفي هذه الشهادات نجد إشاراتٍ إلى ظروف عمل الكادر الصحي في الثورة، ورواية لخضر عبد السلام بن باديس لقصَّة هروبه كما نقلها المجاهد الدكتور عثامنة، وفي هذه الشهادة نكتشف معلومات تفصيلية عن مواقف بن باديس، والدوافع التي جعلته يصرُّ على الالتحاق بتونس.

إن المادَّة الوثائقية التي جمعها علاوة عمارة ورياض شروانة في هذا الكتاب تسمح للباحثين بإدراك أهمّ المحطات في المسار العلمي والثوري للشهيد لخضر عبد السلام بن باديس، وهو بالتالي إضافة هامة في كتابة تاريخ الجزائر المعاصر، ولا يزال القراء دوما في انتظار جديد هذين الباحثين الأرشيفيين عمارة وشروانة، وفي انتظار إنهاء الأعمال التي يعكفان على إتمامها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!