-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وجاهدوا بأموالكم في فلسطين

وجاهدوا بأموالكم في فلسطين

لا شكّ أنّ كل مسلم وعربي حرّ شريف قد فرح بعملية “طوفان الأقصى”، استبشارا بتصعيد المقاومة الوطنية على طريق التحرير الكامل لأرض فلسطين التاريخية، لأنه يبقى الواجب المناط بكل قوى الأمة الحية مهما ظهر للآخرين حلمًا بعيد المنال.
ومثلما كان منتظرا، فقد جاء رد الكيان الصهيوني قاسيًا جدا، طيلة 10 أيام، وفوق طاقة المدنيين في غزة الصمود والعزّة، وليس في الأفق ما يوحي بتوقف الوحشية الإسرائيلية بعد الضوء الأخضر الأمريكي، لأنّ جيش الاحتلال الجبان لا يجرؤ -رغم عدته العسكرية العالمية- على المواجهة المباشرة مع أبطال المقاومة الباسلة، فيلجأ ككل مرّة إلى الانتقام من السكان العزّل، لتهديم البنى التحتية وكسر الروح المعنوية للحاضنة الشعبية للانتفاضة الفلسطينية بالحصار والتجويع وقطع كل أسباب الحياة عنهم.
لذلك تمتزج البشريات القادمة من أرض المعركة بآلام الفلسطينيين في غزّة وآهاتهم، لتصنع حالة الاختبار الفعلي للمسلمين والعرب، أنظمةً ومؤسسات أهليّة وأفرادا، لامتحان صدقهم في تبنّي القضية المركزية للأمة ودعمهم لصمود أهلها، ومحاربة المشروع الصهيوني الاستيطاني فوق مقدساتهم التاريخية.
اليوم تقود “إسرائيل” حرب إبادة جماعية غير مسبوقة في غزة لاستئصال المقاومة، وأمام همجيّة الوضع هناك، لم يعد مقبولاً من أي دولة مسلمة أو عربية ولا مسلم أو عربي فردا أو مؤسسة سياسية أو جمعوية كانت، أن تقف متفرِّجة على المشهد المأساوي المروّع.
إنّ الحدث الكبير اليوم في فلسطين لا تبرأ منه ذمة أحد إلا بأداء الواجب المقدور عليه، وما دون ذلك من أشكال التضامن المعنوي والسياسي والإعلامي والشعبي تبقى دون المطلوب واقعًا، عملا بالقاعدة الأصولية الشهيرة “ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب”، بينما نصرة أهلنا المجاهدين والمرابطين والمهجّرين من غزّة تستوجب على الأقل بذل المال بسخاء على أمِّ القضايا في هذا المنعرج التاريخي الحاسم، والذي خططت له المقاومة بدقّة، ليكون بداية معارك ثورية مفتوحة، بينما يريده الكيانُ الصهيوني محطة فاصلة لتصفيتها نهائيا.
نحن مؤمنون، لأنّ الجزائريين خبِروا تجربة الاستدمار المريرة، أنه مهما تباين فارق القوى العسكرية الماديّة بين الاحتلال والمقاومة، فإنها تبقى الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين وعموم الأمة من ورائهم لاستعادة الأرض المغتصَبة، وما سواها من شعارات السلام فهي مجرَّد سراب وخداع مفضوح لتوفير فسحة أخرى من الزمن أمام المخطط الصهيوني، لاستكمال تنفيذ حلمه من النيل إلى الفرات.
لكنّ تثبيت هذه المقاومة الشريفة والدفع بها نحو ثورة واسعة فوق أرض فلسطين بحاجةٍ إلى دعم إسلامي وعربي قويّ، لأنّ كل ما توظفه من أسلحة وعتاد عسكري وتكفّلٍ صحّي وغذائي وتعليمي ونفقات اجتماعية على ذوي المجاهدين والشهداء وعموم السكان يتطلب تكلفة ماليّة باهظة لا قدرة لها عليها إلا بتبرعات المسلمين الأحرار، وإلا جفَّت منابع الإسناد وسقط مشروع المقاومة في قبضة الحصار والطوق الدولي المضروب عليها.
الآن فقط دقّت ساعة الامتحان، لتمحيص الصادقين في دعمهم لفلسطين عن أصحاب المشاعر العابرة، من الذين يصرخون وينفّسون على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم سرعان ما يعودون إلى حياتهم اليومية يمرحون، بينما يموت إخوانٌ لهم بأشنع الطرق أمام مرأى ومسمع عالم غريزي مادّي متجرد من الأخلاق الإنسانية.
ما أتعسنا لو ينطبق علينا قول الشاعر اليمني الكبير، عبد الله البردوني، في مهرجان مربد للشعر العربي، يوم صاح في بغداد قبل 40 عامًا:
ما أَصْدَقَ السَّيْفَ إِنْ لَمْ يُنْضِهِ الكَذِبُ *** وَأَكْذَبَ السَّيْفَ إِنْ لَمْ يَصْدُقِ الغَضَبُ
لا نريد أن يكون انتصار الأمة لفلسطين، والجزائريين منها على وجه الخصوص، مجرد شحنات غضب يتم تفريغها في تظاهرات شعبية بالشوارع أو مشاركة منشورات ناريّة وصور فظيعة على مواقع التواصل، بل الأصل أن تكون فعلا واعيًا ممنهجا في توطين المقاومة وشدّ عضدها على الأقل بالمال.
الحمد لله أنّنا في دولة نظامها السياسي قوميٌّ ثوري حتى النخاع، ما زال ثابتًا في زمن التطبيع والخذلان على نصرة القضايا العادلة، لم يحِد عن قيم ثورة نوفمبر، بل إن الجزائر في طليعة الأقطار العربية، من ناحية الالتزام بدفع الاشتراكات المالية الموجَّهة للفلسطينيين، ونشاطات دعم القضية فوق أرضها ميسورة ومسنودة رسميّا وشعبيّا، وسبل إيصال المساعدات العينية والنقدية متاحة لجميع المتبرّعين عبر جمعيات وطنية لها خبرة دولية في العمل الإغاثي، كما أنّ مؤسسة الشروق الإعلامية فتحت عبر حسابها الخيري حملة تضامن مغاربيّة.
أيها الجزائريون أنفقوا في سبيل الله نصرة لفلسطين، لتحوزوا شرف الجهاد بالمال ضدّ الاحتلال الصهيوني، وعلى الأئمة وشيوخ الفتوى حضّ أصحاب الأموال والزكوات على تقديم عطاياهم لأهل غزّة والمقاومة، فقد صارت إغاثتُهم فريضة دينيّة عاجلة، ضمن أولويات المقاصد الشرعيّة في هذه المرحلة الحرجة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!