-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مديرة البوابة العالمية للحرف حسيبة بوسالم في حوارها مع جواهر الشروق:

ورثت صناعة الفخّار من جدّتي وحرفتي ألهمتني الشّعر

أماني أريس
  • 5552
  • 0
ورثت صناعة الفخّار من جدّتي وحرفتي ألهمتني الشّعر
ح.م
حسيبة بوسالم

بأناملها الذهبية تطوّع الطين والنار إلى أشكال تحمل عبق الماضي ثم تكسوها حلّة ساحرة من رسوماتها الفاتنة، موهبتها في الرسم تأبى القيود والحدود فتجود بها على الأواني والتحف المصنوعة من الخزف والسيراميك و الورق والجدران والألواح والأقمشة والجلود، ومن شدة عشقها لحرفتها استلهمت منها الشّعر ونظمت ديوانا شعريا من وحي الأرض والطين.. إنها الحرفية المبدعة حسيبة بوسالم التي فتحت قلبها لجواهر الشروق وسردت لنا قصة نجاحها من الألف إلى الياء في الحوار التالي :

من هي حسيبة بوسالم

أنا إنسانة مشدودة دائما إلى أصلي الصّلصالي، وأمي الأرض، فكل مواد الطبيعة والأرض من طين وجلد وحبر وألوان هي خامات وأدوات إبداعي، ومصدر رزقي، وملهمة شعري، ولدت بمدينة وهران عام 1970، حائزة على شهادة مهندسة دولة في تكنولوجيا النسيج بدرجة جيد جدا. حالت أزمة التسعينات في الوطن دون حصولي على منصب شغل بشهادتي الجامعية، فعدت إلى هوايتي أراودها، وانطلقت من هاوية بسيطة في بداية شبابها لأصبح اليوم وبعون الله وفضله مديرة البوابة العالمية للحرف بالجزائر، وشاركت بأعمالي في عدة محلية و دولية وحققت بها نجاحا لا يسعني سوى أن أحمد الله عليه.
من التفوق في هندسة النسيج إلى التفوق والتميز في هندسة الأواني والتحف الفخارية والرسم عليها يبدو أن حجر عثرتك بأزمة الوطن كانت ضارة نافعة أليس كذلك؟
مؤمنة دائما بحكمة الله وعدله في قضائه وقدره، وبأهمية الصبر واجر الصابرين، وشعاري في الحياة عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، والحمد لله هذا ما حصل معي؛ فأنا كابدت في سبيل دراستي الحاجة ومشاقّ البعد عن أهلي خلال دراستي الجامعية واضطررت إلى الاستنجاد بموهبتي في الرسم وأنا طالبة جامعية، فكنت أتفنّن في الرسم على الرسائل داخل غرفتي في الإقامة الجامعية، وأقوم ببيعها لأحصل على نفقات دراستي، وفي آخر سنة دراسية بالجامعة وجدت أنني أحتاج إلى مصاريف أكبر لإنجاز مذكرة تخرّجي فقمت بشراء أوان فخارية جاهزة وزينتها برسوماتي وشاركت بها في معرض جامعي، والحمد لله وجدت إقبالا لم أكن أتوقعه وبعتها كلّها، وبطبيعة الحال كنت مثل أي طالب أطمح إلى إيجاد منصب شغل بشهادتي الجامعية، خاصة وأنني كنت متفوقة في دراستي، لكنني اصطدمت بواقع صعب كما سبق وأن قلت في منتصف التسعينات، ولم أتمكّن من العثور على عمل بشهادتي فقررت الاسترزاق من موهبتي التي أعشقها، ففتح الله لي بها أبوابا رزق واسعة والحمد لله. لذلك أنصح كل الشباب اليوم بعدم الاستسلام لليأس واستغلال المواهب والحرف فالله لا يضيع أجر المحسنين والمجتهدين.

يقال أنّ المواهب تورّث ممن ورثت حسيبة موهبتها في تطويع الطين والرسم عليها؟

حتى أنصف نفسي موهبتي لا تنحصر في صنع الفخار والرسم فقط، فانا وجدت الفنون ذات شجون يدعو بعضها بعضا، أناملي تطوّع الطين والريشة، وقلبي ولساني ينطقان الشعر، وحنجرتي تصدر الألحان هكذا أنا لا أعترف بالقيود ولا أحسن التّقتير فيما أهوى من كل جميل وطيب.
ملهمتي ومدرستي الأولى هي جدتي رحمها الله التي تعلمت منها الكثير من الأمور، منذ طفولتي كنت أزورها في بيتها القروي الجميل في تيزي وزر، أرصد كل حركة من حركاتها، وأعجب بها إعجابا كبيرا وهي منكبّة تصنع أواني الفخار، كنت أراقبها في كل مراحل عملها عندما تحضر الطين وتعدّه وتمسّل منه أوانيها بإتقان ودقّة، ثم تضعها لتجف في الهواء، وبعدها تشعل لها روث الأبقار الجاف، وتحرقها فيه لتصبح أكثر صلابة وتماسكا ،ثم تخرجها حمراء كالجمر. كانت بالنسبة لي هي ذاتها تحفة فنية تستدعي التأمّل، وآية من آيات الله في تفانيها وتماهيها مع عناصر الطبيعة الأربعة؛ الأرض، الماء، الهواء والنار، كنت أرى روحها تنفجر إبداعا أناملها تطوّع الطين، ووجدانها وإحساسها ينطقها الكلمات مسجوعة وحنجرتها تصدر الألحان. أظنني ورثت منها كل هذا وتعلمت منها فضائل المهنة كالحبّ والصبر والتفاني والإخلاص. ولشدة تأثري بها قمت بأول عملية رسم على الفرن التقليدي الذي صنعته من الطين وأنا طفلة صغيرة.

يا سلام عليك، تشكيل ورسم وشعر وغناء، هل ترين ان هذه المواهب متكاملة فيما بينها أو أن هناك قاسما مشتركا يجمعها؟

القاسم المشترك بين مواهبي هو الوجدان والإحساس الذي يفجّرها، هو الهوية الإنسانية التي تنطلق منها. كل منها تمكنني بطريقتها من التعبير عن انشغالاتي وإحساسي وحساسياتي الجمالية الخاصة.

لو نطقت تحفك ورسوماتك ماذا ستقول؟

ستكشف هواجس نفسي ومزاجياتها، ستسرد تاريخ صراعاتها التي ينتصر فيها الجمال الخالص بأبعاده الإنسانية، هي ذاكرة الماضي، ومؤرخ الحاضر، وعرّاف المستقبل.

عندما تنزوي حسيبة في ورشتها أو في غرفتها لتطلق العنان لإبداعها هل تغادر الزمان والمكان وتهرب بعيدا عن قبح الواقع؟ أم تخوض ثورتها عليه وتعبر من خلاله عن قضاياها المبدئية والوجودية؟
يمكنني الإجابة على سؤالك من خلال تعريف بسيط للفنان، الفنان برأيي ليس كل من يمتلك موهبة، ومن يستحق لقب فنان ليس كل من يجيد فعل شيء، إنما الفنان هو من يستطيع أن يعكس لنا حقيقته النّاصعة من خلال فنّه، فيكشف لنا مبادئه وفلسفته في الحياة، وكل ما يخالج صدره، الفنان هو من ينفخ من روحه في أعماله الفنية.

حقّقت الكثير من النجاحات وحصلت عشرات التكريمات حدثينا عن أكثر عمل أو تجربة تعتزّين بها؟

بعدما تخرجت من جامعتي ولم أجد عملا وقررت احتراف صنع الفخار و الرسم، استدعاني احدهم لأرسم له على الأواني الفخارية، وعملت معه لفترة قدمت فيها مجهودا كبيرا لكنه لم ينصفني وأعطاني مبلغا زهيدا، مع ذلك كنت سعيدة جدا بتلك التجربة لأنني تعلّمت فيها الكثير من الخبرة، وعرفت الطرق الحديثة لصنع السيراميك غير الطرق التقليدية، وفي تلك الفترة صنعت قلّة كبيرة من الفخار بارتفاع متر ونصف وقمت بحرقها في فرنه الخاص ودفعت له مقابل ذلك، وكنت أقول في نفسي ليتني أمتلك فرنا خاصا بي مثل هذا. كان بالنسبة لي امتلاك فرن خاص لحرق أواني الفخار حلما بعيد المنال. لكن الله منّ علي بكرمه وحقق لي حلمي، فبعد أن أنهيت القلّة التي صنعت قمت بزخرفتها وشاركت بها في اكبر معرض وطني ، فنالت إعجاب كل الحاضرين، بما في ذلك وزير السياحة والصناعات التقليدية السيد لخضر ضرباني آنذاك الذي تفاجأ عندما عرف أنني أنا صاحبة القلّة، وكنت يومها شابة صغيرة فسألني إن كنت أحتاج دعما أو مساعدة فقلت له أحتاج إلى فرن خاص فوعدني بتقديمه لي ووفى بوعده، كانت أغلى جائزة أعتزّ بها. ولا أنسى حصولي على أوّل جائزة نلتها وأعتز بها كثيرا كانت سنة 1996 بتيزي وزو مسقط رأسي، حيث نلت الجائزة الأولى في الفن البلاستيكي لتتوالى بعدها الجوائز والتكريمات بفضل الله وحمده.

حسيبة بوسالم مثال للمرأة الجزائرية المتميزة في نجاحها ما سرّ تميزك ومن كان وراءه؟

سرّ التميّز هو الاجتهاد والإصرار والبحث وعدم الاكتفاء بما هو موجود، لكي نبدع لابد لنا من صنع أشياء لم يصنعها غيرنا، يجب أن نبتكر ونضيف لأعمالنا لمساتنا الخاصة، بخصوص الدعم دائما اقو ل وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة، ووراء كل امرأة عظيمة رجلا عظيما، فوالدي الذي اعتبره عظيما بكفاحه من اجلنا كانت خلفه جدتي العظيمة بكفاحها وصبرها وهو بدوره كان سندا لي ومشجعا رغم انه اعترض على عملي في صنع الفخار في البداية، وكان يقول لي كيف درست وتخرجت مهندسة لتصنعي الفخّار، لكنّني كنت مؤمنة جدا بموهبتي وكنت أقول له الإنسان أعظم المخلوقات، خلقه الله تعالى من الطين، فلماذا نتكبّر نحن على الإبداع من الطين؟ وعندما نجحت وأصبحت أحصد التكريمات، والجوائز اِعترف والدي بخطئه، وأصبح فخورا جدّا بي وشجعني كثيرا. أما الرجل العظيم الثاني هو زوجي حفظه الله الذي قاسمني كل مراحل أعمالي، وشجعني بكل الطرق و رافقني في كلّ رحلاتي من أجل المشاركة في المعارض.

من خلال مشاركاتك في مختلف المعارض محليا ودوليا كيف تقيمين ثقافة الجزائريين ومدى إقبالهم على هذا النوع من الفنون مقارنة بغيرهم؟

بالفعل شاركت في عدة معارض داخل الوطن وخارجه وجدت أن الجزائريين أوفياء للأصالة، ويقدرون هذا الفن كثيرا الذي هو من عمق ثقافتنا الأمازيغية، والدليل هو حضورهم المعارض وإقبالهم على اقتناء أجمل التحف، فما من بيت جزائري يخلو من تحفة إبداعية من الفخار أو السيراميك.

تراث البلاد متأصل فيك وتعبّرين عنه في باكورة تجربتك الشعرية الموسومة بـ ” تراثيات بلادي ” حدثينا عن هذه التجربة؟

كما حدثتك سابقا جدتي رحمها الله كانت ترفق عمل يديها بالغناء الذي ترتجل كلماته في الكثير من الأحيان، وجدت نفسي مثلها اشعر أن عملي يحتاج إلى نغم ليكتمل الجمال، فأصبحت كلما جسدت تحفة رافقتها بأبيات شعر ملحون موزون، فدوّنت بذلك العديد من القصائد في كتاب تحت الطبع عنونته “تراثيات بلادي” تغزلت فيه بالأرض، الأم الحنون والطين أصل الإنسان، والحرفة مورد الرزق ومنبع الفرحة وأشياء كثيرة. وميزة الكتاب تكمن في كونه أوّل ديوان شعر ملحون على شرف الحرفة اليدوية الأصيلة، إضافة إلى فكرة تدوينه فأول طبع له كان بيدي على جلد الماعز وحظيت الفكرة بإعجاب كل من يراه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!