-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وزارة التربية… تُـبْـدع!

وزارة التربية… تُـبْـدع!
أرشيف

بمناسبة الاحتفال باليوم الدولي للرياضيات، نظمت وزارة التربية تظاهرة ثرية بالنشاطات العلمية الهادفة اكتشفنا فيها توجهًا جادًا بعيدًا عن الاحتفالات الفلكلورية المبتذلة. فمنذ أسابيع كثّفت الوزارة التحضيرات لإعطاء هذا اليوم ما يستحقه من عناية، بغرض لفت الانتباه إلى أهمية الرياضيات في التكوين الفكري للتلميذ، وفي الحياة العامة في كافة البلدان. وذلك تماشيًا مع شعار اليونسكو لهذا اليوم الذي يدعو الرياضيات إلى الإسهام في الرقيّ إلى “عالم أفضل”.

تكريم النجباء الـ 9+3

وفي نظرنا، فالمهمّ في مثل هذه المناسبات ليس إبراز دور الرياضيات أمام التلاميذ، بل الأهمّ هو أن نتعرّف على فئات النجباء عبر الوطن في هذا الفن. ذلك ما سعت إليه وزارة التربية هذه المرة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، طلبت مصالحها المركزية، قبل نحو شهر، أن تجري مديريات التربية في كل ولاية مسابقة تشمل تلاميذ الأطوار الثلاثة (الابتدائي والمتوسط والثانوي) على أن نستخرج أسماء التلاميذ الخمسة الأوائل من كل طور وفي كل ولاية.

ثم أجريت مسابقة وطنية عن بعد لما مجموعه يناهز 750 تلميذا لهؤلاء الفائزين ولائيًا. وبطبيعة الحال، لم تكن هذه العملية يسيرة على المستوى الولائي ولا المركزي. وقد أفرزت تلك المنافسات أسماء 9 تلاميذ (3 من كل طور) يُعتبرون الفائزين على المستوى الوطني. وكان اليوم الدولي للرياضيات مناسبة لتكريمهم حضوريًا في ثانوية الرياضيات بالقبة خلال هذا الحفل.

ولم تكتفِ وزارة التربية بهذه المبادرة، بل فتحت مسابقة لأساتذة الرياضيات ومفتشيها ومفتشي التعليم الابتدائي، شارك فيها المئات. واللافت أن الفائزين الثلاثة في هذه المنافسة كانوا فائزات كُرِّمْن أيضا خلال هذا اليوم.

وبهذه الطريقة، تتعرّف السلطات على المواهب في صفوف التلاميذ وفي جميع الأطوار، وكذا في سلك الأساتذة والمفتشين. إنها مبادرة طيّبة ينبغي على السلطات مواصلة العمل بها ومرافقة هؤلاء النجباء من سلك التعليم (تلاميذ وأساتذة ومفتشون). كما ينبغي أن تُعمّم أيضا لتشمل كل المواد التي تدرّس في مؤسسات وزارة التربية.

 نجباء أخرون…

لو اكتفى الحفل بإبراز هذه النخبة لكان حفلا غير مكتمل. فما لفت انتباهنا أكثر من ذلك هو النشاطات التي تخللت التكريمات، سيما مبادرات بعض الناشطين العلميين في البلاد.

فهذا الأستاذ عبد العزيز العرجاني، مدير”أكاديمية العباقرة” من جامعة جيجل، يتفانى في تدريب مئات التلاميذ الجزائريين على استعمال المعداد الياباني. وهذا المعداد هو أداة خشبية تقليدية تتكوّن من مستطيل اصطفت داخله، بالتوازي، قضبان يحمل كل منها 6 كريات. ويستعمل هذا المعداد في اليابان وبلدان أخرى عند إجراء العمليات الحسابية. ويرى خبراء تعليمية الرياضيات أن هذه الأداة وسيلة فعالة لتلقين التلميذ جملة من قواعد الرياضيات في سنّ مبكرة.

ومن المعلوم أن “أكاديمية العباقرة” مشروع يهدف إلى نشر ثقافة الحساب الذهني التي من شأنها رفع مستويات ومهارات الأطفال الذهنية. فعلى سبيل المثال، أظهر الحفل مجموعة من صغار التلاميذ تمّ تدريبهم على هذه الآليات فصار بإمكانهم إجراء عمليات حسابية طويلة خلال ثوان معدودات بعد أن أصبحوا يتعاملون مع المعداد افتراضيًا، أي بتصوّره في المخيّلة وكأنه بين اليدين! وقد نال هؤلاء التلاميذ المهرة عدة جوائز عالمية.

كما أفحمنا طبيب من الغرب الجزائري شارك في الحفل مع كوكبة من التلاميذ الذين دربهم على كثير من العمليات الحسابية وغيرها، ومنها تدريب الذاكرة على حفظ ما تراه العين. فقد أظهر مثلا لأحد التلاميذ على شاشة كبيرة تقابل الجمهور عددا من 90 رقما كل منها يساوي 1 أو 0. ثم طلب من التلميذ النظر إلى الشاشة، وتذكّر ترتيب تلك الأرقام. وما هي إلا دقائق حتى توجّه التلميذ نحو الجمهور ساردًا على الحاضرين الأرقام كما جاءت بترتيبها على الشاشة الواحد تلو الآخر.

ليس هنا مقاما للاسترسال في استعراض ما أظهرته عبقرية التلاميذ الوافدين من مختلف الولايات، ولا شك أن ما كشف هذا اليوم من مواهب هو قليل من كثير. وهذا يفرض على سلطاتنا مواصلة استكشاف هؤلاء ومرافقتهم وعدم الاكتفاء بالتعريف بهم. والمرافقة تعني هنا رعايتهم وذويهم منذ اكتشاف عبقريتهم حتى انتهائهم من الدراسات العليا. كما اطلعنا الحفل على نشاط آخر لأحد الأساتذة يرمي إلى مشاركة الجزائر في المنافسات العالمية في المعلوماتية التي ستقام هذه السنة… وقد نجح في مسعاه.

 وماذا عن الآفاق؟!

وفي هذا السياق، لا بد أن نعترف بأن أفضل مبادرة جاء بها وزير التعليم العالي السابق شمس الدين شيتور هو فكرة فتح عدة مدارس عليا في تخصصات مختلفة تواصل العناية بمثل هذه المواهب في التعليم الجامعي. ثم رعايتهم بعد التخرج في باب التوظيف والرواتب… فهم أولى من غيرهم في أن يتقاضوا 15 أو 20 مرة الأجر الأدنى في الوظيف العمومي! ومن حسن الحظ أن مدرستين من هذا القبيل ستريان النور قريبا، وهما المدرسة العليا للرياضيات والمدرسة العليا للذكاء الاصطناعي.

ومن هذه الزاوية، نعتقد أن وزارة التربية قد نجحت في مبادرتها التي أبهرت الجمهور. وما هو مطلوب بإلحاح هو المواصلة في هذا الاتجاه بوضع إستراتيجية وطنية لا توضع في الرفوف كلما استبدل مسؤول سام بمسؤول جديد.

وبما أنه ليس هناك عمل بدون أخطاء، فلا بد أن نشير، بخصوص تنظيم هذا الحفل، إلى أن الوقت لم يكن كافيا ليشارك جميع من كان مبرمجًا، وحتى المتدخلون كانوا لا يتجاوزون 10 دقائق على المنصة… ولذا كان من الأفضل أن تمتدّ الفعاليات طول اليوم.

والأكثر من ذلك أن ضيق الوقت أدى بالمنظمين في وزارة التربية إلى إزالة مداخلات بعض من طُلب منهم تحضير مواضيع تندرج في سياق مثل هذه الاحتفالات. نقول إن هؤلاء المُزاحِين كان على المنظمين تبليغهم بتعذّر فسح المجال لمداخلاتهم، مع كلمة طيبة واعتذار. لكن هذا لم يحدث رغم التنبيه، وهذا خلافًا لما تمليه أخلاقيات تنظيم التظاهرات العلمية.

ومع ذلك، وكما أسلفنا، فالتظاهرة كانت ناجحة إلى أبعد الحدود، وهذا النجاح ينبغي استثماره وتعميقه لما فيه صالح البلاد والعباد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • الحسين

    ما أيسر أن تشعل شمعة أفضل من أن تلعن الظلام . دعواتنا وتحياتنا لكل زارع للأمل .

  • سي صالح

    نقول للمحسن أحسنت و للمسيء ....

  • ابراهيم طهراوي

    ان شاء الله لن تكون استثناء و المواصلة و التطور مستقبلا

  • منصور الغامدي

    سررت بقراءة هذه المقالة، وما وصلت إليه الجزائر من اهتمام بعلوم الرياضيات التي هي أساس مهم لبقية العلوم. شكرا لك دكتور سعد الله على هذا العرض الجميل لأعمال أبناء الجزائر.
    تحية لكم من السعودية

  • بن بولعيد

    العبثية والارتجال في تسيير بلد منذ الاستقلال ادي الي كوارث وازمات ومصائب وفتن لم تنتهي الي يومنا هذا - تضخم بطالة تقاتل علي الكراسي والمناصب نهب وسرقات لاموال الشعب وتحويلها لاوروبا وخاصة فرنسا تفقير للشعب وتجويع استهزاء بالامة........-