-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وزارة التربية: لامبالاة صارخة!

وزارة التربية: لامبالاة صارخة!
أرشيف

تدرس حاليًا وزارة التربية العديد من المشاريع التي من شأنها تحسين مستوى الأداء التربوي سواء تعلق الأمر بتكوين المكوّن أو تكوين المتعلم. كما أنها تسعى إلى تجديد بعض اللجان وإنشاء أخرى لبعث الحياة في بعض النشاطات. كل هذا جميل، لاسيما أن بعض تلك المهام تشترك في دراستها وزارتَا التربية والتعليم العالي.

لا يجوز لها السكوت!

ومن بين ما هو مشترَك بين الوزارتين مؤسساتُ المدارس العليا للأساتذة التي لها جناحان، أحدهما تحرّكه وزارة التربية والجناح الآخر تسيّره وزارة التعليم العالي. وفي هذا السياق، لجأت وزارة التعليم العالي قبل سنتين إلى إنشاء لجنة وطنية تُعنى بالشأن التربوي، كل مدرسة من المدارس العليا للأساتذة يمثلها عضوان، إضافة إلى عضوين ممثليْن لوزارة التربية.

وقد قامت وزارة التعليم العالي بإصلاح مناهج المدارس العليا في الثمانينيات من القرن العشرين وفي مطلع هذا القرن. وفي كل مرة كانت وزارة التربية حاضرةً وممثلةً بأعضاء شاركوا في وضع المناهج. وعلى سبيل المثال، فالمناهج الدراسية السارية الآن في هذه المدارس كانت وزارة التربية مشاركة في وضعها بقوة. وإلى جانب ذلك فكل التربصات الميدانية لطلبة المدارس العليا تتمّ في مؤسسات وزارة التربية. كما أن هذه الوزارة هي التي تُصدر كل سنة عقود التوظيف لخرِّيجي المدارس العليا، وتوظِّفهم في مختلف ولايات الوطن.

ومن هذا المنظور، نفهم أن وزارة التربية شريك، قلبًا وقالبًا، من قديم الزمان في كل مجريات المدارس العليا. ومن ثمّ، لا يجوز لها السكوت أو تجاهل وضع هذه المؤسسات عندما تظهر عقبة أو مشاكل تمس المنتسبين إليها.

ومن المعلوم أن الكثير من حملة البكالوريا الذين اختاروا مواصلة دراستهم في المدارس العليا فضلوا ذلك لأن هذه المؤسسات تضمن توظيفهم بعد التخرُّج. وهذا ما زاد في الإقبال على المدارس العليا وصار لا يدخلها إلا من له معدلٌ مرتفع في امتحان البكالوريا. ولذلك نعتقد أنه من الطبيعي أن يولي طلبة المدارس أهمية قصوى لموضوع التوظيف.

وقد زاد توتر هؤلاء الطلبة خلال السنوات الأخيرة عندما لاحظوا أن التوظيف ليس مضمونا في سنة التخرُّج، وأن ذلك متوقف على عدد المناصب المتاحة في كل ولاية، فمنهم من ينتظر سنة وسنتين وثلاث سنوات، ويظل بدون توظيف. بل سمحت وزارة التربية لنفسها خلال السنوات الماضية بتوظيف جماعي لخريجي الجامعات قبل تخرُّج طلبة المدارس الذين وجدوا مناصبهم قد شغلها غيرُهم.

ومنذ سنوات ظهرت مشكلة تخص توظيف الخريجين الحاصلين على الليسانس في الكيمياء والليسانس في الفيزياء، وهم جميعا قد تكوّنوا ليشغلوا منصب أساتذة مادة فيزياء/ كيمياء في ثانويات التعليم العام. بينما رأت بعض مصالح وزارة التربية تفضيل بعضهم عن بعض (عموما، يتمّ تفضيل حملة شهادة الفيزياء عن حملة شهادة الكيمياء عندما يكون عدد المناصب لا يلبّي رغبة الجميع). وهذا الوضع يطرح مشكلا تفاقم عبر السنين.

من المسؤول؟

كان بإمكان واضعي المناهج في مطلع القرن أن يوحدوا الشهادتين، وعندئذ لم يكن ليطرح هذا المشكل بتاتا. ويتساءل البعض: لمَ لمْ يفعلوا ذلك؟… ولو فعلوا لما ظهرت هذه المشكلة. وهذا صحيح! لكن سبب اللجوء إلى هذا الخيار الذي وافق عليه ممثلو وزارة التربية آنذاك مزدوجٌ: لم يكن يتصوّر واضعو البرامج أنه سيأتي يومٌ توقّع فيه وزارة التربة عقدا يُلزمها بتوظيف خريجي المدارس، ثم لا توفّر لهم مناصب في نهاية سنة التخرّج، وحتى بعد التخرج بسنوات.

والسبب الثاني أنه منذ إنشاء المدارس العليا، بُعَيْد الاستقلال، كانت وزارة التربية تسمح كل سنة لنسبة مئوية من الخريجين (النخبة منهم) بمواصلة دراستهم العليا، ويصبحون أساتذة في التعليم العالي فكانوا خلال عقود ركائز في مختلف جامعات الوطن بفضل تكوينهم المتميّز. ونظرًا لإصلاحات مسار التعليم العالي وظهور نظام الماجستير، ثم نظام ل. م. د، ولكي يستطيع بعض خريجي المدارس العليا المشاركة في تلك المسابقات كان لا بدَّ أن تحمل شهاداتهم طابعا تخصصيا أيضا.

ولذلك قرّر واضعو المناهج التمييز بين حاملي شهادتي الفيزياء والكيمياء، فكلاهما يتخرج بزاد كاف لتدريس مادة فيزياء/ كيمياء في ثانويات التعليم العام. وإلى جانب ذلك يستزيد طالب الفيزياء بمواد تتيح له المشاركة في مسابقات الماجستير أو الماستر أو الدكتوراه في تخصُّص الفيزياء، بينما يستزيد طالب الكيمياء بشيء مماثل في مادة الكيمياء. ذلك كان رأي واضعي المناهج. فما الذي يُعاب عليهم الآن؟ بل نرى أنهم كانوا بعيدي النظر أكثر ممن يوجّهون لهم أصبع الاتهام الآن من مسؤولي وزارتي التربية والتعليم العالي.

وما جعلنا نكتب اليوم حول هذا الموضوع بالذات هو الانسداد الحاصل في المدارس العليا التي يتخرج منها حملة شهادتي الليسانس في الفيزياء والكيمياء، لاسيما مدرسة القبة التي يقوم طلبتها منذ فترة طويلة بغلق الأبواب وعرقلة النشاط البيداغوجي بما في ذلك الامتحانات. وقد بلغ الوضع حدّ التعفن وليس من المستحيل أن يؤدي إلى سنة بيضاء. ولذلك طلبت عدة جهات، ومنها وزارة التعليم العالي، من وزارة التربية توضيح الأمر للطلبة المحتجّين في مراسلة توجهها لمديريات التربية أو للمدارس العليا فرُفض الطلب وكأنَّ الأمر لا يعني وزارة التربية في شيء. بينما الأمر يعنيها على أكثر من صعيد؛ فالمشكل الذي يطرحه الطلبة هو مشكل توظيف بحت، والجهة المستخدِمة التي ستوظف هؤلاء هي وزارة التربية.

وتعفُّنُ الوضع يعني أنه سيؤدي إلى خرّيجين تكوّنوا في ظروف صعبة غير ملائمة للتحصيل العلمي كمًّا وكيفًا. ومن سيتحمل تداعيات سوء التكوين؟ هو وزارة التربية وتلاميذها، ثم المجتمع بأسره. وبعد كل ذلك، وحتى إن كان الأمر لا يعني أيّا كان، أين هو “التضامن الحكومي”؟ أليس من واجب أي وزارة أن تمدّ يد المساعدة إلى وزارة أخرى تابعة لنفس الحكومة عندما تواجه هذه الأخيرة عقبات؟!

وأخيرا، أين هو الواجب الوطني الذي يملي علينا جميعا أن ندلي بدلونا في الصالح العام إذا ما اقتضت الضرورة واشتدَّت الأزمات؟ ولذا نقول ونجزم أن وزارة التربية ومسؤوليها خيّبوا آمالا كثيرة بلامبالاتهم الصارخة في وقت كان الوضع ولا يزال في أشد الحاجة إليهم. إن قوة الشعور بهذا الواجب هو الذي يملي على صاحبه اتخاذ القرار المناسب، فإذا ضعُف هذا الشعور أو انعدم ضاعت مصالح الأمة… فكيف ترضى حكومة بتردي وضع كهذا في الوقت الذي هي قادرة على تسويته بجرَّة قلم؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!