الرأي

وزارة التعليم العالي تُعطّل مخابر البحث!

أرشيف

في الوقت الذي تسعى فيه كل البلدان عبر العالم، أكثر من أي وقت مضى، إلى مساعدة ومرافقة قطاع التعليم والبحث العلمي، نجد وزارة التعليم العالي عندنا تعطّل عن قصد بعض مخابر البحث. ومع ذلك تطالبها بتقديم حصيلة إيجابية فيما تقوم به من نشاطات في مجال تخصصها. والواقع أن الأمر أدهى من ذلك عندما ننظر إليه عن كثب.

قانون بيروقراطي جائر

 لا نعتقد أن الجمهور العريض على دراية بما تحيكه وزارة التعليم العالي من عراقيل في وجه المدارس العليا للأساتذة منذ سنوات. وقد اشتدّ هذا التضييق بعد غلق باب شهادة الماجستير في المؤسسات الجامعية واستبدلت في نظام “ل م د” بشهادة الماستر. لقد توالى المسؤولون على مديرية التعليم بوزارة التعليم العالي خلال السنوات الخالية، وتوالى المشرفون على الأمانة العامة للوزارة، وتوالى الوزراء على رأس هذا القطاع، وتبين في آخر المطاف أنهم جميعا، وبأساليب مختلفة، يعملون على كسر جناح البحث العلمي في المدارس العليا للأساتذة وتضييق الخناق على نشاطاتها لأسباب نجهلها.

يزعم جلّ هؤلاء، وحتى بعض الزملاء في الجامعات عبر الوطن، أن المدارس العليا للأساتذة لا مهمّة لها سوى منح شهادة الليسانس للطلبة المسجلين فيها وإرسالهم إلى المؤسسات التربوية التابعة لوزارة التربية الوطنية ليظلوا فيها حتى إحالتهم على التقاعد. إنها رؤية مضحكة تنمّ عن جهل أو خبث أو الاثنين معا!

فكيف تقوم وزارة التعليم العالي بالتضييق على مؤسسة تابعة لها تمنح شهادات من مستوى “باك+5” في مختلف التخصصات الدقيقة؟ يتم هذا التضييق من خلال حرمان طلبة المدارس العليا للأساتذة ومكونيها من الاستزادة في طلب العلم والبحث فيه؛ وذلك بغلق كل أبواب مواصلة الدراسة أمام الطلبة المتفوّقين وإقامة جدار يعرقل نشاط المكوّنين من الأساتذة الباحثين في أداء مهامهم وفي إفادة طالبي العلم! كل هذا يحدث بسبب قوانين بيروقراطية جائرة لا يتطلب إلغاؤها أكثر من جرة قلم… لأن المَرافق اللازمة قائمة ولا تتطلب أي تمويلات جديدة والموارد البشرية متوفرة في عين المكان من أساتذة باحثين وطلبة متعطشين إلى طلب العلم.

من جهة أخرى، فليس سرًا أننا في الجزائر ورثنا نمط الدراسة والمؤسسات التعليمية من فرنسا… ولا زلنا نتبع خطواته إلى اليوم. والدليل على ذلك أننا تبنّينا في جامعاتنا نظام “ل م د” لأن فرنسا انتهجت ذلك النظام. فلِمَ لا ننظر إلى ما هو عليه الحال هناك في شمال المتوسط : أليست المدارس العليا للأساتذة مجهزة بمخابر تسهم بقوة في تكوين خيرة الباحثين في فرنسا وتمنحهم أرقى الشهادات؟!

الوزارة تعطّل مخابر البحث

عندما فتحت المديرية العامة للبحث العلمي في مطلع هذا القرن باب إنشاء مخابر البحث في المؤسسات الجامعية، كانت المدارس العليا للأساتذة سبّاقة إلى تأسيس مثل هذه المخابر، وبوجه خاص في العاصمة. وقد سمح لها ذلك في وقت مبكر بالإشراف على تكوين مئات الدكاترة وحملة الماجستير في مختلف التخصصات العلمية البحتة والعلوم الإنسانية. وهذا شرف لها ولوزارتنا وللبلاد.

لكنه من الواضح أن هذا لم يرض أصحاب القرار في الوزارة… بل سمعنا أن من المسؤولين من قال إن فتح تلك المخابر في المدارس العليا كان خطأ!! ومما لا شك فيه أن ذلك ما دفع بمثل هؤلاء المسؤولين منذ سنوات إلى العمل على وقف نشاط تلك المخابر وعرقلة أدائها.

ليتصوّر القارئ أن هناك في المدارس العليا للأساتذة الآن أزيد من 20 مخبر بحث ينتسب إليها عشرات الباحثين عاطلة عن النشاط منذ سنوات بقرار الوزارة القاضي بمنع فتح أي ماستر أو دكتوراه في هذه المؤسسات. وتصرف مسؤولي التعليم في وزارة التعليم العالي يندى له الجبين ولا يخطر ببال عاقل، بل إنه تصرف يستحق المتابعة والمساءلة : فعندما بلغ ضغط طلبة المدارس أشدّه وكاد يخرج إلى الشارع أمرت الوزارة بفتح شهادة الماستر في هذه المؤسسات -ذرًا للمراد في العيون- وذلك في منتصف السنة الدراسية.

 ويترشح لهذا الماستر خريجو المدارس العليا الذين يزاولون مهامهم التعليمية في مؤسسات وزارة التربية إلى جانب قلّة من خريجي الجامعات. وعلى المترشّح خريج المدارس الحصول على موافقة وزارة التربية. كما طالبت الوزارة أن تكون مناهج هذه الشهادات مرتكزة على التعليمية (طرق التدريس)! والأسئلة التي تطرح هنا هي :

أولا : إذا ما أخذنا الأمور بجدية في مجال التحصيل العلمي (وهو ما كان ينبغي على الوزارة أن تسهر عليه)، وتمّ تسجيل طالب من هذه الفئة في الماستر، فكيف سيوفِّق بين الدراسة في الماستر والتدريس في الثانوية أو المتوسطة؟ ذلك أن الدراسة في الماستر تتطلب تفرغا تاما، كما أن التدريس في المؤسسات التعليمية يتطلب تفرغا مماثلا! ومن هنا نرى أن الحلّ حلّ تلفيقي أجادت الوزارة تلفيقه، حيث يتم هذا التكوين في الماستر عموما خارج أوقات عمل المؤسسات التعليمية في وزارة التربية.

ثانيا : كيف سيتصرف من يتم تسجيله مثلا في العاصمة، وهو يدرّس في ثانوية في ولاية نائية؟

ثالثا : كيف تأذن وزارة التربية لهؤلاء الطلبة بمزاولة دراستهم بدءا من شهر جانفي بعد أن قضوا مع تلاميذهم في الثانويات والمتوسطات شهورا عديدة؟

رابعا : يتساءل جلّ الطلبة : ما الفائدة من هذا الماستر إذا كان التركيز فيه على الجانب التعليمي ومناهجه حيث لن يسمح للحاصل عليه بالتسجيل في الدكتوراه لعدم وجودها في هذا الاختصاص؟

خامسا : بعد كل هذا، كيف نطلب من طالب درس 5 سنوات بعد الباكلوريا، وكان متميزا في هذه الشهادة أن يدرس سنة إضافية (سنة سادسة) للحصول على مستوى الماستر؟! أليس هذا ظلمًا في حق طلبة المدارس العليا؟

أليس من العدل، ومن واجبات خدمة البلاد، أن تُمنح لطالب المدرسة شهادة تحمل اسم “ماستر” تسمح له بالترشح للدكتوراه حسب اختصاصه إن رغب في ذلك؟ كيف استطاعت البيروقراطية القاتلة أن تستحوذ على فكر أصحاب القرار فحالت دون أن يتخذوا القرار الطبيعي الذي يخدم البلاد والعباد؟

وأخيرا، أليس أجدر بهؤلاء المسؤولين أن يزيلوا الحواجز التي وضعوها بأيديهم أمام أزيد من 20 مخبرا تضمّ العشرات من أساتذة التعليم العالي أثبتوا جدارتهم في تكوين الباحثين والمكوّنين من كل المستويات؟ كيف ذلك؟ بإلغاء القوانين الجائرة في حق المدارس العليا للأساتذة.

مقالات ذات صلة