-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

.. وعادت فرنسا إلى عادتها القديمة

.. وعادت فرنسا إلى عادتها القديمة

تختلف الروايات حول أصل المثل العربي الشهير “عادت حليمة إلى عادتها القديمة”، لكن القصص التاريخية حوله تلتقي في كونه عبارة أطلقت على امرأة تعجز عن تغيير عاداتها رغم تغير الظروف، وهو ما يمكن إسقاطه على علاقة فرنسا بالجزائر، التي ما إن يبزغ بصيص أمل حول عودتها إلى السكة، حتى تشهد انتكاساتٍ تعيد الأمور إلى نقطة الصِّفر.

وأعطت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر صيف 2022، والتي تُوِّجت بتوقيع “إعلان من أجل شراكة متجددة”، إشارات بأنَّ البلدين تجاوزا مرحلة جفاء، وأن باريس قررت فعلا التخلي عن نظرتها الاستعلائية في التعامل مع مستعمرتها السابقة، من خلال علاقة الند للند وسحب الملفات التاريخية العالقة من التوظيف السياسي وتكليف أهل الاختصاص بها.

وتلت تلك الزيارةَ خطواتٌ أخرى مثل تبادل الزيارات والوفود على أعلى مستوى، بشكل أعطى انطباعا بأن العلاقات بين البلدين تجاوزت منطقة “الشك”، وهي تتجه إلى إرساء شراكة على أسس جديدة، لكن تلك التوقعات أظهرت الأيام أنها مجرد سراب.

كما أظهرت الأحداث أن تحديد مصير هذه العلاقات أكبر حتى من إرادة الرئيس الفرنسي، الذي ظهر بعد حادثة تهريب أميرة بوراوي، وهو يشتكي من طعنات في ظهره لتسميم العلاقات مع الجزائر.

ولم يتوقف الأمر عند هذه القضية، بل توالت الطعنات بعدها بإخراج أوراق اتفاقية الهجرة لعام 1968، التي انتقل مطلب مراجعتها من جانب واحد، من حلبة النقاش السياسي الذي قادته وسائل إعلام وشخصيات يمينية، إلى محطة أعلى بعد أن تبنته شخصياتٌ رسمية.

كما تحوَّل مرسومٌ رئاسي حول النشيد الوطني “قسما”، يخص شروط أدائه وظروفه خلال المناسبات الرسمية، إلى مادة دسمة للنقاش في فرنسا، بسبب مقطع “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب”.

وهذا المقطع الموجود في النشيد الوطني منذ عام 1956، تم استدعاؤه هذه المرة للخوض في الشأن الجزائري، وانخرطت في الحملة أيضا وزيرةُ الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، التي منحت نفسها حقَّ إملاء مواقف على دولة أخرى، بالقول إن هذا المقطع تجاوزه الزمن.

والغريب أن هذه الحملة تزامنت مع التحضير لزيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس، وتصريحات رسمية في فرنسا حول أهمية العلاقات مع الجزائر، وضرورة النظر إلى المستقبل وتجاوز عقبات الماضي، في وقت مازالت فرنسا وساستُها ونخبها غارقين في الفكر الاستعماري البائد، الذي لم يعد ينطلي حتى على أنظمة وبلدان إفريقية كانت إلى وقتٍ قريب تغيِّر سياساتِها وحكامَها بإشارة من باريس.

ويشبه هذا الوضع الذي تعيشه العلاقات الجزائرية الفرنسية، ما كانت عليه منتصف السبعينيات في عهد الرئيس الفرنسي الراحل جيسكار ديستان، إذ عاشت حالة شد وجذب، وتناقض بين محاولة تطبيعها رسميا مقابل قرارات وتوجهات وُصفت بـ”المعادية للجزائر”.

وكان ديستان أول رئيس فرنسي يزور الجزائر عام 1975، في محاولة لتطبيع العلاقات، وكانت الزيارة مسرحا لتصريحات سياسية مثيرة، بينه وبين الرئيس الراحل هواري بومدين ومنها قول ديستان إن “فرنسا التاريخية تحيي الجزائر الفتية”، ردا على تصريح الراحل بومدين بأن: “الجزائر المستقلة تحيي فرنسا”، وهما تصريحان يختصران طبيعة هذه العلاقة الحساسة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!