-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وعدُ الله آتٍ وفجر غزّة يلوح في الأفق

سلطان بركاني
  • 908
  • 0
وعدُ الله آتٍ وفجر غزّة يلوح في الأفق

لا تزال غزّة تُرسل إلى العالم بصور الدّماء والأشلاء، ولا يزال أصحاب الحقّ الصّامدون يروون الأرض المباركة بدمائهم الزكيّة؛ لعلّ ضمير العالم يتحرّك، ولعلّ الأمّة تستيقظ.. 17 ألف شهيد، وأكثر من 46 ألف مصاب، منذ بدء العدوان الصهيونيّ على القطاع.. لا تزال جثث الأطفال تنتشل من تحت الأنقاض مقطّعة، ولا تزال صرخات الأمّهات يتردّد صداها في الآفاق.. الاحتلال المجرم الجبان مصرّ على استهداف المدنيين حتى يضطرّ أهل غزّة للخروج منها.. حتّى مراكز الإيواء والمخيّمات لم تسلم من الإجرام، بل باتت تُقصف بالقنابل الحارقة.. أهل غزّة يُخرَجون من ديارهم بغير جريرة أو ذنب، إلا أنّهم قالوا ربّنا الله، ورفضوا أن يتركوا الأرض المقدّسة التي يحرسونها نيابة عن أمّة المليارين.
من المشاهد المؤثّرة التي تناقلتها القنوات والمواقع، في الأيام القليلة الماضية، موقف أم فلسطينية تبكي بقلبها قبل عينيها، وتستغيث العالم والمسلمين بروحها قبل لسانها، تقول: “اصحوا يا عالم! أين أنتم يا عرب؟ أين أنت يا مسلمين؟ نحن أخواتكم اصحوا! بالله عليكم اصحوا! أين النخوة؟ أين الدين؟ حرام عليكم.. بالله عليكم اصحوا.. متنا، ومات أطفالنا وشبابنا.. حسبي الله ونعم الوكيل”. صرخات لا شكّ أنّها صعدت إلى السّماء، وسمعها الملأ الأعلى قبل أن تنقلها الكاميرات لأهل الأرض، وقد سمعها العليّ الأعلى من قلوب المكلومين قبل أن تنطق بها المرأة، وقال سبحانه: “وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين”.
لعلّ تلك الأمّ المكلومة تريد أن تصرخ: “وامعتصماه”، لكنّها تعلم أنّ المعتصم قد مات قبل 1218 سنة؛ فمن سيسمع صرخاتها؟ باسم مَن مِن حكّام المسلمين ستنادي؟! ومن منهم يسمع صرختها؟ ومن سيلبّي صيحتها: ويقول: “لبّيك أختاه”؟!
مهما كانت جراح غزّة غائرة، ومهما كانت آلام قاتلة.. فإنّ الأيام التي بقيت تفصلنا عن نصر الله ووعده تتناقص.. نمرّ بظلمة حالكة، لكنّنا أصبحنا نترقّب طلوع الفجر أكثر من أيّ وقت مضى، ووالله لو أصبح تعداد الشهداء بمئات الآلاف -لا سمح الله- فإنّ يقيننا بنصر الله القادم سيظلّ قائما، ويقيننا بظهور الطّائفة المنصورة في أكناف بيت المقدس سيظلّ راسخا.
وكيف لا يزداد يقيننا ونحن نرى كيف بدأ السّحر ينقلب على السّاحر، وكيف بدأ المكر السّيئ يحيق بأهله.. أنفق البغاة مئات الملايير من الدولارات ليسوّقوا الأكاذيب ضدّ المرابطين، لكنّ كيدهم انقلب إلى نحورهم، وها هو العالم يرى أخلاق الإسلام الرفيعة في معاملة جند القسّام للأسرى، ويرى قوة الإسلام في صبر المسلمين في القطاع المحاصر على الجوع والتشريد وعلى فقد الأبناء والأحباب.. المئات دخلوا في دين الله بسبب مقطع “روح الرّوح وحده”.. وها هو العالم يرى صمود أسود الوغى وثباتهم في وجه جيش يصنف على أنه الأقوى في الشّرق الأوسط من خلفه أمريكا وأوروبا بالإعلام والمال والسّلاح والفيتو.. أكثر من 350 آلية ومدرّعة متطوّرة تمّ تدميرها.. ما لا يقلّ عن ألف جنديّ صهيونيّ نقلوا في الصّناديق.. هذا فضلا عن فرار مئات الآلاف من المستوطنين من فلسطين إلى أوروبا.
الآلاف من الغربيين بدؤوا يبحثون عن ترجمات القرآن الكريم، ليقفوا على آيات هذا الكتاب الذي يصنع ملاحم غزّة.. الغربيون بدأوا يفهمون الحقيقة أنّ دولهم تدعم اليهود من أموال الضرائب التي يدفعونها، ليجري اليهود خلف حلمهم الموهوم في إقامة دولتهم وانتظار مسيحهم الدجّال.. الوعي -بفضل الله أولا ثمّ بفضل بركات الجهاد في غزّة- يجتاح الغرب، وعمّا قريب ينقلب السّحر على ساسة الغرب الصهاينة خاصّة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا.. مهما استحوذوا على الأمم المتّحدة ومجلس الأمن، وجعلوهما رهن إشارة الصهاينة.. فإنّ الله من ورائهم محيط: ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ)).
كلّ هذه البركات وقد أقامت الجهادَ طائفة من الأمة؛ كيف لو تنادت الأمّة كلّها إلى الجهاد ضدّ المحتلين الغاصبين؟ هذه طائفة لا يجاوز تعداد جندها 50 ألفا، استطاعت أن تتحدى جيشا هو الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، مدعوما بأقوى دول العالم؛ كيف لو قامت كلّ دول المسلمين بهذا الفرض وأعلت رايته واستنفرت له الجموع وجيّشت له الجيوش؟
مهما سمعنا بأخبار كاذبة في الأيام القادمة عن تقدّم العدوّ الصهيونيّ على أرض العزّة، فينبغي ألا نشكّ في وعد الله، بل لو أعلن العدوّ الكاذب عن خلوّ غزّة من المقاتلين، فينبغي ألا نصدّق أكاذيب اليهود وأعوانهم من المنافقين والمرجفين.. لقد فعلها المرجفون في غزوة أحد وأشاعوا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- قد قتل، فاضطرب بعض المسلمين.. فأنزل الله على نبيّه بعد ذلك قوله: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين)).
إنْ حدث تراجعٌ لجند الله فبسببنا وبسبب خذلاننا ورضانا بالحياة الدّنيا من الآخرة.. وإن تقدّموا وانتصروا فبفضل الله ثمّ بثباتهم واعتصامهم بالله.. المهمّ أنّ يقيننا بنصر الله في النهاية ينبغي أن يظلّ راسخا لا يتزحزح.
قبل 789 سنة، حين دخل التتار بغداد سنة 656هـ، وقتلوا ما يزيد على 800 ألف مسلم.. ما كان أحد يتوقّع أن تقوم للمسلمين قائمة بعدها.. وحين طُلب من المؤرّخ ابن الأثير أن يكتب عن تلك الأحداث التي عاصرها، ظنّ أنها نهاية العالم، وأن تلك إحدى علامات الساعة، وأن كتابة التاريخ في تلك اللحظات لن يفيد؛ فرفض وقال مقولته المشهورة: “من الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟” ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا”.
لم يمرّ بعد تلك الواقعة سوى عامين، حتى كان التتار يتساقطون عند أقدام جند المسلمين بقيادة القائد البطل فطز، في معركة عين جالوت.. قال تعالى: ((أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)).
وعد الله ماضٍ وجند الأقصى لن يُقضى عليهم ولو اجتمع عليهم من في الأرض جميعا بحدّهم وحديدهم وجندهم وطائراتهم: ((وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُون)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!