-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وقفاتٌ مع واقع الأوضاع التعليمية في الجزائر

وقفاتٌ مع واقع الأوضاع التعليمية في الجزائر

إن المدرسة التي يُثار الحديث عنها في هذه الأيام، ويتحدث عنها المهتمون ويعلّقون على المستوى الذي أصبحت عليه في العقود الأخيرة، هي المدرسة التي ورثنا نظامها غداة الاستقلال، لأنها كانت تابعة لنظام أجنبي عن البلاد، هذه المدرسة هي التي أثارت النقاش بشأنها قناةُ “الشروق” في حصة خاصة موضوعها “أوضاع المدرسة في الجزائر والحالات التي تميّزها”، وهي الحصة التي أسهم في مناقشة أوضاعها عددٌ من المهتمين بسير التعليم عندنا، والتي كان لي إسهامٌ خاص بمناقشة بعض جوانبها، مناقشة طلبها مني الأستاذ عبد الهادي خربوش الذي وجّه اهتمامه باسم قناة “الشروق” إلى إشارة ما يجب توضيحه وإبراز وقائع للأوضاع التي شخَّصت سير التعليم انطلاقا من الإصلاح الذي عولج به الوضع الذي جعله المسؤولون السبيل إلى تكييف الوضع المدرسي، والذي كان له تأثير سلبي في بعض الجوانب.

ما رأيته في هذه المناقشات التي أسهم فيها عدد من المهتمين بالمدرسة، معلمون وأولياء ومهتمون، دفعني إلى التعليق عليها وكتابة مقالة أسعى من خلالها إلى توضيح بعض الجوانب التي لم يُبرزها النقاش، أودُّ أن ألخِّص تعليقي على موضوعها وأبيّن أن الموضوع المطروح بحاجة إلى توضيح وتحديد الجوانب التي يتطلبها النقاش، وأهمّ فكرة كان يجب أن تُطرح وتُوضَّح هي الإصلاح الذي جعله المناقشون أساس تنظيم الوضع المدرسي، والمنطلق الذي يقود إلى تكييف المحتوى وضبط الوضع المدرسي، كان المفروض أن ننطلق من بداية الإصلاح الذي كان أساس العلاج.

كان المفروض أن نبدأ الحديث عن الإصلاح الذي تم في سنة 1969 والذي حدّد المنطلق اللغوي الذي بدأ تنفيذه عام 1971، ثم الإصلاح الثاني وهو الإصلاح الشامل الذي وضع حدّا لنهاية النظام التعليمي الموروث في عام 1976، ونتائج هذا الإصلاح هي التي أسّست نظام التربية الوطني الذي اتبعته البلاد، وسيّرت به المدرسة وشرعت في العمل به منذ بداية الثمانينيات، هذه فكرة أولى حول الإصلاح الذي وجِّهت به المدرسة.

والفكرة الثانية التي طُرحت بها سياسة الإصلاح، وتم الشروع في تنفيذها عام 1989 حين بدأ التفكير في تشكيل لجان الإصلاح والمراجعة، ولكن ما قامت به هذه اللجان لم تناقشه الحكومة ولم تنفذ ما ورد في اقتراحاته، ثم جاءت الفكرة الخاصة بالإصلاح الهام عام 2000 حين أسس الرئيس بوتفليقة ورشة إصلاح كبرى باسم اللجنة التي أسند إليها المراجعة العلمية لواقع النظام التربوي بهدف تحديد مَواطن الاختلال واقتراح تصوّر حلول تثبت أركان السياسة التعليمية وتعالج الاختلالات، ولكن التقرير لم يحترم هذا الاتجاه، بل انحرف عن الخط الذي رسمه الرئيس، ودخل في متاهات فكرية وتجرّأ على الخوض في أمور تم الحسم فيها، وقدم تصوّرا مغايرا للسياسة الوطنية مستمدا من خارج محيطنا، وسبب هذا هو التجاذبات السياسية والتيارات الفكرية التي أصبحت متداولة، ولهذا لم تعالج اللجنة ما حدده الرئيس، فما وضّحه الرئيس هو أن السياسة المتبعة ترتكز على مبادئ وطنية ثابتة.

وقد حظيت بإجماع واسع على المستوى الوطني إلا أن تنفيذها لم يتم في نطاق مسعى شمولي منسجم، وبذلك شهدت منظومتنا أشكالا من القصور الفادح، فصارت عرضة للإكراهات التي صرفتها عن غايتها، ولكن اللجنة انحرفت عن الخط وعن التوجه الذي كان واضحا، وتناولت أمورا أخرى ليست لها صلة بالجانب التنفيذي ولا تعالج المشكلة، لكن الأهم في هذا الجانب هو ما بدأت الوزارة تنفذه بعدما قُدِّم التقرير، فالإجراءات التي بدأت تنفذها الوزارة مجانبة للسياسة التي تتبعها الدولة، ولم يرِد ذكر هذه الإجراءات في التقرير، وإنما هي قرارات أصدرها الوزير ونفذها، وأول قرار جعل الوزارة تقدم على اتخاذه هو إلغاء الأمرية الرئاسية التي حددت مبادئ السياسة الوطنية في تنظيم التعليم، وعزز الوزير هذه الإجراءات بإجراءات أخرى منها إقدامه على التخلي عن نظام التعليم الأساسي، وإلغاء العمل الموجّه لتطبيق المناهج التي كانت موجَّهة لتنفيذ العمل اليدوي الذي خُصصت له ورشاتٌ في المؤسسات، ومن الإجراءات الهامة والأساسية في نظام التعليم هي سياسة تكوين المعلمين، هذه السياسة تم إلغاؤها وإيقاف العمل بمعاهدها المتخصصة، وبقي الميدان فارغا من المعلمين الذين يتم إعدادهم، ما جعل الوزارة تلتجئ إلى التوظيف المباشر لتوفير العدد المطلوب من المعلمين.

وهناك إجراءات أخرى أقدم الوزير عليها، وهي الإجراءات الهادفة إلى هدم بناء السياسة التعليمية والتراجع عنها، ومن أهم ما كان يجب أن يناقَش في الحصة هو نظام التعليم الأساسي الذي هو توجه تربوي حديث فرضه التطوّر، وتأكدت قيمته من خلال المميزات التي شرحناها وهو أهم نظام عرفته المدرسة وكان محتواه العلمي يتم تطبيقه في ورشات العمل اليدوي المهيأة لذلك، وهذا ما دعت إليه المنظمة العربية للتربية من خلال كتب طبعتها ووزعتها على البلدان العربية، والمشكلة التي كنا نود إبرازها هي أن وزارة التربية بعد صدور التقرير شرعت في تنفيذ عدة قرارات ومنها: إلغاء نظام التعليم الأساسي والرجوع إلى النظام القديم الذي يفصل بين الابتدائي والمتوسط ويفرض امتحانا للانتقال إلى المتوسط.

إن إلغاء التعليم الأساسي هو أحد الأخطاء التي ارتكبها الوزير بعدما ارتكب الخطأ الأساسي في النظام التعليمي وهو إلغاء الأمرية الرئاسية التي هي القانون المؤسس لسياسة التعليم الوطنية.

والخطأ الآخر الذي ارتكبه الوزير ولم تناقشه الحكومة، ولم تعلق عليه الدولة، ولم يسائل البرلمان الوزير عن هذا التجاوز القانوني، ومن الأخطاء التي ارتكبها الوزير وهي تمس الجوانب الأساسية في التعليم، هي إلغاء سياسة تكوين المعلمين، وإبطال العمل بنظام المعاهد المنشأة لهذا الغرض، وبهذا الإجراء أصبحت الوزارة تلجأ في مجال توفير المعلمين إلى التوظيف المباشر من دون إعداد مسبق، وهذا ما جعلنا نلاحظ ضعف مستوى التعليم لأن المعلمين الذين أصبحوا يمارسون العمل ليسوا مهيّئين له، وهذا الخطأ سكتت عنه الدولة، وقبلته الحكومة، ولم تناقشه وسائل الإعلام، وما أهمله النقاش هو ما دعت إليه الوزيرة بن غبريط من تعليم اللهجات الدارجة، وحذف البسملة من الكتب والعمل بمناهج الجيل الثاني، واللجوء في شرح الديمقراطية إلى الاستفتاء الذي نظمته فرنسا لتحديد الانتماء السياسي للجزائر.

ومن الإجراءات التي أقدمت عليها الوزارة ولم تحدد الأساس العلمي أو التربوي الذي فرض هذا الإجراء هو تعديل هيكلة التعليم الإلزامي بفصل الابتدائي عن المتوسط وفرض امتحان فاصل، ومهيئ للانتقال إلى المتوسط، وشمل الإجراء إعادة تنظيم المرحلة بحذف سنة من الابتدائي وإضافة سنة إلى المتوسط، وبهذا لم تعد المرحلة الإلزامية نظاما متكاملا.

ومن أهم ما كان يجب أن يناقَش في الحصة هو مميزات نظام التعليم الأساسي الذي هو توجُّهٌ تربوي حديث فرضه التطوّر وأكدت قيمته من خلال ما شرحناه، أن هذا التعليم لم تناقش توجهاته ولم يتعرض المناقشون لإلغائه.

والذي يجب ذكره في آخر هذا التعليق هو أن الإجراءات التي اتخذتها الوزارة وتم تنفيذها لم يرد ذكرها في تقرير اللجنة (لجنة الإصلاح) ولم تدرجها الدولة في برامج التغيير، إنما هي قراراتٌ فكر فيها الوزير واعتبرها جزءا من الإصلاح، وهذا ما أصبح متبعا في السنوات الأخيرة، وبهذا تدهورت الأوضاع وتدنى المستوى، والذي جعل الوزارة تنفذ هذا الأسلوب هو غياب الهيئة المكلفة بالتوجيه، وتخلي المسؤولين في الدولة عن جانب من مهامهم السياسية التي تركوها للوزارة التي أصبحت تمارس، لأنها لم تجد بجانبها هيأة تنوب عن الدولة وتضطلع بالمهام التي توجه تفكيرها، فالوزارة تدرك أن مهمتها هي تنفيذ ما تقرره الدولة، ولكن غياب الهيأة جعلها تحس بمسؤوليتها هي الجمع بين التفكير والتنفيذ، وهذا ما أصبحت تقوم به منذ سنوات.

كنا نودّ أن يتناول النقاشُ الهدف الأساسي من التعليم الابتدائي، ويذكر المواد التي يجب التركيز عليها كإتقان القراءة والمحادثة والإملاء وشرح النصوص وتأجيل المواد الصعبة إلى ما بعد السنة الثالثة ابتدائي، وكان يجب أن يشار إلى الأنشطة المقرَّرة والتي لا تمارَس في المدرسة وهي الرسم والموسيقى والتربية البدنية، لأنه لا يوجد معلمون مهيأون لها، كان المفروض أن يهيأ معلمون، أو يستدعى من يقوم بها من خارج الوزارة.

وهناك جانبٌ ينبغي ذكره وهو الصعوبة في تدريس كل المواد؛ فالمعلون لا يستطيعون تدريس كل المواد المقررة والعلاج هو ضبط خطة تعتدّ في توزيع العمل على المعلمين، يكلّف بعضهم بالسنتين الأولى والثانية ويكلف الباقي بالتخصص إما في المواد العلمية أو في المواد الأدبية وقد طبقنا هذه الخطة، وتم العدول عنها، نرى اليوم أهمية الرجوع إليها، لتمكين المدرسة من أداء ما ينتظر منها.

والجانب الذي تم شرحه هو أن المحتوى المعرفي الذي تناولته بعض الكتب غير ملائم للصغار، وأختم هذا التعليق بإبداء الرأي فيما قيل حول ثقل المحفظة وتأليف الكتب، والجانب الذي تم شرحه هو أن المحتوى المعرفي الذي تناولته بعض الكتب غير ملائم للصغار.. آراء سمعناها لا أساس لها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!