الرأي

وقفات هادئة مع رسالة السيدة الأولى في قطاع التربية

محمد بوخطة
  • 4799
  • 12

حين تتعسف في استعمال السلطة ستجعل المواطن يكره السلطة ومن يمثل السلطة.

حين تتعسف في استعمال القانون ستجعل المواطن يكره القانون ويكره واضع القانون. 

حين لا تَتَقَصَّد في استعمال حقك ستجعل الناس يكرهونك ويكرهون الحق من بعدك.

هذا ما استخلصته من التجاذب الحاصل بين وزارة التربية الوطنية ونقاباتها، لأعرِّج على رسالة السيدة الأولى في قطاع التربية في وقفات هادفة :

1 ـ  الرسالة في شكلها تمثل عرض حال أشبه ما يكون بالذي يقدمه وزير أمام مجلس حكومة أو مجلس وزراء لتبرير أدائه أمامها، غير أن وزارة التربية قدمته لتلاميذها الذين لا يفهمونه ولا يعنيهم أداء الوزارة إلا بالقدر الذي يوفر حاجتهم الأساس في ضمان حق التعليم وتوفير الظروف المناسبة له الذي هو من صميم أداء الوزارة قانونا.. حين تشعر بالارتباك، عليها أن تتوجه إلى الحكومة ومن فوقها لا إلى التلاميذ، إنها خطاب لمن لا يعنيه الخطاب.

الأزمة ستمرُّ حتما لكن إثارة الريبة حول علاقة الأستاذ بالتلميذ خطير الأثر على العملية التربوية برمَّتها، حين يفقد التلميذ الثقة في معلمه. ليس من الأخلاق أن يستغلَّ الأستاذ التلميذَ في نزاعه مع الإدارة وليس من الأخلاق أيضا أن تفعل الإدارة ذلك.

2 ـ شُحنة من العواطف واضحة لا تُنْكَر وقدر من الاستقطاب الاجتماعي والتربوي الذي يبدو ناشدا لاصطفاف غير مفيد بين فئات المجتمع المختلفة، تلاميذ وأولياء وموظفين لا يخدم الوحدة الاجتماعية ولا يعبر عن صبر وأناة موظف الدولة الذي يجب أن يتحلى يهما خاصة حين الأزمات حتى لا تغيب عنه الغاية الكبرى في خدمة المجتمع وصيانة بيضته.

ذلك ما تعبر عنه الثنائيات التي تضمنتها الرسالة:

إلى أبنائي التلاميذ الذين يتلقون الدروس الخصوصية.. وأبنائي التلاميذ الذين لا يتلقونها.

إلى عائلات ابنائي التلاميذ الميسورة الحال وإلى عائلات أبنائي التلاميذ غير ميسورة الحال.

إلى الأولياء الذين تحلوا بروح المسؤولية.. وخاصة الفيدرالية الوطنية والجمعية الوطنية.

إلى أعضاء الجماعة التربوية وخاصة الأساتذة الذين يتجندون من أجل حماية المدرسة الجزائرية من كل صنف استثناء.. 

3 ـ إن القناة الطبيعية للتواصل مع التلميذ في الوسط التربوي هي الأستاذ بصفته هذه وبقطع النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه وبقطع النظر أيضا حتى عن انتمائه النقابي أو السياسي، إن العلاقة: تلميذ ـ أستاذ علاقة حساسة جدا وإن أي محاولة لاستخدامها في غير ما وُجدت من أجله قد يأتي بنتائج عكسية أو على الأقل غير تلك المقصودة. 

عندما تشتد الأزمة تظهر حنكة المسئول حين لا يفقد البوصلة فلا يستهلك الثابت من أجل المتغير، الأزمة ستمر حتما، لكن إثارة الريبة حول علاقة الأستاذ بالتلميذ خطير الأثر على العملية التربوية برمتها، حين يفقد التلميذ الثقة في معلمه. 

ليس من الأخلاق أن يستغل الأستاذ التلميذ في نزاعه مع الإدارة وليس من الأخلاق أيضا أن تفعل الإدارة ذلك.

4 ـ رسالة للطمأنة لا شك أن ذلك هو غرض السيدة الوزيرة، غير أن المضمون لا يوحي بما يطمئن، ولأن الاطمئنان مفقود فحتى عبارة “أريدكم أن تطمئنوا” وردت فيها كلمة “اطمأنوا” غير مطمئنة همزتها مُستفزَّة فركبت على الألف بدل أن تركب النبرة .

إن ثقافة التواصل عن طريق الرسائل لا تصلح مع التلاميذ، فطريق الوصول إليهم هو أساتذتهم ومعلموهم، وإذا تجاوزنا ذلك فإن الإيحاء إليهم بشيء ما من غير دقة لا نضمن استيعابهم له كما نريد، خاصة في ظرف استثنائي، بل قد يتحول الإيحاء إلى عكس ما أُرِيد منه، فمثلا قد يتبادر إلى الذهن أن الرسالة تحمل اعترافا بالعجز عن ضمان التعليم وعدم القدرة على الوفاء به، أو معنى تحريض التلميذ على الأستاذ حتى وإن لم يُقصد، فكما ننكر على الأستاذ محاولة استخدام التلميذ في نزاعه مع إدارته، لا نقبل أيضا أن تسلك الإدارة مسلكا يوحي بمثل ذلك، إنه لعب بالنار.

5 ـ المدرسة العمومية مدرسة واحدة، ليس هناك مدرسة عمومية مجانية وأخرى غير مجانية، لا بد من ضبط المصطلح، خاصة عندما يصدر من جهة صاحبة مركز قانوني ممثلِ للدولة، لأن الحديث عن “مدرسة عمومية مجانية” يَشِي بأن هناك مدرسة عمومية غير مجانية.. أظن التعبير خان أصحابه، ليس هناك إلا مدرسة عمومية واحدة من غير تقييد ولا تخصيص.

أما صفة المجانية، فهي حق كفله الدستور الجزائري وكرسه القانون التوجيهي للتربية كحق لصيق بحق التعليم كما تنص المادة 13 من القانون 08 ـ 04: “التعليم مجاني في المؤسسات التابعة للقطاع العمومي للتربية الوطنية في جميع ألمستويات”.

أما إذا كان المقصود “الدروس الخصوصية”، فإن حديث وزارة التربية الوطنية عنها لم ينقطع من قبل مجيء وزيرة التربية الحالية ولا أظنه سيتوقف بعدها، إنه سلوك اجتماعي مرتبط بثقافة الأولياء وطريقتهم في العناية بأبنائهم، الأمر الذي لا تؤثر فيه وزارة التربية وحدها من جهة، ومن جهة أخرى فإن سوق التنافس الذي يفرض نفسه في كل شيء لم يترك إلا مسلكا واحدا لمواجهة هذه الظاهرة إذا كان من الضروري مواجهتها وهو تقديم تعليم عمومي راق ومتميز في المدرسة العمومية ذي جودة عالية يقنع التلميذ ووليَّه بأن ما تقدمه المدرسة العمومية في الأقسام أرقى مما تقدمه المرائب والشقق، ليس هناك من سبيل غير هذا، فليس على وزارة التربية الوطنية أن تكلف نفسها خوض مواجهة ليست أكثر من ضياع الوقت والجهد.

كل شيء رسمي في بلدي يقابله مثله غير الرَّسمي في الاقتصاد كما في السياسة، لم يقتصر الأمر إذن على التعليم، فعلى وزارة التربية الوطنية أن تتناسى هذه القضية وأن تنشغل بتجويد وتحسين نوعية التعليم الذي تقدمه هكذا فقط يمكن أن تواجه دروس المرائب والشقق.

أما إذا كان المقصود “المدارس الخاصة”، فالأمر ليس كذلك، إنها تشكل رافدا مساعدا لقطاع التربية ينشط وفق القانون، خاصة ونحن نسمع تصريح الوزير الأول حين يقول إن الدولة لم تعد قادرة على العناية بالمدارس الابتدائية لكثرتها.. وأرى الموضوع يحتاج إلى بحث خاص.

6 ـ وأخيرا انتبهت وزارة التربية إلى أهمية المدارس العليا للأساتذة وهي لفتة مهمة وضرورية نتمنى أن تترجمها وزارة التربية الوطنية بإنهاء الأزمة التي افتعلتها مع طلبة هذه المدارس حين تنصلت من مقتضى العقد الذي يربطهم بها فتلتزم به كما يقضي القانون وأخلاق الدولة، بهذه الطريقة فقط ستعلمهم وتعلمنا احترام قوانين الجمهورية والتقيد بها قبل أن تدرسه لهم في المدارس العليا.

على الإدارة العمومية أن تقدم النموذج في احترام القانون والتزامها به مهما كانت الظروف لتكون النموذج الذي يَحْتَذِي به الجميع.

مقالات ذات صلة