-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ولتمثال بوذا ربٌّ يحميه!

ولتمثال بوذا ربٌّ يحميه!

شهد العالم نهاية الثمانينيات من القرن الماضي قيام الثورة الشيعية الخمينية في الإمبراطورية الشاهنشاهية في إيران، والتي بدأت تتحرك خيوطها وتتفاعل أحداثها منذ سنة 1977م عندما انتقل الإمام الشيعي الخميني من العراق وحل ضيفا ولاجئا سياسيا على فرنسا الحرة والديمقراطية كما يزعمون، وما هي إلا سنتان على ذلك حتى عاد الخميني في موكب مليوني مشهود إلى طهران بعد هروب الشاه المخلوع، وقامت وقتئذ ما سُمِّي بالثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979م التي أعقبتها قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيعية في إيران إلى حد كتابة هذه السطور.

وبالموازاة مع تلك الأحداث التي شهدتها إيران آنذاك خططت القوى التآمرية الخفية الكبرى التي تعبث بالعالم قاطبة وبالعالم الإسلامي على وجه الخصوص – وذلك منذ سقوط وزوال هيبة الدولة العثمانية منذ سقوط إيالة الجزائر سنة 1245هـ 1830م – لخلق بؤرتي توتر وصراع وتطاحن على جناحي العالم الإسلامي بمساعدة وتدبير وتآمر –للأسف الشديد- بعض الأنظمة العربية الرجعية التي تتبنى المنهج السلفي الاحترابي التكفيري، في أفغانستان والجزائر. وبدأ المخطط بالدعاية الدينية السلفية الجهادية، وتصدَّرها الدعاة السلفيون والفقهاء والدكاترة والأساتذة الجامعيون المشهورون، وبدأت حملات الدعاية الدينية عبر خطاب الفتوى التكفيري والتفسيقي والتبديعي والجهادي.. وقُدِّم الأنموذج الأفغاني على أنه أنموذجٌ جهادي ديني وشرعي لإقامة الدولة والخلافة الإسلامية الراشدة والمنتظَرة.

وتطوع الآلاف من الشباب المسلم والعربي والجزائري أيضا في صفوف الجهاد الأفغاني، ثم عادوا إلى الجزائر بعد أن أفل نجمُ وفلسفة وأنموذج الثورة الجزائرية كمحرِّرة للشعوب وفشل خطط ومشاريع الراحل هواري بومدين (ت 1978م)، وصعد يومها وبقوة وشدّة بريق الخطاب الجهادي الأفغاني بفعل الدعاية السلفية الجهادية، وضخ وسائل الإعلام الفضائية وغيرها.. التي صارت تقدم الأنموذج الجهادي الأفغاني على أنه هو السبيل الوحيد والمضمون لخلاص الأمة الإسلامية من هيمنة الشيوعية والحكام الفاسدين.. كما أعادت القوى التآمرية الخفية استنساخ أنموذج الربيع العربي التآمري لاحقا في  2011م..

وما هي إلاّ بضع سنوات حتى بدأت الجزائر تشهد قيام التيارات الإسلامية والجهادية المعارضة، وصار ارتداء الزي الأفغاني أحد مظاهر التقدير والإعجاب والاحترام والتدين والثورية على الظلم والطغيان.. بل صار كل شاب متهوِّر عائد من أفغانستان ينادَى باسمه ويُضاف إليه عبارة الأفغاني، فهذا (مراد الأفغاني) وذاك (منير الأفغاني)..  والتي أفضت نهاياتها إلى تكوين التشكيلات والتنظيمات الإرهابية التي أحرقت الجزائر سنوات 1992م بعد حادثة تفجير المطار.. في أسوإ تجربة فوضوية وتغيرية وتخريبية عرفتها الجزائر الثورية الجريحة..  إلى أن عرفت الجزائر استصدار واستفتاء قانون المصالحة الوطنية فالوئام المدني سنة 2005 في عهد الرئيس الآفل عبد العزيز بوتفليقة..

ولله الحمد فقد انطفأت جذوة الشر والفساد التي أشعل فتيلَها إخوانُنا العرب باسم الدين والإسلام السلفي والسني الصحيح، وغيرها من الشعارات والدعايات والخطابات الدينية المأجورة.. وذلك بفضل غيرة ونخوة وهبَّة الشعب الجزائري وقيادته على وحدة وأمن واستقرار وسمعة ورفعة الجزائر.. وهو أمرٌ يُحسب للقيادة السياسية والحزبية والوطنية الجزائرية –يومها- على الرغم من تعثراتها وكثرة أخطائها.. إلاّ أنه يُحسب لها هذا المنجز الاستراتيجي، ولعله –في اعتقادي- هو الذي أدام وأطال عمر هذا النظام إلى اليوم.

ومع قيمة ووجاهة وعِظم ذلك المنجز السياسي والحضاري العظيم الذي يُسجَّل للجزائريين عموما قيادة وشعبا، وهو الذي يدفعنا قرآنُنا وديننا للاعتراف به وتثمينه لقوله تعال: (ولا يجرمنَّكم شنآنُ قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)..  وإن كان هذا الإنجاز كافيا لوحده كمنجز استراتيجي، إلاّ أن الجزائر تعوقت وتعطلت وتأخرت عن ركب المدنية والحضارة المرجو منها داخليا وخارجيا..

والحمد لله فإن فشل المخطط التآمري في الجزائر بفضل التآزر الوطني والشعبي مع القيادة السياسية للبلاد، فإنه قد نجح في أفغانستان، وصار الإعلام وقنواته ووسائله التآمرية المأجورة تقدم لنا أمراء الحرب الأفغاني على أنهم رسل الخير والنصر والعزة والتمكين في الأرض.. وأنهم هم من سيقيم صرح الخلافة الإسلامية الراشدة، وتحت تأثير تلك الدعايات الجذابة والخطابات الروحية والنفسية والوجدانية.. صرنا ننظر إلى صور أمراء الحرب نظرة إعجاب وإكبار واحترام وولاء.. فهذا (برهان الدين رباني)، وذاك (قلب الدين حكمتيار)، وذاك أسد بانشير (أحمد شاه مسعود)، وهذا المجاهد الدكتور (عبد الله عزام)..  وهذا وذاك..

وظلت أفغانستان وشعبُها المسكين الفقير الطامح للحياة الكريمة تعاني من ويلات الحرب والاحتراب والصراع لسنوات دون الوصول إلى حل ينهي ويلاتهم الفظيعة التي رسمت معالمها الطائرات القاذفة الاستراتيجية (ب 52)، حتى رضوا بالمفاوضات التي أعقبت قيام حكم جماعي، ولكنه لم يستقر حتى استولت طالبان على الحكم، وقررت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من الأوربيين يومها إعلان الحرب على أفغانستان والعراق بعد أحداث الـ11 سبتمبر 2001م، وملاحقة أمراء الحرب، ولاسيما بعد أن حطم مقاتلو طالبان أنف تمثال (بوذا)، وللأسف الشديد وكمعلومة تاريخية مقارنة وبشعة فقط تكشف لنا حقيقة النفاق الغربي اليهودي، فقد حطّم (نابليون بونابرت) الذي كان جُل جيشه من المساجين واليهود سنة 1798م أنف تمثال أبو الهول؟ وعددتم ذلك شيئا عاديا وطبيعيا طالما أنه جاء من قائد مسيحي يحق له قتلُ وحرق وتدمير وتخريب كل شيء، كما هو مثبت في التوراة المحرفة بأسفارها الخمسة (التكوين، الخروج، العدد، التثنية، صموئيل أول..).

وقد فعلت ذلك جراء الصيحات والتحذيرات في العالم تناشد وتطالب بوضع حد لهذا التنظيم الإرهابي.. وجراءها تدخلت قوى التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وشنت الحرب على الشعب الأفغاني المسكين، واتخذت اسما لها وهو (الحرب على الإرهاب)، وسخَّرت الأموال والجهود والإمكانات ووضعت ترسانة من أكثر المنظومات الحربية دقة وتدميرا في سبيل القضاء على تنظيم القاعدة وزعيمه (أسامة بن لادن).. وتم لهم ذلك حسب الدعاية الغربية الكاذبة وغير الموثوق بها البتة، فربما يظهر أسامة بن لادن يوما ما وهو يعيش في الأرجنتين أو الأورغواي كما عاش هتلر هناك بعيدا عن الأنظار حتى توفي سنة 1969م.. نظير ما قدَّمه ابن لادن أو هتلر من خدمات للقوى التآمرية الخفية التي تعبث بالمشهد العالمي يوميا.. وكما نرى ونشاهد اليوم على الساحة العالمية (الأزمات الاقتصادية، التنافس والتكالب الاقتصادي المحموم بين الصين والغرب، تخفيض أسعار المواد الخامّ، العبث بالشعوب والأنظمة وبحاضرها ومستقبلها.. الربيع العربي، التطبيع مع الكيان الصهيوني، الانقلابات العسكرية والسياسية.. إضعاف التنمية، خلق الأزمات المفتعلة، تحريض ودعم التنظيمات الإرهابية..).

وللأسف الشديد فقد أخذت الأحداث المنحى الذي رسمته قوى التآمر الخفية ولكن هذه المرة بعيدا عن فتاوى مشايخ الفتنة السلفيين والأنظمة الرجعية الداعمة لهم.. كما كانت في أحداث الجهاد الأفغاني سنوات (1978-2001م)،  بل سارت وفق النظرة السياسية العالمية الجديدة التي تدبِّرها قوى المكر الخفية، والتي مفادها ترك المناطق المنهَكة وعدم الالتفات إليها البتة، فالانسحاب من المناطق المنهَكة بالصراعات والانقسامات مثل العراق والصومال وأفغانستان والخليج العربي وباب المندب وإيران… يفيد كثيرا في الاحتفاظ بمناطق أكثر حيوية وفائدة  كاليونان المفيدة في مواجهة تركيا الصاعدة بعد استعداد تركيا حضاريا واقتصاديا لتمزيق معاهدة لوزان 1923م الجائرة.. وإسرائيل التي تشكل عمقا استراتيجيا ودفاعيا أوَّليا عن أوربا المسيحية.. والتحول نحو مناطق أخرى أكثر قيمة ومكانة وأهمية.. كمحاولة إنهاك الجزائر كقوة إقليمية في المنطقة، وذلك بخلق الأزمات الداخلية عبر أعوانها وخونتها وأزلامها الأوفياء للمشروع الاستعماري الهادف إلى تمزيق الجزائر كأكبر دولة عربية وإسلامية من حيث المساحة الجغرافية، إذ لا يهدأ بالٌ للصهيونية العالمية ولا للصليبية الحاقدة أن ترى بلدا عربيا ذا مساحة واسعة وشاسعة جدا.. فهي لا ترضى إلاّ بتمزيق وتفتيت الجزائر إلى كيانات عرقية وإثنية متناحرة متصارعة، وليصير حالُها كما ذهب إلى ذلك المجرم الدموي سفاك الدماء القاتل (شمعون بيرز) في كتابة (الشرق الأوسط الجديد)..

وهو عين ما شهدته أحداث الحرائق المهولة والمفتعلة في منطقة القبائل وتبعاتها الإجرامية، وهو عين ما تذهب إليه المخططات الخفية المتَّجهة نحو حدود الجزائر وشغلها بالأزمات الخارجية مع الأزمات الداخلية المفتعلة، فبعد اجتياح نظام المخزن العميل للصهاينة ما تبقَّى من الأراضي الصحراوية وتمزيق اتفاقية سنة 1991م، وإشعال نار الحرب ين الفرقاء الليبيين وانقلاب قيس سعيد التآمري من قِبل الأنظمة العربية العملية لمخططات التطبيع واتفاقية القرن في تونس.. وانقلاب مالي وإشعال فتيل الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الحيوية، تجد الجزائر نفسها محاصرة في خضم وأتون حرب داخلية مشتعلة بالأزمات تغذيها أزماتٌ وتوترات خارجية لا تنتهي.. ومن هنا يبدأ المشروع التآمري على العالم الإسلامي حسب تخطيط القوى الخفية بإضعاف ما تبقى من قوى قوية وعصية فيه، بعد محاولة تدجين باكستان وإيران وإندونيسيا وماليزيا..

وفي ختام هذه الإطلالات التاريخية والسياسية والتنويرية نسأل قوى التحالف الغربي التي غزت أفغانستان سنة 2001م لتحمي تمثال بوذا الذي كسرت أنفه طالبان، والتي أشعلت فتيل حرب أهلية دامت عشرين سنة كلفت الضحايا والأموال والخراب والدمار بمختلف أنواعه: من سيحمي تمثال بوذا المسكين بعد رحيلكم المباغت عنه؟ ومن سيضمن الديمقراطية الكاذبة والمزعومة التي دمّرتم من أجلها شعوبا وأمما بأكملها؟ ومن سيحمي بقايا الخونة والعملاء والمرتزقة الذين انقلبوا على شعبهم ووقفوا في صف المعتدين؟ وهل بقي أحدٌ يملك شيئا من الوطنية والكرامة يثق في الغرب المفسد والمدمر والمتآمر؟

أعتقد لا.. حتى تمثال بوذا يبكي اليوم خيانتكم وتخليكم عنه، أم لتمثال بوذا رب يحميه؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار.. أللهم اشهد أني بلغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • المتنبي

    وهكذا ندرك قيمة الوحدة الوطنية.. وندرك المنجز الاستراتيجي الذي اضطلعت به السلطة الجزائرية في الحفاظ على الوحدة الوطنية الشاملة والترابية للجمهورية الجزائرية بالرغم من الكثير من التعثرات في الكثير من المجالات والميادين الاقتصادية و الاجتماعية.. ومع كل هذا فمنجز الوحدة الوطنية تشكرون عليه وبارك الله تعالى فيكم.. المهم حذار من المشاريع المستوردة التي جنت علينا الكثير من التخلف والتعثر.. فالجزائر غنية بأبنائها المخلصين..

  • أحمد

    عندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة مكة عام الفتح كان يحطّم الأصنام ويتلو قوله تعالى قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.و الأصنام والأوثان هي حضارة المشركين الوثنيين وليست حضارة المسلمين الموحدين.

  • أبو تمام

    ارأيتم كيف كذب الغرب على نفسه.. أين هي الديمقراطية وحقوق الإنسان و غيرها من السنفونيات؟؟؟