-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
دفع إلكتروني وتطبيقات ذكية وأنترنت الجيل السادس لأول مرة

وهران التحدّي.. “مدينة رقمية” على هامش الألعاب المتوسطية

مريم زكري
  • 4189
  • 0
وهران التحدّي.. “مدينة رقمية” على هامش الألعاب المتوسطية
ح.م

انتفاضة تكنولوجية تلك التي شهدتها عاصمة الغرب الجزائري وهران، قبيل انطلاق ألعاب البحر الأبيض المتوسط في طبعتها التاسعة عشر، فالتحضيرات التي استغرقت سنتين كاملتين، جعلت لؤلؤة المتوسط تدنو من تحقيق حلم “المدينة الرقمية”.

صيرفة ودفع إلكترونيان وعمليات بنكية عن بعد، بيع وشراء دون نقود، وتطبيقات ذكية للتجوال والسياحة، كل هذه الخدمات يمكن الحصول عليها بلمسة زر واحدة!

فسكان وهران، الذين لطالما اشتكوا من ضعف شبكة الأنترنت، بل وفي بعض الأحيان رداءتها، لم يتوقّعوا أن تكون ولايتهم أول مدينة في الجزائر، لتعميم تجربة أنترنت “ويفي 6” بسرعة تدفق تصل 140 ميغابايت في الثانية.

ما هي تقنية ويفي 6؟

هذه الشبكة ظهرت لأوّل مرة في العالم سنة 2018، لكنها لم تصل إلى مستخدميها إلاّ سنة 2021، بسبب تكلفتها العالية ودقتها اللامتناهية، كما لم يتم تعميمها إلى اليوم على نطاق واسع.

وقد تمكن الجيل السادس للويفي من رفع سرعة تدفق الأنترنت بـ30 بالمائة مقارنة مع “ويفي 5″، بل وحقّق معجزات في مجال إرسال البيانات والاتصال بالشبكات اللاسلكية، لاسيما على مستوى الملاعب ومراكز التسوّق وقاعات المؤتمرات والمطارات.

ولا يختلف اثنان على أن ألعاب البحر الأبيض المتوسط، جلبت الحظ لـ”الوهرانيين” وجعلت المدينة تكتسي حلة التكنولوجيا والرقمية، وتحظى بالتجربة رقم 1 لشبكة الـ”ويفي” من الجيل السادس.

ويعرّف الخبير في مجال الرقمية عثمان عبدلوش في تصريح لـ”الشروق” تقنية “ويفي 6” بأنها “تطبيق شبكي لا سلكي، لا يستعمل فقط لتوزيع الأنترنت وإنما أيضا في عمليات إرسال البيانات بشكل أكثر سرعة وأعلى كفاءة، كما أنه تقنية للربط بين التجمّعات والتعاملات اليومية للأشخاص”.

وحول حقيقة هذه التقنية، يقول الرئيس المدير العام لمؤسسة اتصالات الجزائر عادل بن تومي في تصريح لـ”الشروق” أن فريق إتصالات الجزائر اشتغل سنتين كاملتين ليل نهار، للتمكن من إطلاق هذه التكنولوجية عالية الدقة بولاية وهران، عشية انطلاق ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وهي أعلى سرعة للأنترنت في العالم حسبه، من شأنها المساهمة في إنجاح الحدث الرياضي الهام.

ويؤكد بن تومي أن شبكة ويفي 6 تسمح للمشترك بالحصول على أنترنت يصل تدفّقه 140 جيغا أوكتي، وهو رقم استثنائي، أثار إعجاب المحلّيين والأجانب، حيث قامت مؤسسة إتصالات الجزائر بإجراء سبر آراء منذ اللحظة الأولى للحدث، لرصد انطباعات الوافدين إلى القرية العالمية والفنادق وحتى أماكن عمل الصحافة الوطنية والأجنبية.

وعبّر جميعهم عن رضاهم بالخدمة، وجزموا أن الشبكة لم تشهد أية انقطاعات، بل بالعكس فالتواصل وإرسال البيانات يتم بسلاسة ودون أي مثبّطات، يضيف بن تومي.

ويعتبر الرئيس المدير العام لمؤسسة إتصالات الجزائر أن هذه التجربة التي لقيت استحسانا كبيرا على مستوى مركز المؤتمرات بوهران وفي القرية العالمية والفنادق ومراكز الصحافة، سيتم تعميمها خلال المرحلة المقبلة وفق برنامج طموح عبر 58 ولاية.

فـ”الويفي 6″ برنامج تكنولوجي ضخم تسعى إتصالات الجزائر لجعله في متيسّر كافة الجزائريين حيثما وجدوا، استجابة لتوجيهات السلطات العليا في البلاد.

وفتحت إتصالات الجزائر بمناسبة الألعاب المتوسطية، شبكة الويفي مجانا بولاية ووهران، واستثناء لضمان تواصل دائم ودون أية عراقيل، خلال هذا العرس المتوسطي.

كما نشرت عبر صفحة المؤسسة الرسمية بالفايسبوك: “إلى وهران سنصل ومن وهران سنصنع الحدث”، وصرّح بن تومي في صفحته عبر شبكة “لينكد إين”: “حاضرون ومجنّدون لخدمتكم خلال العرس الرياضي لألعاب البحر الأبيض المتوسط، لنكون دائما أقرب ولتكون وهران والجزائر في القلب، بصفتنا الشريك الرسمي لألعاب البحر الأبيض المتوسّط”.

سبر آراء إيجابي 100 بالمائة

وتجري مؤسسة إتصالات الجزائر اختبارات يومية وسبر آراء كل 24 ساعة على مستوى القرية المتوسطية العالمية لاستشراف رضى المقيمين حول مستوى شبكة ويفي 6، وفقا لما يؤكده عادل بن تومي، حيث لم يتلقوا إلى غاية اليوم ـ اليوم الخامس للألعاب المتوسطية ـ أي رد فعل سلبي.

وتكشف نتيجة اليوم الرابع لسبر الآراء اطلعت عليه “الشروق” عن رضا كافة المستجوبين عن خدمة الأنترنت وشبكة الويفي، وقالوا أنها إيجابية بنسبة مائة بالمائة.

ويتضمن سبر الآراء 440 مستعملا للشبكة، منهم 45 مقدوني، و40 يوناني و45 مصري و40 كرواتي، و40 تونسي و40 إسباني و50 إيطالي، و45 فرنسي و40 سلوفيني، و50 شخصا من مختلف عمال المطاعم و5 أعوان للحماية المدنية، إضافة إلى عناصر الوفد الجزائري.

ويوضّح عادل بن تومي أنهم لم يتلقوا طيلة الفترة سالفة الذكر أي احتجاج بشأن نوعية خدمة الأنترنت بالقرية العالمية ومركز المؤتمرات وحتى قاعات ومراكز الصحافة.

وثمّن التجمّع الجزائري للناشطين في الرقميات رفع سرعة تدفّق الأنترنت بولاية وهران بمناسبة الألعاب المتوسطية، وقال رئيس التجمّع بشير تاج الدين في تصريح لـ”الشروق” أن هذه الخطوة ستمنح صورة إيجابية وطيّبة للجزائر في أعين الزوار والمشاركين في هذه الألعاب.

وأضاف المتحدّث: “إن التجمّع لم يتوان عن النقد حين استلزم الموقف ذلك، وكذلك يثمّن اليوم ويهنئ وزارة البريد على هذا العمل الجبار الذي أنجز في ظرف وجيز”.

ودعا التجمّع إلى تعميم هذه التجربة على كافة ولايات ومدن الوطن، على امتداد السنة، وختم المتحدث قوله “ندرك أن استثمارا ضخما كهذا سيستنزف مبالغ طائلة، ولكن أهمية خدمة الأنترنت وجودتها تفرض علينا ذلك”.

4 بنوك لتوفير خدمات “ماستر كارت” و”كارت فيزا” للأجانب

رقمنة ولاية وهران لم تقتصر على مضاعفة سرعة تدفّق الأنترنت، وإنما مست أيضا قطاع البنوك والعمليات المصرفية، فالقرية المتوسّطية العالمية والفنادق والمساحات التجارية الكبرى حظيت في ظرف قياسي بفرصة ولوج عالم الدفع الإلكتروني والشراء والبيع “أونلاين” من أوسع أبوابه، عبر التزوّد بآلات تكنولوجية رفيعة المستوى.

هذه الخطوة أتاحتها 4 بنوك تتوفّر على خدمات “ماستر كارت” و”كارت فيزا”، لتمكين الأجانب الوافدين إلى الجزائر من إجراء عمليات بيع وشراء دون نقود ورقية، وإنما فقط من خلال بطاقات الإئتمان والدفع الدولية، وهي البنك الخارجي الجزائري والقرض الشعبي الجزائري وبنك التنمية المحلية وبنك الخليج الجزائر.

وفي ظرف قياسي عمّمت هذه البنوك على مستوى القرية العالمية والفنادق والمساحات التجارية الكبرى والملاعب أزيد من 40 موزّع آلي للنقود ” DAB” و30 جهاز دفع إلكتروني متعدّد الأطراف “TPE”.

وتندرج هذه العملية يقول رئيس الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية رشيد بلعيد في إطار الجهود اليومية للبنوك لتعميم خدمات الدفع الإلكتروني وأيضا لرقمنة مدينة وهران عشيّة الألعاب المتوسطية، ولن يقتصر الوضع على عاصمة الغرب حسبه، وإنما ستشمل جميع مناطق الوطن.

وحول سبب اختيار 4 بنوك لتتولّى المهمة، يجزم بلعيد في تصريح لـ”الشروق” أن الانتقاء جاء بناء على توفّر هذه الأخيرة على خدمات بطاقات الإئتمان الدولية مقارنة مع بنوك أخرى، إذ اكتفت المؤسسات المالية بتعميم الموزعات والأطراف الإلكترونية عبر الهياكل والفنادق الجديدة.

ورافقت العملية حملة إشهارية وتحسيسية واسعة، باللغة العربية والإنجليزية لتوجيه زوّار الجزائر إلى الموزّعات الآلية ونهائيات الدفع الإلكتروني دون أية عراقيل، بهدف إنجاح العرس المتوسّطي.

كما تم بالموازاة مع ذلك، الكشف عن تطبيقات هاتفية ذكية، تسمح بالقيام بكافة التحويلات المالية والبنكية بكبسة زر، وفي ظرف بضعة دقائق وأحيانا ثوان، ويمكن من خلالها التقّرب لكافة الموزّعات، في عملية دقيقة يطلق عليها الخبراء تسمية “صيرفة إلكترونية”.

تطبيقات “سمارت” لتشجيع السياح

رقمنة وهران لم تقتصر على ذلك، وإنما شملت أيضا تطبيقات ذكية بالجملة للبيع والشراء والسياحة والنقل واكتشاف المناطق الخلّابة ومتابعة الحدث الرياضي والتعارف والفن والموضة والمسرح والثقافة.

فعجّت المنصات والمواقع الإلكترونية بعشرات التطبيقات الجديدة، التي كان أبطالها شباب جزائري مبتكر هدفه استغلال فرصة الألعاب المتوسّطية لإماطة اللثام عن تطبيقات حصرية تجعلك تشعر للوهلة الأولى أنك في أوروبا وليس في الجزائر.

ويؤكد صاحب شركة ناشئة للدفع الإلكتروني مراد مشتة في تصريح لـ”الشروق” أن تنظيم الألعاب المتوسطية بوهران كان فرصة للشباب الجزائري للكشف عن تطبيقات ناشئة بالجملة الغرض منها الترويج للسياحة والتعريف بالمناطق الخلابة بالولاية وتسهيل التعاملات خلال فترة الألعاب، وهي المنتجات الجزائرية التي شهدت إقبالا وساهمت في إعطاء صورة حسنة عن التظاهرة الرياضية، وعن مدينة وهران والجزائر ككل.

وسبق وأن أطلق الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن قبل أيام البوابة الإلكترونية “مسارات الجزائر السياحية”، وهي منصة إلكترونية تحتوي على تطبيقات متعدّدة لتشجيع السياحة، تزامنا مع الألعاب المتوسطية، في إطار التحوّل الرقمي الذي تخوضه الجزائر وتندرج هذه البوابة أيضا في إطار ما ينص عليه مخطط عمل الحكومة وبرنامج عمل رئيس الجمهورية.

ويأتي ذلك بالتزامن مع التطبيق الهاتفي الذكي الذي أطلقه مجموعة من الشباب بولاية وهران تحت تسمية “guide Oran” لتشجيع السياحة بالولاية، والمنصة الإلكترونية لألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران، وتطبيقات النقل “تمتم” و”يسير” و”وصلني” وتطبيقات أخرى شهدت انتشارا واسعا خلال فترة الألعاب المتوسطية.

ويعلّق مشتة على هذه التطبيقات، بالقول أنها “إضافة جديدة منحت الألعاب المتوسطية لمسة تكنولوجية غير مسبوقة في الجزائر”، إلا أنه طالب بالمقابل السلطات بإقرار تسهيلات لفائدة الشباب أصحاب هذه الابتكارات.

حلم “المدينة الذكية”.. ما المطلوب؟

ويعرف الإتحاد الدولي للاتصالات المدينة الذكية المستدامة بأنها “مدن مبتكرة تستخدم تكنولوجيات المعلومات والإتصالات لتحسين نوعية الحياة وكفاءة الخدمات والعمليات الحضرية والقدرة على المنافسة مع تلبية احتياجات الأجيال الحالية والقادمة”.

ويؤكد مراد مشتة، أن المدينة الذكيّة تفترض توفر مجموعة من العناصر لتتحقق، منها منظومة رقمية متكاملة، تتيح الوصول إلى مصادر البيانات الموثوقة، بطريقة سريعة وآمنة، مع توفير خدمات استباقية تثري تجارب المتعاملين.

وحسب مشتة، فمن شروط نجاح المدينة الرقمية، هو الإفراج عن ملف الحكومة الإلكترونية الذي بقي حبيس أدراج الحكومات المتعاقبة لعقود من الزمن، والذي يشمل جميع القطاعات الوزارية دون استثناء، أي التعليم الرقمي، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وعبر كافة المستويات، ورقمنة العدالة والتجارة والحالة المدنية والصناعة والنقل والاقتصاد ككل.

وتهدف “المدينة الذكية” إلى تسهيل حياة المواطن، فيصبح استخراج وثيقة لا يتطلّب التنقل إلى مقر البلدية والانتظار لساعات في طوابير طويلة، وإنما يكفي المواطن أن يتوفر على شبكة أنترنت ويقوم عبر حاسوبه أو هاتفه النقال بطلب هذه الوثيقة بكبسة زر.

ويرى مشتة أن أحد الملفات التي شهدت تقدّما في الجزائر في مجال الرقمنة، هي عمليات الدفع الإلكتروني التي قطعت أشواطا مهمة.

وفي السياق تكشف أرقام تجمّع النقد الآلي المنشورة في الموقع الإلكتروني للتجمّع أن حصيلة نشاطات الدفع عبر الأنترنت لشهر ماي 2022، عادلت 148.70 مليار سنتيم.

وتشمل الإحصائيات دفع فواتير الهاتف والأنترنت والنقل والتأمين والفواتير المختلفة والخدمات وبيع السلع والترفيه والرياضة، وبلغ إجمالي العمليات المجراة خلال ذات الشهر 802 ألف عملية، مع العلم أن الدفع الإلكتروني يشمل أصحاب الحسابات البنكية وحتى حسابات بريد الجزائر، في حين يحصي التجمّع 231 تاجر ويب منخرط في نظام الدفع الإلكتروني بينبنكي.

ويشدّد مشتة، على أن تطوير الدفع الرقمي لا يكفي لوحده لبلوغ “مدينة ذكية”، بل الأمر يتطلّب رقمة كافة القطاعات دون استثناء.

هل ستتعمّم التجربة على بقية المدن؟

وإذا حظيت وهران بتقييم 10 على 10 في مجال التكنولوجيا والرقمية التي رافقت الألعاب المتوسطية، وساهمت إلى حد بعيد في إنجاح تنظيمها في الجزائر، فالمواطنون يتساءلون اليوم عن إمكانية تعميم هذه التجربة على مستوى كافة ولايات الوطن الـ58.

ويعلّق رئيس التجمّع الجزائري للناشطين في الرقميات بشير تاج الدين، حول الموضوع قائلا إن “تجربة الويفي 6 والدفع الإلكتروني يجب أن تستنسخ بكافة ولايات الوطن، دون استثناء”، وهو ما تعهّدت به السلطات حسبه.

وفي السياق، اعترف وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية كريم بيبي تريكي صراحة، في فيديو مصوّر نشره عبر صفحته المهنية “لينكد إين” أن احتضان وهران للألعاب المتوسطية، كان بمثابة تحدّ خاضته الجزائر على عدة أصعدة، ولم يحد البعد التكنولوجي الذي له تأثير مباشر على نجاح هذه التظاهرة الرياضية عن ذلك، كما أكّد أن هذه التجربة لن تقتصر مستقبلا على ولاية وهران.

ولم تكن لتتوفّق الجزائر في مهمتها، حسب بيبي تريكي، دون كسب رهان التكنولوجيات، وهو ما دفع اتصالات الجزائر لرفع سقف أداء شبكات الاتصالات باستخدام أحدث تقنيات الثابت والنقال وحتى “الساتل”، وأردف الوزير: “ما يمكن إنجازه في وهران يُتاح إعادته ببقية جهات الوطن لاحقا، هذا هو المكسب الذي نريد تحقيقه”.

وفي النهاية يبقى تعميم الرقمنة عبر الولايات والمدن والشوارع الجزائرية لبلوغ تصنيف “مدن ذكيةّ متكاملة” تسهّل حياة المقيمين بها، حلما صعب المنال، ولكنه قابل للتحقيق إذا توفّرت الرغبة والإرادة في العمل والنوايا الصادقة، فتجربة وهران كانت خير دليل على أن الإطارات والكوادر الجزائرية حينما تجتهد في الأداء تستطيع بلوغ النتائج ولو بعد حين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!