-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وُصوليّون يلحسون مع كل رئيس!

وُصوليّون يلحسون مع كل رئيس!
أرشيف

إنّ ما تشهده ساحة المجتمع المدني، مؤخرا، من فعاليات حيويّة في الاتصال مع ممثلي السلطات العليا والنقاش الصريح حول واقع الحركة الجمعوية وآفاقها مؤشرٌ إيجابي حتى الآن، يترجم حرص الدولة على تجسيد “الديمقراطية التشاركيّة”، وهو ما عبَّر عنه مستشار رئيس الجمهورية، نزيه برَّمضان، في أكثر من لقاء، من خلال الاستماع ومعرفة انشغالات ومشاكل الجمعويّين، فضلا عن طرح رؤيتهم لشكل التعاون مع المؤسسات الرسمية، بعيدا عن المقاربة المركزية في إدارة الشأن العام.

كما أنّ تحركات المستشار الرئاسي الثاني، عيسى بلَّخضر، تصب كذلك في نفس المنحى، لتفعيل الدور الروحي والفكري والحضاري للزوايا والجمعيات الدينية، حتى تتصدى لكل تيارات التفرقة في المجتمع، ضمن مسعى توطين المرجعية الدينيّة.

لا شكّ أن هذا التوجّه المحمود مبدئيا يشكّل بادرة حسنة تستحق الإشادة والدعم، إذ يُنتظر منها تصحيح مسار الحركة الجمعوية، لانتشالها من براثن التجربة السياسويّة وتعزيز دورها الأصيل ضمن القوى المجتمعيّة.

غير أنّ ما نلاحظه من نقاشاتٍ هامشية وتطلُّعات شخصية لدى ذوي المصالح الخاصّة، يهدد الخيار السليم بإعادة ترتيب موقع الحركة الجمعوية في المشهد الوطني، ضمن روافد البناء التطوعي والتغيير في كافة أبعاده الإدارية والسلوكية المُواطنيّة، والأهم أنْ تكون في صدارة قوى “السلطة المضادة”، كرقيب على تصرفات الدولة في كافة مستوياتها.

لقد عاشت الجزائر تجربة مجهَضة مع الانفتاح الجمعوي منذ 1989، انتهى بها إلى كمّ هائل من لجان التطبيل المنتفعة من الخزينة العمومية دون أثر في تأطير المجتمع المدني، بل احترفت الممارسة الحزبية بالظهور الموسمي الانتخابي لتزكية “الرئيس المرشح” في كل استحقاق، وهو ما ينبغي أن لا يتكرّر تحت أي شكلٍ، لأنه سيضيع وقتا ثمينا على الجزائريين في الانتقال الفعلي نحو جزائر جديدة، يكون المجتمع المدني فيها قوة اقتراح ورقابة على أعمال السلطة التنفيذية، بما يساهم في تكريس الشفافيّة والعدالة في تسيير الحياة العامة وترقيتها.

لقد تقدّم البعض في النقاش حول تحريك المجتمع المدني إلى حدود اقتراح هيكلة وطنية جامعة، في صورة “مجلس وطني” مثلا، وإذا كان مرفوضا الحكم على النيات، فإنّ القضية تطرح عديد التساؤلات المشروعة حول الأهداف الحقيقية من ذلك، لأنّ التبرير بضرورات التنسيق والتوجيه والتكتل قد لا يكون مُقنعًا لكثيرين، ممن يخشون توظيف الغطاء الجمعوي لتمرير مشاريع سياسيّة عوضًا عن الطبقة الحزبية.

إن مثل هذا المحذور واقعيٌّ وتثيره ممارساتٌ ميدانية تنطلق من المبالغة في تضخيم نفوذ المجتمع المدني ضمن نطاق الحياة الديمقراطية المعاصرة، لكن للأسف من منظور خطأ، أو بهدف مغرض مسبقًا، للانحراف به عن موقعه الطبيعي، كفاعل مجتمعي وحقوقي ونقابي وثقافي، يؤدي أدورًا بارزة، ربّما لها أبعاد أو آثار سياسية أحيانا، ولكنها يستحيل أن تكون بديلا عن نشاط الأحزاب السياسيّة وحضورها.

بمعنى أوضح أن الديمقراطية تقوم أساسًا على الانفتاح الحزبي والانتخابات الشفافة، فضلا عن التعدديات الأخرى، إذ تطمح التشكيلات السياسية وقادتها في الوصول إلى السلطة، لتطبيق أفكارها، وكل محاولة لجعل المجتمع المدني “المصطنع” بديلا عن المنافسة الحزبية داخل البرلمان أو المجالس المنتخبة المحليّة ستُفاقم في الحالة الجزائرية من حالة التصحّر السياسي التي خلّفها قحط العهد البائد للعصابة بعقلية الإقصاء والتزوير والترويض.

لذلك وجب التنبيه إلى أنَّ التفكير في تفعيل المجتمع المدني ينبغي أن يبقى في دائرة الدور المفترض، دون تجاوزٍ يجعله يزاحم الأحزاب في المشهد الديمقراطي أو المجالس المنتخَبة، لأن بعض الانتهازيين يلتقطون هذه الأيام إشارات ذبذبة مغلوطة، حيث شرعوا في التعبئة وإعداد العدّة للتموقع في سباق الاستحقاقات الدستورية والبرلمانية والمحلية المرتقبة، بدءا من الفاتح نوفمبر المقبل.

وعلى ذكر الوُصوليّين الذين ألِفُوا اللحس مع كل رئيس، فإنه يصبح من نافلة القول التذكيرُ بأنّ تصدّر وجوه “العصابات الجمعوية” المعروفة بتغيير جلودها في كل عهد، سيكون عبءا على مشروع الجزائر الجديدة، بل عازل عائق أمام تجنيد المواطنين للانخراط في خطة إعادة البناء الوطني، لأنّ وجود هؤلاء النفعيّين، كدعائم هشّة في الدعاية العامّة، يُفقِد الخطاب السياسي مصداقيته ويشوّه كل مسعى نبيل وصادق نحو التغيير الفعلي، لذلك بات من الضروري تدشين التطهير قبل مُباشرة التعمير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • خليفة

    الانتهازيون و الوصوليون في المجتمع المدني و في الاحزاب كثر ،ذلك لانهم تعودوا ،على الاكل مع الذءب و البكاء مع الراعي ،و كل همهم في تحركاتهم في المواعيد السياسية الهامة ،هو البحث عن مصالحهم الخاصة ،و قد تجد نفس الوجوه سواء على راس الاحزاب او الجمعيات ،و لكنهم كالحرباء يتلونون حسب الظرف و المحيط الذي يتواجدون فيه ،و الحل في راءي يقع على المناضلين في هذه التكتلات الحزبية او الجمعوية ،حيث يجب على المناضلين التمييز بين الخبيث و الطيب ،بين الانتهازي و الوطني الصادق ،فعلى القاعدة ان تلعب دورها في تغيير القادة الانتهازيين،اما غير ذلك فقد تبقى دار لقمان على حالها و هذا امر لا يشرف الجزائر الجديدة.

  • محمد قذيفه

    هل ما زالت الأحزاب نائمه

  • حسين حشايشي

    الحل الوحيد :

    • حالة الطوارئ
    • اقتصاد الحرب

  • مسعود البسكري

    مجرد تساؤل:
    هل هي حملة انتخابية قبل الأوان !!!؟؟؟
    طبعا إنها كذلك، لأن ما يقوم به مستشار رئيس الجمهورية برَّمضان و المستشار الرئاسي الثاني، عيسى بلَّخضر مع هذه الجمعيات والزوايا مجرد حملة انتخابية لحشد المشاركة في الاستفتاء على الدستور ليس إلا. وهي نسخ لصق لما كان يقوم به الرئيس المخلوع.
    وهما يعلمان أن أكثر من أي أحد أن ممثلي هذه الجمعيات التي تم اعتمادها بالمئات على عجل هم وصوليون كما وصفهم صاحب المقال يأكلون من كل قصعة، بدليل أن كثير من هذه الجمعيات والزوايا هم من كان منخرط ويطبل للعهدة الخامسة.