-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ياسر عرفات: اذهبوا إلى الجزائر!

ياسر عرفات: اذهبوا إلى الجزائر!

في وقتٍ حساس عربيّا ومغاربيّا، تطبعه الهرولة نحو أحضان الكيان الصهيوني والخيانات القوميّة من كل جانب للقضية المركزية للأمة، عبر اتفاقات الخزي التي تجاوزت التطبيع الدبلوماسي والتجاري إلى تحالفات عسكرية وأمنية مع العدو الإسرائيلي، يختار رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، النزول بأرض الشهداء وقبلة الثوّار، مستحضرًا وصية سلفِه، ياسر عرفات، رحمه الله، يوم أشار على رفاقه باللجوء إلى الجزائر إذا ضاقت بهم المعمورة، فإنّ بها شعبًا ثائرا لا يخذل مظلومًا ولا يدير ظهره لطالب الحريّة، حتّى في أسوإ أحواله.

ما خان الحدسُ الثوري “أبو عمار”، ولا جانبت نبوءتُه التاريخيّة الواقعَ، فها هي الجزائر تكاد تكون وحيدة في مواجهة المدّ الصهيوني بالمنطقة، محتملة كل الدّسائس والمؤامرات، لأجل الذود عن حقوق الشعب الفلسطيني ومؤازرة قضيته العادلة، مهما كلفها ذلك من أثمان في أمنها واستقرارها.

إنّ الحرّ الأبيّ وحده من يقدّر قيمة الحريّة والاستقلال، فيبذل الغالي والنفيس لنصرة أمثاله من الأحرار في كل مكان وزمان، فكيف إن كان هؤلاء إخوانًا له من بني دينه وقومه وجلدته.

أمّا مسلوب الكرامة ومعدوم الشهامة، أو فاقدهما معا من الأساس، فلا يعرف للحرية الحمراء قدرًا، فهي عنده والخيانة سيّانٌ، فهو مثل العاهرة يتسوّل بشرفه الملطّخ، عارضًا مواقف الخذلان في سوق النخاسة الدوليّة، بعناوين الدبلوماسية الذكيّة والوحدة الترابيّة، فهل عرفتم على مرّ التاريخ عاهرةً أفلحت ببيع عرضها؟

من الواضح أنّ قُدوم “أبو مازن” إلى الجزائر في هذا التوقيت بالذات يصبُّ في إطار الحشد لدعم القضيّة الفلسطينية، عشيّة التحضيرات للقمّة العربية، المقرر عقدها ببلادنا في نهاية مارس المقبل، خاصّة في ظلّ المسعى الصهيوني، المدعوم مغربيّا، لتثبيت عضويته كدولة مراقب بالاتحاد الإفريقي، ومع توجّه إسرائيل للتغلغل في الإقليم عبر نظام المخزن.

وقد كشف رياض المالكي، وزير الخارجية الفلسطينية، أن المباحثات مع القيادة الجزائرية ستتطرق إلى “وضع إستراتيجية على وجه السرعة لتوزيع الأدوار بين الجانبين، خلال الأيام القادمة، وحتى انعقاد القمة، لكبح إسرائيل”.

بعبارةٍ أخرى فإنّ “الجزائر تريد السماع من الرئيس عباس ماذا تريد فلسطين من القمة العربية؟”، وإذا كان الجوابُ معروفا تلقائيّا، وهو الدعم الفعلي لحق الشعب الفلسطيني في إنشاء الدولة على حدوده التاريخية ومواجهة الغطرسة الصهيونية على الأرض، فإنّ السؤال الآخر الذي ينبغي طرحُه بالضرورة هو الآتي: ماذا تريد الجزائر من الفلسطينيين؟

صحيحٌ أنها من الدول العربية القليلة، وربّما الفريدة أيضا، التي تناصر القضية الفلسطينية منذ عقود من دون حسابات ولا أجندات خاصة، فلا فرق عندها بين فصيل وآخر إلا بالكفاح التحرّري، وقد ظلّت تنصرها بمالها وسلاحها ودبلوماسيتها من دون املاءات ولا شروط ولا تدخّل في شؤون التحرُّر الفلسطيني منذ ستينيات القرن العشرين.

لكن هذا لا يعني أبدا أن الجزائر لا يهمّها وضع النضال الفلسطيني، ومن المؤكد أن القيادة السياسيّة الرسمية تنصح وتقدِّم رؤيتها الأخويّة في المجالس الخاصّة وفق تجربتها الثوريّة الملهِمة، لذلك دعونا نستحضر، من وحي المسار التحرّري الجزائري، ما ينبغي للأشقاء فعلُه والمبادرة به في جبهات الجهاد الفلسطيني.

إنّ على الإخوة في أرض الرباط أن يعيدوا ترتيب الأولويات على قاعدة “ما أخِذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة”، لتكون المقاومة بكل أشكالها هي عنوان الوحدة الوطنية، وما يرافقها من تحرُّكات دبلوماسية وقانونيّة وإعلاميّة ستكون مكمّلة لها ومتوِّجة لبطولاتها، أمّا الرهان على مفاوضات العواصم الغربيّة الراعية للكيان الصهيوني منذ مؤتمر هرتزل، بعيدا عن الكفاح الميداني المسلّح، فهو لهثٌ وراء سراب دوليّ، يحسبه الثائرُ حريّةً، حتى إذا جاءه وجده احتلالاً جاثمًا على حقوقه المغتصَبة بتواطؤ من البعيد والقريب.

لا شكّ أنّ القضيّة الفلسطينية تبقى مسألة قومية بالنسبة لكل العرب والمسلمين، زيادة على بُعدها الإنساني، ومن الواجب الديني والقومي في حقهم مناصرتها، لكن التجارب التاريخيّة التحرّريّة للشعوب تثبت أنّ على أهل الأرض الاتكال على أنفسهم أولاً في مقارعة الاحتلال، ومهما تعاظمت تعقيدات الحالة الفلسطينية في خلفياتها الإستراتيجيّة المتشابكة دوليّا، فلن تَعجز عبقرية شعب الجباّرين عن صياغة الحلول الابتكارية، آجلا أو عاجلاً، لتحرير بيت المقدس وأكنافه الطاهرة من شذّاذ الآفاق.

وعندما تنفجر الثورة الفلسطينية الوحدويّة مجدّدا، فإنّها سَتلِفُ شعوب الأمة جاهزة لاحتضانها، لتكون الأنظمة العربية المنبطحة مجبرة على مواكبتها، أو على الأقلّ إخلاء السبيل نحوها، حتى لا تجرفها شرعيّة القضيّة إلى مزبلة التاريخ.

لقد علمتنا ثورة نوفمبر المجيدة في الجزائر أنّ الأزمة الوطنية تلد الهمّة التحرريّة، وعندما يبلغ النضال مرحلة الانسداد الكامل لأفق الحريّة تنبثق طلائعها الجديدة من رحم اليأس، متجاوزةً كل الخلافات والزعامات والإكراهات، لذلك يرتكز الأمل الصادق اليوم على بروز جيل فلسطيني ثوريّ بديل، يرسم حدود القطيعة مع الترهّل والتشرذم والطوق الدولي، لإسقاط المشروع الاستيطاني الصهيوني.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!