-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يا عيد، أشقي أنت أم سعيد؟

التهامي مجوري
  • 1703
  • 0
يا عيد، أشقي أنت أم سعيد؟

كنت أود أن اكتب هذه المرة عن العيد، وأفرح كما يفرح الناس، في مثل هذا اليوم السعيد، الذي نتمنى ان يعيده الله على الأمة فيما تستقبل من أيامها، بالخير والعافية وبأشكال أفضل ومضامين أنفع لها وللإنسانية جمعاء.

ولكن ما وقع في غزة، من قتل وقصف وتدمير وتشريد، لم يبق للنفس عزة، ولا للحق صولة وهزة. لقد استباح بنو صهيون الأرض والعرض، وأضافوا للمآسي مآسي، وللأمراض مرض، وحكايات ومعاني للجبروت، لم يشهد لها التاريخ مثيلا، كما سقطت مئات الأقنعة، عن مئات الوجوه، سماسرة قديمة ومعاصرة، من الذين استبدلوا الشؤم باللؤم، الجروج بالقروح كما قال الشيخ الابراهيمي .

جاء العيد وليس على أرض العرب قديم ولا جديد، فلسطين تستغيث الرجال هذه المرة ولا رجال، وتستصرخ بمرارة الشجاعة والكرامة الحرة والإقدام، حيث لا شجاعة ولا كرامة ولا إقدام. لقد وزعت رجولة العرب والمسلمين، وشجاعاتهم وكراماتهم وإقداماتهم، على نظمهم البئيسة ومجموعاتهم المتمردة التعيسة، فهم يمارسون رجولاتهم وشجاعاتهم وكراماتهم وإقداماتهم، فيما بينهم، كما تمارس الوحوش المفترسة رجولتها وشجاعتها وكرامتها وإقدامها.

 فالحاكم العربي يقتل شعبه ولا يستحي، لا لشيء إلا لأن الشعب قال له تنحى، والجار العربي والمسلم ينتقم من جاره ولا يبالي، لأنه سني وهو شيعي يريد ان ينتقم لتاريخه وقوميته، والأخ يمثل بأخيه فيقتله، ويقطعه كما تقطع الشاة بعد سلخها، لأنه شيعي وهو سني يريد أن ينتقم لدينه وينتصر لمذهبه، وكل ذلك يمكن حوصلته في المثل الشعبي الجزائري القائل “طاقق على من طاق “، و”داب ياكل جحش“.

لا شك ان هذه “الممارسات الساذجة الساقطة” من ورائها مصالح دول وبارونات فساد ومفسدين وعصابات لا تتورع في استثمار كل شيء من أجل تحقيق مصالحها، بما في ذلك دم الإنسان وكرامته وعرضه، و الجرم واحد، وسواء كانوا من الذين ادعوا الدفاع عن قضايا الأمة او الذين باعوها، إذ لم يكتف هؤلاء المجرمون بتثبيت جرمهم؛ بل جروا معهم الشعوب، وجعلوا منها هي اليد الضاربة والضحية في نفس الوقت، فهي القاتل وهي المقتول. ولا أدل على ذلك من هذه الحشود من مقاتلي داعش وفصائل القتال الشيعية في العراق، والجيش الحر والجيش النظامي السوري، كلها فرق تساق إلى الموت، بأوهام غير الحقيقة، التي لا يعرفها إلى المستفيد الحقيقي، وهو خلف الستار بلا شك.

وإلا قولوا لي بربكم، ما الفرق بين من مات في صفوف داعش وصفوف مليشيات الصدر وفرق الجيش الحر وفصائل الجيش النظامي السوري، ما دام القاتل منهم وفيهم وعلى أرضهم ولا غريب بينهم؟ إنها الأوهام التي يقذفها الانتهازيون وأرباب المصالح الداخلية والخارجية في نفوس المستضعفين، ثم ما الفرق  بين المطبع والممانع في قضية فلسطين؟ وإذا كان المطبع قد خان القضية، فماذا قدم الممنانع لها؟ وكم صاروخ أطلق؟ وكم تدخل سياسي قام به؟ وكم من مبادرة تخدم فلسطين بادر بها؟ وكم من مشروع نصرة أنجز؟

فإذا استثنينا الجزائر، التي لم تتدخل في الشأن الفلسطيني إلا بما يخدمها فقط، بل تركت الأمر إليهم أولا ثم وضعت امكاناتها تحت تصرفهم، أكاد اجزم ان الجميع متاجر بقضية فلسطين، سواء بالعمل أو الاستعمال، سواء من الذين طبعوا والذين مانعوا.

اما المطبعون فجزاؤهم عند ذوي نعمتهم من اليهود الأمريكان، واما الممانعون وعلى رأسهم نظام الأسد وإيران وحزب الله ذراعهم في لبنان، فإن ممانعاتهم منحصرة في مصالحهم الوطنية والإقليمية، وإلا لماذا لا يهاجمون في الوقت المناسب، الذي تقرر فيه المقاومة الهجوم؟ ولماذا عندما يختارون يومهم، لا ينسقون مع مقاومة الداخل؟ ولماذا يحرصون على سق الصف الفلسطيني وتمزيقه بالوسائل المتنوعة التي يعرفونها؟ لا شك أن هؤلاء الممانعين يقدمون مساعدات للمقاومة وللشعب الفلسطيني كغيرهم من العرب والمسلمين، ولكنهم يقدمونها لغير وجه الله وفق استراتيجيهم الجزئية، وليس كما تفعل الشعوب الإسلامية، التي تمرد بعضها على حكامهم نصرة لفلسطين.

فاعذروني –قرائي الكرام- إذا قلت لكم إنني في هذه المناسبة لم أجد فضيلة في حياتنا تجاه القضية أسلي بها نفسي، سوى مقطوعتين معبرتين عن شاعرين عربيين وهما، محمود درويش يوم كان يندب حظ بيروت حيث قال:  “بيروت قصتنا.. بيروت غصتنا..”، فغزة اليوم أيضا، هي قصتنا وهي غصتنا، بحيث إذا قضي عليها فلن تقوم للفلسطينيين قائمة، ومن ورائهم العرب أيضا بربيعهم وخريفهم وصيفهم وشتائهم، لن تقوم لهم قائمة إذا ما قضي على غزة لا قدر الله؛ لأن المشروع الصهيوني ليس مجرد دولة أنشئت بمسمى دولة إسرائيل لها حدود ويمكن ان تقيم علاقات مع جيرانها وكفى، وإنما هي مشروع استعماري وريث للميثاق الإستعماري القديم، لاستمرار تحقيق المصالح الاستعمارية الكبرى، ظاهرها دولة اليهود وباطنها المصالح المتبادلة بين اليهود والغرب عموما، ولذلك لن تجد غربيا معارضا لإسرائيل، إلا من عزل نفسه عن منظومة الغرب الاستعمارية اللاإنسانية.

ذلك هو واقعنا العربي الإسلامي، مليار ونصف من المسلمين لا يقوون على إشعال شمعة تضيء على أهل غزة، اما إيصال المساعدات والمؤونات، فذلك خاضع لمعايير أخرى، وهم الآن منشغلون عنها بحسابات أخرى، غير التي تحتاجها غزة، فهم مشغولون عنها بإقامة دولة الإسلام في العراق والشام.. ومصرون على تثبيت الحكم الشيعي في العراق، ومصممون على إضعاف الشعب السوري إلى حد التركيع، ومستميتون في تمكين الدواعش وحزب الله من قيادة المنطقة، بديلا لدول قوية فيها، تحفظ الاستمرار والاستقرار خدمة للأمة، تمحو من الوجود المسحة الطائفية وتصفية الحسابات، التي لن تكون لها نهاية كما كانت لها بداية.

وهنا اسوق المقطوعة الثانية التي استحضرتها بهذه المناسبة، وهي قول مفدي زكريا رحمه الله:

وليت فلسطين تقفو خطانا   وتطوي كما قد طوينا السنينا

وبالقدس تهتم لا بالكراسي   تميل شمالا بها ويمينا

إن الفلسطينيين هم رأس القضية وهم رأس الحربة، وإذا لم يهتموا هم بقضيتهم وفق منطق تحرري مقاوم، فإنهم سيبقون رهائن “اللي يسوى واللي ما يسواش”، كما يقال، فقضيتهم بكل أسف لا تزال بأيد غير نظيفة، سواء من الأيد الفلسطينية أو من غيرها من الأيد العربية والإسلامية. وقول مفدي رحمه الله “ليت فلسطينا تقفو خطانا”، لم يقله استعلاء أو مجرد فخر، وإنما لأن الثورات الجادة والناجحة، هي الثورات التي تستقل بنفسها عن الصديق والعدو، ولا تربط مصيرها بأحد من الناس، وقبل ذلك تنقية الصف من الخونة والدخلاء على القضية، وتوحيد الرؤية، في إطار: “هذا استعمار ينبغي أن يرحل” ثم إخضاع جميع المعاني والمصالح لهذا المبدأ. وقد قال لي ذات يوم المجاهد الداعية رائد صلاح –من عرب الداخل-، على العرب والمسلمين أن يدعموا القضية، كما يدعم العالم إسرائيل، فقلت له إن إسرائيل وراءها مشروع كامل يدعمه المؤمنون به، اما أنتم فلا أحد يشعر بأنكم ضحايا مشروع لستم مسؤولين عنه وحدكم، ومن ناحية أخرى العالم العربي والإسلامي عالم محجور عليه، وهو غريق في أوحاله، والغريق لا يستنجد بغريق.

اما إسرائيل فهي محمية بدول الطوق وبفعل المعاهدات الدولية، بما في ذلك حزب الله نفسه الذي لا يجرؤ على فتح الباب لمجاهد واحد يخترق الحدود إلى داخل فلسطين، كما قال أمينه العام الأسبق “الشيخ الطفيل”، ودول الطوق هذه التي تحمي إسرائيل من العدوان الخارجي، هي نفسها التي “تحمي غزة من المساعدات العسكرية والإنسانية”، القادمة من شعوب العالم الإسلامي، إلا بإرادة اليهود ومشيئتهم المباركة عربيا ودوليا.

ومشكلتنا يا عيدّ، ليست في فلسطين وحدها، فكل شبر في عالمنا الإسلامي، فيه مشكلة، وكل فكرة متداولة بيننا فيها من الصدق والوفاق بقدر ما فيها من الكذب والنفاق، وكل قضية بين أيدينا، لها من الأوفياء الصادقين، بقدر ما فيها من الخونة والمارقين.

وعلى هامش فلسطين، لا أدري يا عيد، أشقي أنت أم سعيد؟ فلا الشقاء شقاؤك ولا السعادة سعادتك، ولكنك شقي بشقائنا وسعيد بسعادتنا، وإذا كنا أشقياء، فمن سيسعدك ويسعد بك غيرنا؟ إذا كنا نحن اهلك، لا نشعر بك ولا ندري ما يراد بما، ولا ماذا نريد؟

فنحن المسلمون يا عيد، مطاردون في كل مكان، وغرباء في كل آن، فلا خير يراد لنا ولا شر يمكن ان يُنأى به عنا؛ لأننا مشكلة من مشكلات الغرب الكبيرة.. فماليزيا الدولة المسلمة التي لا يسمع بها العالم، إلا كما يسمع عن الغرائب، ومع ذلك تتيه طائراتها المدنية وتغرق في البحر وتقصف بالصواريخ، لماذا يا ترى؟ ألأن مهاتير محمد قال يوما إن اليهود يحكمون العالم بالوكالة؟ أم أن ماليزيا هي الدولة مسلمة التي علمت الشعوب المغبونة القدرة على فعل كل شيء، من غير أن تؤذي غيرها؟ وقد ضربت المثل بالمشروع التنموي المعروف بماليزيا 2020، واتمته قبل أوانه، وانطلقت في مشروع مالزيا 2050، ولذلك كانت الدولة الوحيدة التي حافظت على توازنها في سنة 1997 عندما انهارت النمور الآسيوية في أزمتها المالية.

وبلادي التي قررت ذات يوم انها لا تعترف بالانقلابات، تستقبل طاغية مصر المنبوذ، الذي أرعد وأزبد وأفسد، وبالغ في إهانة شعبه، إلى حد تركيعه إرضاء لجيرانه، والشعب في بلادي، أشغلته مصائبه عن مصابِّه، ومشاكله عن مسائله،  ومكاسله عن معاسله، شعب غلبت عليه الحاجة والفقر والفاقة، فلا كلام له إن عن السكن والأجور والأسعار، الاستنجاد بالخوارق والثورات والكرامات.

ومع كل ذلك لا يسعني إلا أن أقول لكم إخواني الكرام عيدكم مبارك، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال؛ لأنني مؤمن أن هناك جيل جديد يتشكل في الأمة، ليسوا من امثالنا، بل أقدر منا على فهم هذا الواقع، وهم يتهيأون لفعل شيء، فهم امل الأمة ومستقبلها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!