الرأي

يا قدسنا ! يا مدينة الإسراء !

عبد الرزاق قسوم
  • 1528
  • 9

تتعرض مدينة القدس المقدسة، لهجمة تغيير شرسة من هذا الوافد الجديد على البيت الأبيض الأمريكي. وسيقول الأغرار فينا، والطيبون منا، وحتى بعض الذين لا يكادون يفقهون للسياسة حديثا، متسائلين في حدة وانفعال، مرغدين ومزبدين: ما هذا الذي يحدث في الجانب الغربي من العالم؟ ما قصة هذا الوافد الجديد على العالم؟ ما حكاية هذا القادم الجديد على البيت الأمريكي، في عتوٍّ، واستكبار، متأبّطاً شرّاً، ومتوعّداً ضرّاً.

ماذا جرى لأمريكا، حتى تقدّم للعالم هذا الذي لا يعرف إلا لغة الحرب على الجميع، لغة التهديد والوعيد؟

ماذا أصاب أمريكا من سلطان العظمة، وأية حشرة سامة لدغتها فإذا هي تتخبط كالذي أصابه الشيطان من المس؟

وحق للجميع أن يتساءلوا، بعد هذا الوجه السياسي القبيح الذي خرج به على العالم الرئيس الجديد لأمريكا، والذي ما إن ظهر في حملته الانتخابية حتى صاحبتها مواقف غريبة، وتلبّسته فضائح مُريبة؟

فهل الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب يعكس حقا العمق الأمريكي، الذي يعكر صفو السطح المصطنع، والذي ظلّ الساسة الأمريكيون يحرصون على تمثيلهم له، وإخراجه في حبكة فنية قد تخدع الناظرين، فتسحر أعينهم، بسحرها العظيم؟

وما حقيقة الشعارات الأمريكية – إذن- التي رفعها إبراهام لينكولن ومن بعده روزفيلت وكيندي، وأوباما، وغيرهم؟

لقد بطُل السحر، والساحر عندما خرج هذا الجمهوري المتطرف، من رحم أمريكا، بالأصوات التي مكّنته من الفوز على منافسته الديمقراطية، وها هو يعيث في السياسة العالمية فساداً. فبعد سقوط جدار برلين، الذي كان وصمة للعار الإنساني بين الشعوب، ها هو حائط عار آخر، يُبنى مع المكسيك، لفرض العزلة على أمريكا، والحيلولة دون المهاجرين، من كل حدب وصوب، هؤلاء الذين يعود إليهم الفضل في بناء أمريكا نفسها.

وبعد أن ظلّت السياسة الأمريكية، لعقود من الزمن تخطب ودّ العالم، وتغازل الكفاءات بالدولار والمغريات، ها هو رئيسها الجديد يرفع لائحة الفيتو أمام منح التأشيرة لبلدان يعينها، وكلها بلدان إسلامية، لغلق أبواب أمريكا في وجهها. ومعنى هذا أنّ حربا دينية، لتجسيد مبدأ صدام الحضارات الذي نادى به صامويل هنتكتن، قد أعلنت من القادم الجديد على البيت الأبيض، ولم تقم للكونغرس الأمريكي، ولا للزعماء الأمريكيين، القابعين في دواوينهم، قائمة، فيقفوا في وجه هذا الطاغية المستبد، الذي يوشك أن يذكّر العالم بنماذج من المستبدين باسم النازية، أو الشيوعية الذين ظننّا أنّ الدهر قد أكل عليهم وشرب.

وثالثة الأثافي، أننا، ونحن ننتظر، وعلى مضض ما يشربه أوباما، ومن قبله كلينتون، بحل الدولتين في فلسطين، واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، مثل عودة اللاجئين، وإيقاف المستوطنات، وجعل القدس بطابعها الديني المتنوع عاصمة لفلسطين المستقبل، والمفتوحة أمام المسلمين، والنصارى، وحتى اليهود إبرازاً لسماحة الإسلام المشعّ من بيت المقدس، وتحقيقاً للوجه الإنساني الذي يتحلى به الإنسان الفلسطيني، الذي طالما عانى من الميز العنصري باسم الدين، ومن القهر الإنساني باسم السياسة، ها هو دونالد ترامب – إذن- يخرج على الجميع بما يصدم قناعات المدافعين عن حقوق الإنسان، بتحدّيه لمشاعر المسلمين والمسيحيين، بنقل سفارة أمريكا إلى القدس، واعتبارها عاصمة الدولة المحتلة، المعتدية إسرائيل. كما عُزّز هذا الإجراء الاستفزازي، بالسماح ببناء الآلاف من المستوطنات الصهيونية الجائرة وفي القدس بالذات.

يحدث كل هذا التحدي الأمريكي، للعرب والمسلمين، على الخصوص، بضربهم في موطن الكرامة، والعزة، والسيادة، دون أن يحرّك هذا الموقف من القادة العرب والمسلمين، أدنى موقف لمواجهة الفعل برد فعل أقوى، وأقسى، كما يتصامم الفاتيكان، خصوصا بعد وفاة المناضل الفلسطيني المسيحي الأب كابوتشي وكأن حرمان الأقلية المسيحية في القدس، هو بمثابة “اللاحدث”.

وأين هي لوائح الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، أمام هذا العدوان على الضمير العالمي؟ لذلك يحق لنا، أمام كل هذا الاستفزاز الأمريكي، للعالم، أن نقول، بأنّ مواقف ترامب الاستفزازية هذه، إن هي إلا إبراز لما كان يتم من الساسة الأمريكيين في الخفاء، وأنّ دونالد ترامب في هذا،قد تحلى بالشجاعة التي تُظهر الموقف العميق، والدقيق لسياسة أمريكا، والغرب كله إزاء إسرائيل.

وإذن، وأمام كل هذا، ألا يعذر الإنسان الفلسطيني، الذي، انطفأ بصيص الأمل في عينيه، وضاع كل ما كان يحمل من رجاء لديه ليبقى لديه إلا حل اليأس وحل اليأس، هو العودة إلى سلاح الاستشهاد، وبعث المقاومة، وحمل القنبلة والبندقية وكل ما من شأنه أن يثبت به وجوده على الساحة الإعلامية، عملا بمبدأ “عليّ وعلى أعدائي” وقديما قال الشاعر العربي:

إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا      فلا يسع المضطر إلا ركوبا

على أننا، من منطلقنا لنبذ العنف، ورفض الدماء، نقول بأن حلولا أخرى لا تزال ممكنة لاستعادة الحق المسلوب، ويتمثل هذا الحق في أن يستخدم القادة العرب والمسلمين، الحق السياسي بقطع العلاقات مع أمريكا، وعدم منح التأشيرات والحق الاقتصادي، بسحب كل الأحوال المودعة في البنوك الأمريكية، والحق التجاري، بمقاطعة البضائع الأمريكية في جميع الأسواق العربية والإسلامية، وإلغاء عقود كل الشركات الأمريكية والعالمية في الأراضي العربية والإسلامية.

فهل يملك الحكام العرب شجاعة الأقدام، على مثل هذه المواقف، لإنقاذ ماء الوجه، وتبرير تخاذلهم أمام شعوبهم وأمام الرأي العام، فإن لم يفعلوا، ولن يفعلوا، فبشر العالم، بمزيد من الدماء والدموع، والمزيد من الدمار والانفجار، وليتحمل رئيس أمريكا الجديد، ما سيصيب العالم، وليحصد ما زرعت يداه، ومن يزرع الشوك يجنِ الجراح وبالرغم من كل هذا فلئن ظلت، إسرائيل، ولو لوقت معين ملكا للغرب ولأمريكا فإن القدس قدسنا وستظل لنا، بقانون الأرض وقانون السماء، وعلى الباغي تدور الدوائر.

فيا أهلنا، في قدسنا “اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” (سورة الأعراف الآية 128).

مقالات ذات صلة